وزير الخارجية ونظيره الهندي يرأسان الاجتماع الثاني للجنة الوزارية المعنية بشؤون السياسة والأمن والشؤون الثقافية والاجتماعية    جيش الاحتلال يهجر 6 مناطق في ضاحية بيروت    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    كتب و روايات في معرض الشارقة تحولت لأفلام عالمية    النقل تُوقف 3 تطبيقات عن مزاولتها لأنشطة النقل    رئيس جمهورية تشاد يصل إلى المدينة المنورة    في 100 لقاء ثنائي.. قمة الرياض للتقنية الطبية تبحث توفير فرص ذهبية للمستثمرين    الدولار يحافظ على استقراره قرب أعلى مستوى في ستة أشهر ونصف    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    الكويت تدين تصريحات وزير حكومة الاحتلال بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    الأرصاد: الفرصة مهيأة لتكوّن السحب الرعدية الممطرة    الأمم المتحدة : ندعم جهود وقف إطلاق النار في فلسطين ولبنان وكافة مناطق النزاع    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في قطاع غزة    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث الولايات المتحدة ونتائجها تفرض مرحلة تقويم . الفلسطينيون خائفون على إنجازات الانتفاضة لكنهم لن يتخلوا عنها
نشر في الحياة يوم 28 - 09 - 2001

التفجيرات التي هزت الولايات المتحدة وضعت المنطقة بأسرها وانتفاضة الشعب الفلسطيني، التي تقف على عتبة نهاية عامها الأول، في محطة التقويم والمراجعة من جهة وتأثيرها على الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي من جهة أخرى. ويجمع الفلسطينيون على ان ما حدث في بلاد "العم سام" سينعكس بالضرورة على الصراع العربي - الاسرائيلي وسيؤثر تأثيراً مباشراً على الانتفاضة الحالية التي يرى الكثيرون أنها حققت انجازات كثيرة على رغم بعض السلبيات التي يجب التخلص منها.
وفي الوقت الذي كان الفلسطينيون يعدون ل"عام جديد" لانتفاضتهم، حملت التغيرات الدولية بعض الفلسطينيين الى طرح السؤال: هل ستستمر الانتفاضة؟ والسؤال تعتبره غالبية الفلسطينيين من "المحرمات" بعد "عام الصمود" وهو ما يصفون به سنة أشبه بنفق طويل خيم بعتمته القاتمة على حياتهم اليومية، التي يقولون ان الاحتلال حولها الى جحيم لا يتحمله سوى شعب يصارع من أجل البقاء في أرضه، ولكنهم لا يستبعدون ما سموه "استراحة المقاتل" لحين.
"صمود الشعب"
الفلسطينيون الذين لم يعولوا كثيراً على الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى والدولة الوحيدة التي تستطيع الضغط على اسرائيل لانهاء احتلالها للأرض الفلسطينية بسبب مواقفها التي أثارت غضباً فلسطينياً عارماً، قبل التفجيرات، اتخذوا قراراً بالاعتماد اولاً على أنفسهم والتسلح بشرعية دولية ورأي عام عالمي لنصرتهم. وهم لا يرون تحولاً استراتيجياً في سياسة واشنطن بعد الحدث الرهيب الذي حل بها، ولكنهم في الوقت ذاته يخشون من أن ما حدث وراء البحار سيعود بهم الى "المربع الأول". وفي "أحسن الأحوال" الى عقد مؤتمر دولي على شاكلة "مؤتمر مدريد" الذي جاء بعد حرب الخليج. ولكن هل أحدثت الانتفاضة التي بدأت شعبية وتواصلت مقاومة مسلحة تحولات جذرية في صراع الفلسطينيين مع محتليهم الى درجة يستحيل معها وقف انتفاضتهم في لحظة؟
الغالبية العظمى في الشارع الفلسطيني تجيب ب"نعم" من دون تردد. ويقول الفلسطينيون ان ما ارتكبته اسرائيل من تدمير فعلي لحياتهم ومحاولاتها المضنية لتحطيم معنوياتهم، لن يمكنهما من وقف مقاومتهم لأنه وببساطة شديدة ما زال الاحتلال قائماً تماماً كما كانت عليه الحال قبل الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في نيويورك وواشنطن.
