أصبح انتشار الأطباق اللاقطة للمحطات الفضائية ظاهرة شبه طبيعية في إيران على رغم المنع الرسمي الذي يفرضه القانون، بل ان أصحاب مهنة بيع هذه الأطباق باتوا يجاهرون بعرض خدماتهم، بعدما كانوا يتسترون عليها. ولا تنفصل هذه الظاهرة عن الانتشار السريع لشبكة الانترنت في إيران، وثقافة الاستفادة من جهاز الكومبيوتر. وتولد اقتناع لدى كبار صنّاع القرار بأن المحطات الفضائية والانترنت تغزو بيوت الإيرانيين سواء شاؤوا أم أبوا، وفي مقدم هؤلاء الكبار الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني والرئيس السابق للبرلمان علي أكبر ناطق نوري، المحسوبان الآن على معسكر المحافظين، فيما يدافع الاصلاحيون عن فتح الأبواب القانونية أمام الفضائيات والانترنت، لمواكبة العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة. تحدي الممنوع قانونياً بلغ ذروته عندما نشرت صحيفة "همشهري" التابعة لبلدية طهران إعلانات تتضمن أسماء مكاتب وأرقام هواتف لمتخصصين في بيع الأطباق اللاقطة للقنوات الفضائية وفق تقنية أجهزة ال"ديجتال" وبأسعار تبدأ بمئتي دولار للجهاز الواحد، وتصل إلى ما يتجاوز أربعمئة دولار. والمهمة أكثر من سهلة، فكل المطلوب اتصال بسيط بواحد من ارقام الهواتف المنشورة في الصحيفة كي تنقل الأجهزة المطلوبة إلى البيت، ولكن حتى هذه اللحظة تحت جنح الظلام لئلا يكون التصدي "سافراً" . أحد أصحاب هذه المهنة قال ل"الحياة"، طالباً عدم ذكر اسمه، ان "الطلبات تتزايد باستمرار، ولا استطيع العودة إلى المنزل قبل الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كي استطيع أن أفي بالوعود التي أقطعها للزبائن". وأشار إلى أن "موجة استعمال الأجهزة الديجتال تتعاظم، ما أثر في شكل كبير على أسعار الأجهزة الأخرى غير الرقمية، ففقدت أكثر من أربعين في المئة من قيمتها، ولا يتجاوز سعر بعضها خمسين دولاراً". وتحدث عن "أذواق الإيرانيين" المتباينة حيال متابعة القنوات الفضائية "فبعضهم يبحث عن القنوات المتخصصة في برامج علمية وثقافية، للاطلاع على آخر ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية والغربية تحديداً، وآخرون يبحثون عن فضائيات الترفيه وأفلام التشويق، وهناك مَن لا يتورع عن التقاط محطات الإثارة والرقص والغناء والموسيقى". وتستقطب القنوات الناطقة بالفارسية اهتماماً أكبر، سواء كانت معارضة أو محايدة، تأتي بعدها الفضائيات الناطقة بلغات يفهمها الإيرانيون، كالتركية أو الكردية، إضافة إلى القنوات الناطقة بالانكليزية. ولا ينفي أحد من العاملين في حقل تجهيز الأطباق اللاقطة، الأثر السلبي للقنوات الفضائية "الاباحية" ما يمثل أهم سبب لمعارضة أصحاب القرار أي توجه جدي للسماح قانونياً باقتناء تلك الأطباق، إلا للمتخصصين وأصحاب الشأن في حقول السياسة والطب، وأعضاء البعثات الديبلوماسية الأجنبية والصحافيين الأجانب. مصدر قريب إلى المحافظين قال: "ينبغي عدم السماح للغزو الثقافي الغربي بأن يتسلل إلى إيران عبر القنوات الفضائية ليضرب الأسس الاخلاقية ويؤدي إلى مفاسد اجتماعية تهدد القيم الدينية في المجتمع". وينص القانون الإيراني على ان وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي "مكلفة التعاون مع وزارة الاتصالات والبريد والبرق، ومع الأجهزة المختصة قوات الشرطة كي تسهر على حماية ثقافة المجتمع وكيان الأسرة في إيران". ولكن يبدو أن البث الآتي من بعيد، عبر الأثير، استطاع اختراق هذه الحدود، والأمر الواقع هو استحالة المواجهة مع ظاهرة القنوات الفضائية إلا بأساليب تتناسب والتحدي الجديد. ومن هناك انحسرت إلى حد ما ظاهرة دهم بعض المنازل لمصادرة الأطباق اللاقطة، التي باتت وزارة الداخلية تتغاضى عن ملاحقة من يمتلكونها من دون إجازة قانونية. وسعى التلفزيون الإيراني إلى تحسين أدائه كي يتكيف مع التحدي "الفضائي"، وعلى رغم إمساك المحافظين بزمام أموره، لم ينجُ من انتقادات كبار شخصياتهم الدينية، الذين اتهموا التلفزيون بتجاوز الخطوط الحمر في عرضه الأفلام الغربية والأميركية تحديداً، بما تحمله من مفاهيم اجتماعية دخيلة. الوجه الآخر لثورة المعلوماتية يتجلى في انتشار ظاهرة مقاهي الانترنت في إيران، خصوصاً في العاصمة طهران، وهي مقاهٍ مفتوحة للجميع، تقدم خدماتها عبر اشتراكات تصل إلى المنازل أو داخل مكاتب مجهزة بعدد من أجهزة الكومبيوتر. وأبرز وجوه الاستفادة من الانترنت خارج طهران يظهر في مدينة قم، حيث الحوزات العلمية تعرض عبر الشبكة آخر نتاجاتها الفكرية، ليصل إلى ارجاء العالم، وتتلقى كل جديد من نتائج الآخرين. يعزز ذلك النظرة الايجابية إلى ما ابدعته ثورة التكنولوجيا ويضع الإيرانيين أمام محك الاستفادة القصوى من ثورة المعلوماتية، سواء عبر الانترنت أو القنوات الفضائية، على رغم كل المحاذير الاخلاقية.