في حلقة أمس جرى التطرق الى جذور الازمة داخل حركة "فتح" في اطار استقطابين، احدهما يراها نتيجة صراع الاجيال وغياب الديموقراطية، والاخر يعتبرها صراعا سياسيا ونتيجة مباشرة لنهج اوسلو وهبوط السقف السياسي. واليوم تواصل "الحياة" حوارها مع القياديين الخمسة في حركة "فتح"، عضوا اللجنة المركزية صخر حبش وعباس زكي، وثلاثة من أعضاء اللجنة الحركية والمجلس الثوري هم وزير الشؤون الامنية السابق محمد دحلان، والنائبان حاتم عبد القادر وحسين الشيخ. وتتناول حلقة اليوم قضايا فاقمت الازمة، وتحديدا غياب الاجماع على برنامج سياسي واحد، والتباس وضع السلطة الفلسطينية بين الثورة والدولة، والفساد المستشري. غياب الاجماع على برنامج سياسي أحدى القضايا التي فاقمت الأزمة داخل "فتح" هي غياب منهجية واحدة او اجماع على برنامج سياسي واحد. كان من انعكاسات ذلك تعدد الاجتهادات الميدانية، ومواصلة "كتائب الاقصى"، الجناح العسكري للحركة، هجماتها في اسرائيل حتى خلال الهدنة التي اعلنتها القيادة. ويقول دحلان: "لا يعقل ألا يكون للحركة موقف سياسي موحد أو برنامج تنظيمي موحد. كل شخص يمارس نضاله وأفكاره بطريقته الخاصة. لا يوجد قاسم مشترك بين الكادر التنظيمي الواحد. فمثلاً عندما أخذ الرئيس ياسر عرفات أكثر من 10 مرات قراراً بوقف النار ولم تلتزمه قواعد الحركة، كان ذلك نتيجة الفوضى، وبالتالي أصبح نموذجاً، فأي كادر فتحاوي يعطي نفسه الحق بأن يقرر سياسة الشعب والحركة بمفرده". ويضيف: "هذا هو دور قيادة الحركة في أن تجلس في مكان مغلق وان تناقش هذه الأمور بعمق وجدية. أنا أعرف أن الحركة وافقت على قرارات المجلس الوطني في الجزائر، والمجلس المركزي والمركزية أقرا هذا البرنامج، لكن لا يوجد اجماع بين الحركة ولا فهم مشترك، وهذا الأخطر على المشروع السياسي وأدوات النضال والمواجهة مع إسرائيل. فابن جنين يراها من منظوره، وابن جباليا يراها من منظوره، ولا توجد لغة وبيان وسياسة مشتركة تقرها المراتب العليا في الحركة لتنزل إلى أصغر عضو في التنظيم، وبالتالي تجدين ان امين سر حركة فتح في الضفة مروان البرغوثي كان يطالب بالانسحاب إلى حدود 4 حزيران يونيو 1967، وآخرون يطالبون بانهاء احتلال كل فلسطين. حتى هذه اللحظة لا يوجد فهم مشترك للمواقف السياسية بين كل أعضاء فتح أو على الأقل بين أعضاء المركزية. بالإمكان تجديد التأكيد على برامج سابقة أقرت في المؤتمرات الحركية أو أن تعدل، أو على الأقل ان يُفتح الموضوع". واذ يتفق زكي مع فكرة عدم وجود اجماع على موقف سياسي بين اعضاء الحركة، الا ان منطلقاته تختلف، فهو يعزوها الى هبوط السقف السياسي بسبب نهج اوسلو، ما أفضى الى تعدد "الاجتهادات التي اوجدت مع الايام جملة من التعقيدات ومراكز قوى ومحاور"، فأصبح "كل واحد يعتقد انه على صواب: الذي يريد ان يعقد صفقة مع الاسرائيلي لانقاذ الموقف، والذي يتمسك بالفكرة ليورثها للاجيال، وهناك من يرى ضرورة عدم مواجهة هذا السيل العارم كي لا يجرفنا وان نعرف استراحة مقاوم". لكن زكي الذي كان وصف "فتح" بأنها "حركة تحرير كامل التراب الفلسطيني، وحركة اقصر الطرق وهو الكفاح المسلح"، يعود فيقول ان "فتح لم تقترح برنامجا يتعارض مع