في كل مكان يتحدث الفلسطينيون هذه الأيام عن عام من "الصمود من أجل البقاء" شكل المحرك شبه الوحيد الذي دفع أكثر من ثلاثة ملايين انسان، يشكلون تعداد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، لاستمرار مقاومتهم لسلطة احتلال تسعى بالدرجة الأولى - كما يقولون - الى "كسر روح الكرامة والعزة" داخلهم لاخضاعهم الى املاءاتها السياسية لما تراه الحكومة الاسرائيلية يشكل "حلاً نهائياً" لقضية الشعب الفلسطيني التي سببها قيام الدولة الاسرائيلية ذاته.
ويذكر محمود 22 عاماً كيف انه شارك قبل سبع سنوات في نثر الزهور على سيارات الجيب العسكرية الاسرائيلية وهي تنسحب من وسط مدينة رام الله كما من باقي المدن الفلسطينية الكبيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ظناً منه أن هذه الخطوة ستشكل بداية النهاية للاحتلال الاسرائيلي وإقامة دولته المستقلة بكل ما تحمله الكلمة الأخيرة من معنى، وكيف وجد نفسه في أيلول سبتمبر عام 2000 يلقي الحجارة باتجاه الجنود أنفسهم الذين انتقلوا من مركز المدينة وتمركزوا في محيطها مع المستوطنات اليهودية التي راقبها طوال السنوات السبع التي مضت تحت مظلة "اتفاقات أوسلو للسلام" وهي تستشري وتنمو فوق الأرض الفلسطينية. طوال هذه السنوات كان "الكومبيوتر" الصغير في رأس محمود الذي كبر والتحق طالباً في جامعة بيرزيت القريبة يسجل ويحتفظ بمشاهد وحوادث تذكره ان الاحتلال ما زال قائماً وموجوداً، فهنالك الطريق الاستيطاني الجديد يشق طريقه في أراض زراعية والحاجز العسكري "الطيار" ينصب ويقطع الطريق عليه وعلى زملائه ويعتقل بعضهم وينكل بالبعض الآخر، وعلى مدخل آخر لمدينة رام الله من جهتها الجنوبية كان الحاجز العسكري الذي يمنعه من الوصول الى القدس لقضاء بعض الأوقات الممتعة خارج الأسوار غير المرئية التي تحيط بمدينة رام الله.
ومع تواصل التظاهرات والمقاومة الفلسطينية للاحتلال في الأسابيع الأولى للانتفاضة، تعاظمت مساحة العقاب الجماعي وحجمه من قبل السلطة المحتلة.
ويوضح الباحث الاجتماعي عمر جبران ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي ظنت انه كلما زادت حدة القمع، ازداد حنين جيل "أوسلو" الذي ترعرع، بخلاف الأجيال التي سبقته، على أحلام السيارة الجديدة والسهرات الغنائية والمستقبل المشرق المنتظر مع انتهاء السياسيين من مفاوضاتهم حول القضايا الأساسية التي أرجأتها الاتفاقات المذكورة الى حين. وحتى هؤلاء الذين أمضوا أفضل سنوات شبابهم في السجون الاسرائيلية وفي مكافحة الاحتلال، بدأوا ببناء حياة "طبيعية" لهم ولأبنائهم من جديد، وربما فقدوا الأمل في التغيير.
