تزداد يوما بعد يوم ادوات العولمة انتشارا في الريف السوري. وما زالت الغلبة لصالح صحون استقبال الأقنية الفضائية: عربية واجنبية، سياسية ودينية واجتماعية، محافظة واباحية. لكن الجديد هو انتشار مهنة جديدة هي فك "تشفير" المحطات الاباحية لمقاومة "احتلال" الانترنت المنازل النائية. قرية اورم الجوز واحدة من القرى الصغيرة في الزاوية الشمالية الغربية من الاراضي السورية. كانت تمتاز بميزتين: الاولى، انها البوابة الى جبال الزاوية الوعرة التي ضمت المتطرفين بداية الثمانينات. والثانية، انها تقع على الطريق السريع الذي يربط مدينة اللاذقية الساحلية بمدينة حلب في وسط البلاد. لكنها صارت الان مضافة للعولمة. وفيما يجري العمل في الليل والنهار لشق طريق سريعة جديدة بعرض يتجاوز 50 مترا يحل محل الطريق القديمة كي يربط اجتماعيا واقتصاديا وتجاريا بين الساحل والداخل، فان جهودا اخرى اسفرت سابقا عن شق طرقات فرعية اسفلتية في جبال الزاوية. لكن الابرز هو ما يجري معلوماتيا والذي سيترك اثرا في البعدين الاجتماعي والسياسي. فتح الشاب عبدو الفيصل محلا صغيرا في طرف منزل والده النائي في الطرف الجنوبي من هذه البلدة، ووضع فيه جميع لوازم العولمة ومنها جهاز كومبيوتر، وخط هاتفي، واشتراك بالانترنت، واقراص مدمجة، وكاميرا تصوير فيديو، ومعدات مونتاج، اضافة الى صحن فضائي كبير يستطيع استقبال نحو 500 محطة فضائية. ومن هذا المكان المرمي في الريف السوري يستطيع أي "ريفي" الابحار في العالم الافتراضي، مثله مثل أي شاب يعيش في ارقى احياء نيويورك. فصارت الفجوة اضيق مع العالم البعيد واعمق مع العالم القريب. وحتى منتصف الثمانينات، كان الاتصال بمدينة مجاورة شبه مستحيل من الناحية العملية. فالمقسم الذي كان يعمل ب"العجلة الحرارية" كان بالكاد يوفر الاتصالات في الحالات الطارئة. وكان الناس يتجمهرون في المنازل القليلة التي فازت بشراء جهاز تلفزيون غير ملون. لكن الوضع الان مختلف: جهاز تلفزيون ملون على الاقل في كل منزل من منازل الضيعة ال700 التي تضم نحو ستة الاف شخص. ينتصب فوق ربع اسطحتها صحن لاقط للفضائيات. ويرن جهاز هاتفي في 455 منزلا على الاقل، ويجول في احيائها الفقيرة نحو 50 جهاز هاتف نقال على رغم عدم وجود خدمة شركة سيريتل، احدى شركتي الهاتف النقال. وكان عبدو الفيصل حصل في اذار مارس الماضي على قرض من "هيئة مكافحة البطالة" بقيمة 375 الف ليرة نحو 7500 دولار لبدء مهنة صغيرة. هذه المهنة لم تكن حدادة او نجارة، بل حرفة معولمة تتعلق بالاتصالات والمعلوماتية: توفير خدمة الانترنت والعابها وتسلياتها لمراهقي القرية مع تصوير الحفلات الريفية. ولان هذه الخدمات "لا تشفي غليل" جميع الشبان، نشطت تجارة اخرى تقوم على اساس فك تشفير المحطات الفضائية المحجوبة عن غير المشتركين، اذ ان احد الخبراء في هذه المهنة، يقوم كل بضعة ايام بالسفر الى مدينة حلب التي تبعد نحو 100 كيلومتر كي يحضر كلمات السر الجديدة التي تبيح ل"زبائنه" مشاهدة المحطات الممنوعة التي هي في معظمها اباحية. ويبلغ عدد هذه المحطات نحو مئة تقع على قمري "هات بيرد" و"هيسبا" بحيث يقوم الزبون بشراء جهاز استقبال بنحو 200 دولار مع حاضنة بقيمة نحو 120 دولارا لوضع بطاقة ممغنطة بقيمة 20 دولارا، يضاف اليها نحو ستة دولارات لدى تغيير كلمات السر كل بضعة ايام.