برنامج المنظمة والثوابت الستة خلال مؤتمر الجزائر واعلان وثيقة الاستقلال. ولو لم اتفق معه لكنت خارج فتح". من جانبه، يقول حبش: "يوجد برنامج وهناك خلافات حول موضوع، لكن ليس داخل فتح، بل مع القوى الإسلامية. وهذه مشكلتنا مع اخوتنا في حماس. نحن ملتزمون قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية. وحتى لو كان هناك من يريد في فتح تحرير كامل التراب الفلسطيني، فهو لا يستطيع الخروج عن الحركة، فإما الالتزام أو الخروج منها. أنا ملتزم البرنامج المطروح في إطار النقاط الخمسة: 1- التزامنا قرارات الشرعية الدولية. 2- تحرير الأراضي المحتلة عام 1967 كاملة من دون مستوطنات والقدس محررة كاملة وعربية في المنطقة المحتلة عام 1967. 3- ومن دون جيش احتلال. 4- وضمان عودة اللاجئين إلى مناطقهم. 5- وبناء الدولة المستقلة كاملة السيادة ضمن هذه الحدود. هذا ما تمسك به أبو عمار في كامب ديفيد، إذ رفض ما طرح عليه من ابقاء 80 في المئة من المستوطنين وتقسيم الحرم، ما فوق وما تحت، وإلغاء حق العودة، وتغيير الحدود. وعندما عاد استقبله الفلسطينيون كأنه صلاح الدين لأنه لم يفرط. لذلك قامت الانتفاضة". ويقول عبد القادر ان "كل الافكار لا تتصارع ضمن خطة او منهجية محددة او تصور محدد حتى لو فئة معينة" في الحركة، بل "حتى الفئة الواحدة ليس لديها تصور او خطة لما تحاول ان تقدمه لفتح او للشارع الفلسطيني". ويخلص الى القول ان المهمات الاساسية امام "فتح" هي: "اولا، رؤية سياسية مدعومة بخطاب سياسي موحد. ثانيا، رؤية نضالية موحدة ومتفق عليها، لان كل واحد له آلية مختلفة. ثالثا، اعادة ترتيب البيت الفتحاوي بما يضمن اعطاء فرصة للاجيال الشابة بممارسة دورها في اتخاذ القرار، لان من يدفع دمه على الارض من حقه المشاركة في القرار". اما الشيخ فيقول ان "برنامج فتح في السنوات الثلاث الاخيرة هو برنامج المقاومة والانتفاضة. هناك تطورات فتحاوية طرأت محليا واقليميا ودوليا. لا بد من اعادة النظر في برنامجنا السياسي واعادة صياغة برنامج سياسي يتلاءم مع التطورات الدولية الحاصلة". "اتفاق سويسرا" أحد المؤشرات الى وجود خلافات على البرنامج السياسي ل"فتح"، هو اختلاف التقديرات والمواقف من مبادرات سياسية مثل "اتفاق جنيف". وفي هذا الصدد، تنقسم الحركة الى قسمين: أحدهما يهاجم الاتفاق لانه يتنازل عن الثوابت الوطنية وأمام جهة غير رسمية، والاخر يدافع عن الاتفاق بوصفه مخرجا من الجمود السياسي الراهن واختراقا لمعسكر الخصم من خلال سحب البساط من تحت قدمي رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وسياساته العدوانية ودحض مقولته بعدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام. ويقول زكي عن الاتفاق: "في ظل هذا الهبوط والصمت الدولي واعطاء الجريمة فرصة على حساب الحق، كأن تصبح المقاومة ارهابا في الوقت الذي يتم تجاهل الاحتلال كأعلى اشكال الارهاب، ليست الفروسية ان تكون قويا في الداخل بقدر اختراق معسكر العدو. لم اُستشر في هذه المسألة ولم اسمع عنها الا عبر الصحافة. لكن ارى انه عندما تقف مجموعة مثل امنون شاحاك ويوسي بيلين وعميرام متسناع وحاييم اورون وتقول لا لسياسة شارون، وان تصبح