ولكن، يوماً بعد يوم اتضح للاسرائيليين ان مرحلة أوسلو وصلت الى نهايتها وان "الجيل الجديد" ينشد حرية حقيقية وليست مقنعة، كما يقول الفلسطينيون. فقد هز الفلسطينيين، ليس فقط زيارة آرييل شارون للمسجد الأقصى، ولكن الموقف التفاوضي الاسرائيلي الذي أنكر على الفلسطينيين حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 كأرض يقيمون عليها دولتهم المستقلة في اطار حل نهائي لنزاع قرن تنازل الفلسطينيون فيه عن 87 في المئة من أراضيهم واعترفوا بالدولة العبرية التي أقيمت فوق جراحهم وعلى أنقاض نكبتهم. وأحدثت ردة فعل اسرائيل على التظاهرات، من اجراءات عسكرية مشددة وحصار وعمليات قتل لم تتوقف تحولاً استراتيجياً في وجدان ابناء الجيل الجديد الذي كما قال محمود، "صدم من بشاعة ممارسات الاحتلال ضد أطفال وشبان اقتصر سلاحهم على الحجر وجوبه بمدفع دبابة ورصاص رشاشات ثقيلة، وحتى مقاتلات حربية لا تستخدم سوى في حروب بين جيشين. وبات التوجه الى "نقاط الاحتكاك" على مداخل المدن المحاصرة أحد الطقوس اليومية الأساسية للمئات من الفلسطينيين... ولكن بعد انتهاء اليوم الدراسي في المدارس والجامعات، فقد تعلم الفلسطينيون من انتفاضتهم السابقة ان التعليم مسألة مقدسة يجب عدم المساس بها. وباتت "الانتفاضة" داخل كل بيت فلسطيني.
التحولات الاجتماعية -
تغير نمط الحياة
في خضم الانتفاضة، ازدادت ملامح تداعيات اتفاقات أوسلو المرحلية وضوحاً للفلسطينيين، فما كان يعايشه بعضهم من معاناة تقسيم هذه الاتفاقات الأراضي الفلسطينية الى مناطق أ وب وج بات واقعاً معاشاً لقطاعات وفئات الشعب الفلسطيني كافة، الفلاح المزارع والموظف المدني والعامل وأصبحت "حدود الشجن" أكثر حدة مع إعادة نشر الجيش الاسرائيلي لقواته في كل مفترق طرق وفوق كل تلة وعلى مداخل كل قرية. أصحاب السيارات الفارهة والجديدة في المناطق أ أو مناطق السلطة الفلسطينية ركنوا سياراتهم جانباً بالقرب من الحواجز التي قسمت اراضي الضفة الغربية الى نحو 70 كانتوناً وقطاع غزة المكتظ بنحو مليون نسمة الى سبعة كانتونات. رحلة الصباح اليومية الى المدرسة أو مكان العمل تحولت الى ساعات من المعاناة والذل والارهاق والخوف الدائم من موت مفاجئ جراء اطلاق النار. أما سكان المنطقتين ب وج اللتين تشكلان نحو 70 في المئة من الأراضي الفلسطينية والخاضعتين للاحتلال الاسرائيلي المباشر، فقد تقطعت بهم السبل وباتت مزارعهم وأشجارهم هدفاً استراتيجياً للجيش الاسرائيلي والمستوطنين، فقطعت أشجار الزيتون وحرقت أشجار اللوز والعنب والليمون ودمرت محاصيل القمح. والشبان يتساقطون على الحواجز قتلى وجرحى، والآلة الاعلامية الاسرائيلية روجت "الامهات الفلسطينيات اللواتي يرسلن أولادهن للموت" لقلب الصورة التي تعاطف العالم معها ولكن "لم يتحرك لتغييرها".
في هذا الوقت تغيرت حياة الفلسطينيين: رسوم الأطفال في المدارس اقتصرت على الدبابة والطائرة والشهداء والجرحى وعلم فلسطين، وغابت عنها رسوم البابا والماما والورود والبيوت الجميلة. الرعب والخوف سكنا البيوت الفلسطينية خوفاً من صاروخ "اغتيال" أو رصاصة "تصفية" أو قصف عشوائي لمناطق وأحياء سكنية. حفلات الزواج والأفراح الأخرى التي توقفت لفترة طويلة عادت واختفت فيها المراسم والنفقات الزائدة ومظاهر الابتهاج والفرح. المهور انخفضت في شكل كبير. مقاعد طلبة المدارس الابتدائية والثانوية باتت فارغة الا من باقات زهور وصورة من كان يجلس عليها يوماً وذهب ولن يعود. الاذاعة الفلسطينية الرسمية والاذاعات المحلية بحثت في الأدراج وفي محلات بيع الأشرطة عن "أغانٍ وطنية" قديمة وجديدة.