هذه المسألة سجالا داخل ليكود والعمل، وخلافا داخل اسرائيل، فهذا اعتقد انه اختراق لمعسكر الخصم. ونحن جزء من امة لم تتح لها فرصة لان تعبر عن نفسها، وبالتالي لا بد من تنوع كل اساليب النضال واشغال كل الجبهات لتبقى جبهة فاعلة باستمرار الحالة. ما جرى في البحر الميت ليس على الصعيد الرسمي بل الشعبي، وهذا ضرب للنظرية الاسرائيلية من خلال التأكيد ان هناك طرفا آخر في عملية السلام وحقوقا للفلسطينيين، وفيه تجاوز للحماقة الاميركية التي حسمت أمرها بأنه لا يوجد شعب فلسطيني. انه وضع خطير جدا ان نغلق الباب على ذاتنا بانتظار الصحوة العربية. لذلك لا بد من التفاعل مع معسكر اليسار في اسرائيل، فنحن سنعيش معهم على هذه الارض. هناك الطيارون الذين رفضوا قصف اهداف فلسطينية، ومسيرات شارك فيها 10 الاف في تل ابيب دفاعا عنا، والمتطوعون من اوروبا واميركا واسرائيل كدروع بشرية لعرفات، وهؤلاء يجب ان نأخذهم بعين الاعتبار. لست متشنجا لدرجة ان انفعل. شيء يتم في البحر الميت في وقت ادار فيه الناس وجههم الى الحق، وانتبه الى هذه القضية من يريد التعايش والسلام مستقبلا، الطبقة الاكثر وعيا في اسرائيل. وهي اداة كشف للجريمة التي يرتكبها شارون منذ بدئه ملازما اول في مذابح قبية ونحالين وصبرا وشاتيلا وصولا الى جنين ورفح الان. هذه اداة كشف واسقاط لكل التحالفات التي تتم على حساب الحق الفلسطيني". ويتفق معه عبد القادر اذ يعتبر ان الاتفاق "محاولة فتح باب خلفي للمفاوضات، وفتح نفق في اسفل حكومة شارون. نحن من حيث المبدأ لسنا ضد اجراء مفاوضات مع الاسرائيليين، لكن مع وضع ضوابط على هذه المفاوضات وأخذ العبر من مفاوضات اوسلو حيث اكتشفنا بعد سنوات ان مسار اوسلو لم يكن سلميا بقدر ما كان امنيا ... لكن المشكلة في البحر الميت ان التيار المركزي الفلسطيني كان موجودا ولم يكن مقابله تيار مركزي اسرائيلي، وانما مجموعة من المعارضة متفرقة ولا مستقبل سياسيا لها على المدى المنظور. لذلك لا اعتقد ان هناك فائدة كبيرة، لكن هناك محاولات الان، خطوات. نحن لسنا ضدها، لكن مع ان تكون حذرة وان لا تقع في اخطاء اوسلو". ولا يتفق الشيخ مع هذا الرأي، بل يعتبر الاتفاق "وجهة نظر شخصية لا تعبر عن موقف رسمي للقيادة الفلسطينية او تنظيم حركة فتح. هذه مبادرة ذاتية، لذلك انا اقول انها تعبر عن وجهة نظر شخصية للاخوان الذين شاركوا فيها". ويوافقه الرأي حبش الذي يتساءل: "ما الفائدة في التنازل عن حق العودة مع اشخاص غير رسميين اسرائيليين تفاوضوا في كامب ديفيد حيث، رغم كل الضغوط، لم يتنازل عرفات عن القدس او العودة. هذا اجراء غير سليم، كل ما فيه ان اليهود يغطون جرائم شارون في رفح". دحلان ايضا يعبر عن الموقف نفسه حين يقول: "هذا عمل غير رسمي لا يمثل الا الاشخاص المشاركين فيه، وهذا ما اعلنوه، وانا لم أعد ممثلا للسلطة". الموقف من المقاومة والانتفاضة وعلى رغم الخلافات على البرنامج السياسي ل"فتح"، الا انه يبدو ان ثمة توافقا بين القيادة السياسية للحركة ازاء الموقف من المقاومة والانتفاضة، اذ يرى الجميع ان المقاومة يجب ان تقتصر على الاراضي المحتلة عام 1967 وان تكون مدروسة، كما يتفقون على مقولة ان المقاومة تزرع، والسياسي يحصد. لكن هذا التوافق يتراجع لدى القاعدة والكوادر الميدانية، خصوصاً "كتائب الاقصى" التي واصلت هجماتها في كثير من الاحيان، متحدية قرارات القيادة بعدم قبولها الهدنة. ويقول دحلان: "لست من أولئك الذين يقزمون دور الانتفاضة ويستلبونها انجازاتها، ولست ممن يحملونها أعباء أكثر مما تتحمله. فمثلاً القوى الإسلامية تقول إن هدف الانتفاضة طرد الاحتلال من كل فلسطين، وهذا هدف غير واقعي ويثقل كاهل الانتفاضة ويجعلها بلا أفق. ولست من أولئك الذين قالوا إن الانتفاضة جلبت نكبة على الفلسطينيين، وهذا غير صحيح. فالانتفاضة لها ميزات وايجابيات وعليها سلبيات، وهذا ما كنا نطالب به وبضرورة اجراء تقويم جذري داخل الاطر والفصائل، على أن تقوم السلطة بمكاشفة واضحة، وهذا لم يحدث طوال 3 سنوات الانتفاضة، مما جرنا إلى مآزق سياسية خطيرة عصفت بالرئيس عرفات ومستقبل السلطة وبالشعب". من جانبه، يقول حبش: "انا لا اؤمن ان هناك مفاوضات تؤدي الى استقلال، بل مفاوضات ضمن انتفاضة تؤدي الى استقلال. الثورة لا تعني السلاح بل تغيير الواقع الفاسد بالوسائل المناسبة. لذلك نقول ان الذهاب الى انتفاضة من دون مفاوضات غير مثمر، والذهاب الى مفاوضات من دون انتفاضة خطأ. الانتفاضة يجب ان تلعب دورا اساسيا في دعم المفاوض، لان الاسرائيلي يفاوض وهو مدعوم بالدبابات والطيارات وامامه الفلسطيني. واذا لم يكن هذا الفلسطيني يحس بأن كل الشعب يدعمه، يكون ضعيفا". ويضيف: "اشكال المقاومة هي ما هو مسموح لنا في إطار قرارات الشرعية الدولية. نحن نقول إننا نريد تحرير الأراضي المحتلة عام 1967، وبالتالي الخروج عن أراضي ال1967 خطأ برأينا. أيضاً استهداف المدنيين الإسرائيليين في المناطق المحتلة عام 1948 يعتبر أحياناً في توقيته ومكانه وزمانه كأنه موجه إلى الإسرائيليين لكي يضربوا السلطة. اتفقنا مع حماس أن تعمل ما تريد داخل حدود 1967 وأن تستهدف الجيش والمستوطنين، فهذا أمر مشروع لأنهم محتلون. فلماذا ضرب الاستقرار في نتانيا؟ ألا يعني ذلك تشجيع الاستيطان في مستوطنتي ارييل ومعاليه ادوميم وشن عمليات في جنين وما نجم عنها من إقامة الجدار؟ المشروع الصهيوني موجود وجرائمه موجودة فيه، فلماذا نعطيه مبررات حتى يقف العالم معه. شارون لا يعنيني، لكن ما يعنيني أن يأخذ الرئيس جاك شيراك قراراً بإدانة حماس كإرهابية. حماس مناضلة، مناضلة، مناضلة، وعملية القدس التي نفذها الشهيد الصدر ذات طابع شخصي وانتقامي لمقتل خاله. كذلك هنادي انتقمت لاخيها وخطيبها وابن عمها. عمليات التحرر يجب ألا تكون انتقامية، بل مدروسة. يجب أن يكون مردود العمل مساوياً للتضحية التي تمت، وأنا أفرّق بين الاستشهادي العظيم الذي يجود بالنفس، فهذه نماذج عظيمة، لكني ألوم أولئك الذين يقومون بعمليات في زمانها ومكانها غير الصحيح. هذا كلام موجود، وفي فتح لا يوجد خلاف عليه. حاولنا مع حماس عندما قال شارون اعطوني أسبوعاً من الهدوء وأعود إلى المفاوضات. اتفقنا مع الحركة وأخذنا 21 يوماً، لكن إسرائيل، لكي تستفزنا، اغتالت في نابلس جمال منصور وجمال سليم، أهم قياديين في الجناح السياسي لحماس. وحتى في كتائب الأقصى، فأول عملية اغتيال تمت لقائد ميداني في فتح اسمه