الحياة الاقتصادية أصبحت شبه مشلولة. أكثر من نصف الشعب الفلسطيني بات يعيش على دخل لا يتعدى الدولارين للفرد يومياً، مستوى خط الفقر بلغ أدنى درجاته، وتفاصيل الحياة اليومية تلخصها كلمة "احتلال" يحكم حصاره حتى الخنق على كل فرد يرزح تحته. افرازات مرحلة "أوسلو" التي عمقت الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، حلت محلها مشاعر التعاضد والتضامن والتكافل الاجتماعي وكان أن أعطى الغني الفقير وأحس الجار بمعاناة الجار وسارع الى مواساته عاطفياً ومادياً.
الصحافيون والزوار الأجانب كانوا يبدون تعجبهم مما سموه في بعض الأحيان "سلبية" وفي أحيان اخرى "قدرة اسطورية على التحمل والصبر" عند مشاهدتهم هذا العدد الكبير من البشر أو هذا "الشعب" الذي يصر على الاستمرار في حياته الطبيعية - أو غير الطبيعية - على الحواجز وفي الجبال وفي الشوارع الترابية التي شكلت بديلاً للشوارع المغلقة في وجوههم. العمال الذين يصرون على الوصول الى أماكن عملهم لتوفير الخبز لأطفالهم على رغم ملاحقتهم بالطلقات النارية والاعتقال والضرب وأساليب الاهانة المبتكرة... جندي اسرائيلي يهدد شاباً أو عجوزاً بجملة "هل تريد أن تصبح خبراً عاجلاً أو أن تحصل على 10 آلاف دولار؟". وهي الجملة التي بات يفهم منها الفلسطينيون "هل تريد أن تقتل أو تجرح" في اشارة الى الشائعات التي انتشرت عن حصول الجرحى على معونات نقدية لم ير منها الفلسطينيون سوى القيل.
"الانجازات"
وعلى رغم المعاناة والألم، أحس الفلسطينيون ان انتفاضتهم حققت شيئاً. ويبرز المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت الدكتور علي الجرباوي أربعة انجازات رئيسة للانتفاضة الفلسطينية رأى انها تحققت منذ الأشهر الأولى. ويأتي في مقدمها اثبات الشعب الفلسطيني عقم مفاوضات استمرت نحو عقد من الزمن ولم تتمخض عن انجازات ملموسة للجانب الفلسطيني بسبب خضوعها لاشتراطات الحكومات الاسرائيلية التي "أخذت الفلسطينيين في نزهة طويلة جداً لم يصلوا في نهايتها الى هدفهم". وأثبتت الانتفاضة أيضاً ان من المستحيل على الفلسطينيين أن يتعايشوا أو يعيشوا مع الاستيطان، كما اظهرت للاسرائيليين أن الفلسطينيين اليوم ليسوا فلسطينيي العامين 1948 و1967، وانهم لن يخضعوا لمحاولات ترحيلهم وتهجيرهم من أراضيهم، وان قدرتهم على الاحتمال والصمود أبعد مما يتصورون، وأخيراً ان الأمن لا يمكن أن يتحقق للاسرائيليين من دون حل سلمي مع الفلسطينيين.
ويرى مدير مركز البحوث والدراسات المسحية والمحلل الاستراتيجي الدكتور خليل الشقاقي ان الانتفاضة أظهرت للعالم ان الاحتلال ما زال قائماً وان "الحكم الذاتي" مجرد اكذوبة وان الاستيطان واستمراره يشكلان اجحافاً كبيراً بحق الشعب الفلسطيني. ناهيك عن ادراك اسرائىل انها لا تستطيع تجاوز القضية الفلسطينية وتقيم علاقات طبيعية مع الدول العربية قبل حل صراعها مع الفلسطينيين.