ثابت ثابت كانت ردة فعل على مقتل ابن اخيه، فقتل أول إسرائيليين رآهما وكانا تاجرين وليس مستوطنين. يومها وضعناه في السجن، فالانتقام يجب ألا يكون شخصياً بل رسمي. تم حينها تشكيل كتيبة الشهيد ثابت ثابت، وبعدها اغتيل بالطريقة نفسها الاخ حسين عبيات بصاروخ اباتشي. فأقيمت كتيبة باسمه. وكنا حريصين على مقاومة مدروسة تدعم الانتفاضة التي يجب أن يشارك فيها كل الشعب مثل الانتفاضة الأولى التي لم تكن فيها عمليات استشهادية وكسبت الرأي العام العالمي. كما ان هناك يهودا في إسرائيل يريدون السلام ولا يريدون شارون". ويقول عبد القادر: "نحن نؤمن بالمقاومة، ونعتقد ان النضال ضد الاحتلال هو أكفل الطرق واقصرها لزوال الاحتلال. لكن نحن مع ان تكون المقاومة راشدة، بمعنى ان تكون هناك منطقة جغرافية محددة لهذه المقاومة، واستراتيجيتنا ان نقاوم على الارض المحتلة عام 1967، ولا يوجد في برامجنا ما نقوم به داخل الخط الاخضر. وكل ما يجري داخل الخط الاخضر من خلال كتائب الاقصى، ردود فعل ليست اساسية بل عارضة وحوادث معزولة، وليست من استراتيجية فتح للمقاومة. استراتيجيتنا هي مقاومة الاحتلال على اراضي ال 1967، وان تخدم المقاومة المصلحة العليا للشعب، وان تتماشى مع حقنا الشرعي وما كفلته الشرعية الدولية من المقاومة للاحتلال، وان تكون المقاومة راشدة، بمعنى ان تحقق اهدافا سياسية. يجب ان تكون عبارة عن زراعة لحصاد سياسي قادم والا تكون مقاومة عبثية فقط من اجل فعل ورد فعل". وقال زكي: "الانتفاضة كانت ممرا اجباريا من دون تخطيط مسبق، ونتيجة فشل محادثات كامب ديفيد ووقف العملية السياسية وزيارة شارون للحرم، الامر الذي دفع بالناس الى رد فعل من دون اي استراتيجية او تخطيط او برمجة. بالتالي بدأت الانتفاضة تأخذ ابعادا بسرعة في مجال التخطيط والتنظيم بحيث وحدت شعبنا وازالت الاحباطات التي ترتبت عن المد والجزر في المفاوضات. اعتقد ان اناسا كانت لهم مصلحة لوقف الانتفاضة باللجوء الى السلاح، لان الانتفاضة لو كانت بجماهير واسعة وتناوب بين كل فئات الشعب، كأن يكون هناك يوم للمرأة ويوم للطلاب والصحة ويوم للقضاء وعلى مدى الاسبوع تترافق مع حملات دولية وعمليات عسكرية تكتيكية نوعية كما فعلنا في الانتفاضة الاولى، لكان الوضع افضل من ان يمتشق الناس السلاح وان يطلقوا في الهواء او الاعراس او المسيرات، ثم يبلغ الامر كأننا عسكر مقابل عسكر، في وقت تتفوق اسرائيل عسكريا وليس بمقدورنا خوض العمل العسكري تجاه قوة عظمى او جيش لا يقهر في المجال العسكري". ويرى الشيخ انه "في ظل سيطرة اليمين الاسرائيلي المتطرف واعتماده برنامج الامن والحرب على الفلسطينيين لفرض حلول سياسية من خلال استخدامه تراسنة الحرب والدمار، لا خيار امام الشعب الا المقاومة والانتفاضة. ليس من باب الترف او رفع الشعارات الرنانة. فالانتفاضة والمقاومة هما الخياران الوحيدان لمواجهة نهج شارون. لكن علينا ان نعيد النظر في انماط المقاومة واشكالها وجغرافيتها". عقلية الثورة والتباس وضع السلطة جانب آخر من الازمة هو الواقع الافتراضي للسلطة الفلسطينية. انه حال الالتباس في طبيعة هذه السلطة بين عقلية الثورة وعقلية الدولة. يقول عبد القادر: "نحن في مرحلة باتت تختلط علينا فيها الامور. اننا في مرحلة مشوهة ومنغولية اذا جاز التعبير، وهي مرحلة لم تبقنا في خانة الثورة ولم توصلنا الى خانة الدولة، بل اصبحنا في مرحلة بين المرحلتين، وهذا سبب الارتباك. فمنذ اوسلو وحتى الان، لم نبن مؤسسة رغم انه كانت امامنا فرصة. ورغم ما كان الاسرائيليون يبيتون لنا الا انه كان من الممكن ان يكون اداءنا افضل في السنوات العشر الماضية على الصعيد الاقتصادي والمؤسساتي والتنظيمي، الا ان القضية تتعلق بنفر آثروا مصالحهم الشخصية وبناء الذات اكثر من مصالح الوطن". ويتفق دحلان معه قائلا: "لسنا ثورة، ولسنا دولة. بصراحة انا شخصيا لا اعرف، فممارسات الثورة لا تنطبق علينا، وممارسات الدولة لا تنطبق علينا بالكامل". اما حبش فيختلف معهما، ويقول: "نعتبر اننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني. السلطة الموجودة هي سلطة انتقالية مرحلية، عندما تتشكل دولتنا عندها لكل حادث حديث". انحسار الغطاء العربي احدى الكوارث التي حلت ب"فتح" وفاقمت ازمتها، انحسار الغطاء العربي عنها وعن السلطة، وبالتالي استهداف اسرائيل للقيادة والكوادر عبر الاغتيالات والملاحقة والاعتقالات والحصار. ويعبر عبد القادر بوضوح عن ذلك بقوله: "بالتأكيد لم يعد الغطاء كما كان، ليس بسبب فتح بل بسبب مجمل الظروف التي مرت على العالم والعالم العربي، وغيرت المفاهيم والاهتمامات والاجندات والاولويات. اعتقد انه بعد 11 ايلول سبتمبر حدث انقلاب في العالم وتغيرت اولويات كثيرة في العالم العربي الذي اصبح يبحث عن غطاء لنفسه لا ان يوفر غطاء لغيره. واصبحت غالبية الدول العربية الان مهتمة بقضية واحدة هي كيف تحمي نفسها من تهمة الارهاب ... الحصار كبير ليس باتجاه فتح، بل كل حركات التحرر العربية وكل القوى التقدمية في العالم العربي. لذلك في ظل هذه الغابة من حقنا ان نشق طريقا يحمي الحركة ويحقق اهدافها وطموحات الشعب، ويجب الا يكون لدينا أمل في النظام العربي ليحمي عرفات وفتح، لان هذا النظام مهتم بحماية نفسه فقط". زكي ايضا لمح الى رفع الغطاء العربي عندما كان يتحدث عن عدم وجود جغرافية عربية تستضيف عقد المؤتمر العام للحركة: "لا يوجد الان اي بلد عربي يستطيع ان يحتضن فتح او يحتمل ان تجتمع ثوريون في أرضه واي بلد نريد ان نلتقي فيه يقول: أعقلوا لان الوضع خطير". استشراء الفساد قضية الفساد هي القشة التي قصمت ظهر الفلسطينيين وافقدتهم الثقة والامل بقيادتهم، سواء في السلطة او في "فتح". فماذا يقول اقطاب الحركة في استشراء الفساد؟ وما هو دوره في مضاعفة مفاعيل الازمة؟ لا يرى دحلان أن الفساد فاقم الأزمة، ويقول: "لا يوجد مجتمع من دون بعض التجاوزات هنا وهناك، لكن الفساد في إطار السلطة ضُخم بقصد من إسرائيل، وهذا لا يعني عدم وجود فساد أو تجاوزات، لكن عدم المحاسبة أعطى المبرر للجميع لاتهام السلطة بالفساد. لذلك في حكومة أبو مازن كان أول بند هو ضرورة الوصول إلى صيغة وحدة وطنية مع الفصائل، وبشكل متواز، بدأنا عملية اصلاح في المؤسسات الأمنية والمالية والوزارات الأخرى، لكن آمل في ألا تكون الاستقالة نهاية المشوار، وان يستمر أبو علاء فيها سواء الاصلاح أو المحافظة على الجبهة