ويضيف: "أعتقد ان باراك فهم أيضاً انه لا يستطيع ابتزاز الفلسطينيين عبر السماح لآرييل شارون، زعيم المعارضة في حينه من زيارة المسجد الأقصى لإضعاف الموقف التفاوضي الفلسطيني في شأن قضية القدس. وانه لا يستطيع ان يقول للفلسطينيين: "هذا هو المعروض عليكم على الطاولة إما ان تقبلوا به أو تتركوه".
"السلبيات"
يتندر الفلسطينيون في ما بينهم بمرارة كيف ان الانتفاضة "اسقطت حكومة اسرائيلية وفي طريقها الى اسقاط ثانية ولكنها لم تنجح في ارغام وزير فاسد في السلطة الفلسطينية على الاستقالة". وهذه المسألة في نظر الفلسطينيين تعتبر من أكبر سلبيات الانتفاضة التي يقولون انها كان يجب أن تلفظ مظاهر الفساد في المجتمع الفلسطيني.
ويرى الشقاقي أن من بين سلبيات الانتفاضة ما سماه "عسكرة الانتفاضة" موضحاً انه من وجهة نظره كان يجب ألاّ يتم اللجوء الى العمل المسلح بالطريقة التي جرت فيها في الانتفاضة. وأضاف ان "غياب التنظيم والفاعليات المشتركة والهدف الواضح للعمل المسلح، أعطى مردوداً سلبياً وأسهم في تحويل جزء كبير من الرأي العام الاسرائيلي نحو اليمين والتطرف وأدى الى وصول اليمين الاسرائيلي الى الحكم". غير ان مستشار الرئيس الفلسطيني لشؤون التوجيه الوطني عثمان ابو غربية اشار في ندوة عقدت أخيراً الى أن "امتشاق الفلسطينيين لأسلحتهم في ظل وجود سلطة فلسطينية كان أمراً طبيعياً، وغير ذلك كان سيثير مشكلات داخلية ويهز الوحدة الوطنية من الداخل". وقال أبو غربية ان من الطبيعي وعلى رغم عدم التوازن المخيف بين قوات الاحتلال وما تمتلكه الأجهزة الأمنية وبين المقاتلين الفلسطينيين، كان من شبه المستحيل أن يقف هؤلاء مكتوفي الأيدي لا يدافعون عن مواطنيهم". ورأى أبو غربية ان الانتفاضة الفلسطينية ستستمر وان عاصفة نيويورك ستمر ولكن الاحتلال ما زال قائماً ولم يتغير شيء بالنسبة الى الفلسطينيين.
لكن الشقاقي يعتبر انه كان يجب على الانتفاضة ان تتوقف بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انطلاقها في أبعد تقدير، وفور طرح الرئيس الاميركي بيل كلينتون افكاره على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على الطاولة في كانون الأول ديسمبر من العام 2000 لأنه، كما قال: "خلافاً لما يعتقد البعض فإن مفاوضات كامب ديفيد وطابا لم تصل الى "طريق مسدود" ولكنها ببساطة لم تنجح وكان من المفترض أن تستأنف المفاوضات بعد أن أوصل الفلسطينيون رسالتهم الواضحة للحكومة الاسرائيلية". وانتقد الشقاقي موقف السلطة الفلسطينية التي "غابت عن مخاطبة شعبها نحو ستة أشهر وبعد ذلك أصبحت تقول ان "أوسلو" فشل وهي التي جلبت "أوسلو" وكان عليها ان تستقيل، وعدم استقالتها أدى الى تراجع شرعيتها وشعبيتها في الشارع الفلسطيني". وأورد الشقاقي نتائج استطلاع للرأي اجراه مركزه تشير الى أن الحركات الاسلامية وتحديداً حركة "حماس" تحظى بتأييد 27 في المئة من المستطلعة آراؤهم في مقابل 17 في المئة قبل الانتفاضة. أما "الحركة الوطنية" أو تحديداً "فتح" فقد تراجع تأييد الشارع الفلسطيني لها من 37 في المئة قبل الانتفاضة الى 29 في المئة.
ويرى الشقاقي مع ذلك، ان من الصعب على الانتفاضة الآن أن تتوقف "لأن شارون لن يعرض أي شيء على الفلسطينيين". وأوضح "على الفلسطينيين ان يعملوا على التقليل من خسائرهم في ظل الوضع العالمي الجديد وتحويل الانتفاضة الى مسارها الصحيح".
ويرى الجرباوي ان الانتفاضة الفلسطينية أظهرت "هشاشة الحياة السياسية الفلسطينية". ويوضع ان صنع القرار تمحور أكثر فأكثر في يد السلطة الفلسطينية والرئيس ياسر عرفات. ومن جهة اخرى، قال الجرباوي، انه لا يتفق مع نتائج الاستطلاعات التي تشير الى ازدياد في شعبية حركة "حماس" الى هذه الدرجة ولكنه اضاف ان السلطة الفلسطينية خلقت بلبلة في أوساط الفلسطينيين لأنها لم توضح لهم "ما هو التكتيك وما هو الاستراتيجي: هل الانتفاضة تكتيك وهذا بالفعل ما تؤمن به السلطة تمهيداً للعودة الى طاولة المفاوضات، أم ان الانتفاضة سياسة استراتيجية وهذا ما عكسه خطاب السلطة الفلسطينية في وقت لاحق التي "انجرت للتحدث بنفس خطاب الحركات الاسلامية". ويستبعد الجرباوي توقف الانتفاضة كلياً في ظل الظروف العالمية المستجدة. ويوضح ان "النار قد تهمد ولكنها لن تنطفئ"، مشيراً الى أن الشارع الفلسطيني لا يريد وقفها فالآلام عميقة جداً، والتوقف الآن يعني للشارع انتحاراً سياسياً وكذلك خيانة لشلال الدم والتضحيات التي قدمت على مدار 12 شهراً. ويشير الجرباوي في الوقت نفسه الى أن "الحملة الصليبية التي أعلن عنها الرئيس الاميركي جورج بوش تحتاج الى غطاء اسلامي. وهذا يعني ان الولايات المتحدة ربما تغض الطرف عن عملية هنا وأخرى هناك من قبل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والحفاظ على مستوى من الهدوء يمكنه من انهاء حربه الجديدة التي يحتاج فيها العرب والمسلمين، ولكن العمليات التفجيرية داخل اسرائيل يجب أن تتوقف". ويعتقد الجرباوي ان العرب سيرتكبون خطأ استراتيجياً فادحاً إذا جعلوا من أنفسهم ضحية ولعبوا دور المسكين ولم يستغلوا ما حدث لإرغام واشنطن على تغيير سياستها في الشرق الأوسط انطلاقاً من المصالح الاميركية ذاتها. اذا كانت الولايات المتحدة تعتقد ان الوضع في هذه المنطقة كان أحد اسباب الهجوم، فعلى العرب أن يذكروها بأن المسجد الأقصى المقدس لدى مليار و200 مليون مسلم ورقة مهمة في أيديهم.
ويتفق الجرباوي والشقاقي وعدد كبير من المراقبين والمحللين الفلسطينيين على ان العمليات التفجيرية داخل اسرائيل ستتوقف لأن أي عملية الآن ستستخدمها اسرائيل والولايات المتحدة من ورائها لربط المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال بما جرى في نيويورك وواشنطن وبما سيجري في أفغانستان وغيرها وعندها ستكون الفرصة سانحة أمام اسرائيل للانقضاض على الفلسطينيين نهائياً. ويبدو أن الحركات الاسلامية نفسها في خضم اعادة نظر في هذه العمليات. وأكدت مصادر قريبة من "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، انه "في المستقبل المنظور لن تكون هناك عمليات داخل اسرائيل، ولكن المقاومة ستستمر في داخل الأراضي المحتلة". ويجمع الفلسطينيون على "ان ليس امامهم خيار آخر، فاسرائيل دفعتنا نحو الحائط وتمعن في ضربنا، وفي هذه الحال، ليس هنالك إلا المقاومة...".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.