الداخلية". ويقول حبش: "نحن تحت المجهر. نعتقد اننا وقعنا في أخطاء ولدينا نوع من الفساد. أحياناً يأخذ حجمه الطبيعي ويعاقب ويحاسب، وأحياناً يأخذ حجماً غير طبيعي. عندنا مجموعة اصلاحات وكنا حريصين عليها، ولدينا ورشات عمل لتقويم تجربتنا وما فيها من سلبيات. من يقول إنه لا يوجد فساد يكون كاذباً، ومن يضخم الفساد يكون ذلك لمصلحة غير أساسية. لدينا أخطاء وأكبر أسبابها أن لدينا عملاء والأشخاص الذين تُسهل مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية، وأحياناً قد يصل بعض الناس إلى مواقع معينة فتصبح "حارة كل من ايده إله"، خصوصاً في ظل عدم قدرتنا على فك اشتباك بين اثنين لأن الشرطة لا تستطيع أن تلبس الزي العسكري. في رام الله ممنوع على الشرطي أن يلبس زياً عسكرياً... يجب أن نعمل وأن ننقي انفسنا أولاً بأول، وهذه حقيقة ندعو إليها مع الفصائل الوطنية: فلينظف كل إنسان تحته أولاً". وبعدما اشار الى صعوبة الوضع بسبب الاحتلال، اعتبر ان "الفساد أصله المال"، و"الفساد المالي هو تغطية لبعض الفساد السياسي الموجود، وهو كيف أن تبحث عن مستقبلك من خلال تجارة مع الإسرائيليين أكثر من تحرير جنين. والمعروف ان الإصلاح الذي يطالبنا الأميركيون به هو ازالة كل ما له علاقة بالحرية والاستقلال. لذلك قال الرئيس جورج بوش بكل وقاحة إن على الفلسطينيين أن يحذو حذو العراقيين في تحرير أنفسهم من حكامهم. يعني أن نزيح عرفات مثلما أزاحوا الرئيس المخلوع صدام حسين". امكانات الانشقاق في ضوء هذه الازمة التي تشهدها "فتح"، ما هي ممكنات الانشقاق؟ الاجابة ببساطة وبالاجماع: الانشقاق مستبعد تماما. يقول عبد القادر: "لا اتوقع ان يحدث انشقاق. الانشقاق ليس سهلا. وتاريخيا الانشقاق كان بتغذيه عوامل خارجية، والان لا توجد عوامل خارجية تشكل خطرا، لكن الامور اصبحت داخلية. اعتقد انه اذا اقتصر الوضع على الداخلي، ورغم خطورته، الا انه قد لا يؤدي الى انشقاق. فأنا استبعد. اما التدخلات الخارجية الاجنبية، فنخشى من اشخاصها وليس من نهجها، بمعنى ان شخصاً له ارتباطات وليست له جذور على الارض، لا يشكل مشكلة، اذ يوضع في الظل، لكن ما نخشاه هو العلاقات مع جهات أجنبية وعربية يكون لها امتداد على الارض ونهج سياسي راديكالي. هذه ممكن ان تُحدث انشقاقات، لانه دائما ما تأخذ الانشقاقات صفة الراديكالية وليس اليمينية. اتوقع ان تحدُث عملية احلال في الوضع الفتحاوي، بمعنى انحسار الشخصيات التقليدية ونماء الشخصيات المستقلة والشابة". ويوافقه دحلان الرأي، ويقول: "بالتأكيد لن يحصل انشقاق. كفانا ما حدث من انشقاقات في الماضي دمرت الحركة التي فقدت أعز ابنائها واستخدمت فيها الاسلحة مثل ما حدث في بيروت والخارج. حتى لو وصلت الازمة الى حدود عليا، يوجد فهم مقدس بضرورة الحفاظ على وحدة الحركة. هناك اجتهادات بصوت مرتفع، لكن لن تصل بالمطلق الى اي انشقاق". ويؤكد الشيخ ان "حركة فتح عصية على الانشقاق. نؤمن بالتطور الطبيعي للفكر السياسي والتنظيمي، وهذا تعبير عن حال نضوح في التفكير التنظيمي والسياسي لكادر الحركة. لا يمكن وصف ذلك بأنه محاولات انشقاق. لا يمكن ان يحدث انشقاق في فتح، ولا حياة في داخل فتح لمن يفكر بالانشقاق".