تصدر بين حين وآخر باللغة الهنغارية ترجمات لدرر متنوعة من التراث العربي والإسلامي، بينها كتب الأدب والفلسفة والحكمة والعلوم الدينية علوم الإسلام. وتزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالتراث العربي وشؤون منطقة الشرق الأوسط في شكل عام بعد فترة طويلة من التراجع طوال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عقب نشاط استعرابي شهده خصوصاً عقد الستينات. وعلى رغم هذا التفاوت يمكن القول ان الترجمة من العربية الى الهنغارية ضعيفة وأضعف منها الترجمة من الهنغارية الى العربية، بل تكاد أن تكون معدومة. وشملت الدفعة الأخيرة من الترجمة في الستينات مجلد "قصص عربية معاصرة" الذي صدر سنة 1960 ترجمه أشتفان بوغا وتماش كاتونا ولاسلو فارادي. وضم قصص محمود تيمور ورشاد رشدي وطه حسين. كما صدرت ترجمة عمل طه حسين "الأيام" لاشتفان بوغا في 1962، ورواية يوسف ادريس "الحرام" للصحافي الايوش كروديناك 1964، ونجيب محفوظ "بداية ونهاية" الذي ترجمته تشيلاّ بريلِسكي 1965، وأسفار ابن بطوطة "تحفة الناظر في غريب الأمصار وعجائب الأسفار" لبريلسكي وبوغا 1964. وسبق أن ترجم تماش كاتونا وإمره مولنار عمل ابن طفيل "حي بن يقظان" في 1961. وعاودت ترجمات الأدب العربي والدراسات الصدور أخيراً، منها ترجمة "ألف ليلة وليلة" الكاملة التي أنجزتها المستعربة تشيلاّ بريلسكي في طبعة أنيقة جميلة بسبعة مجلدات 1999-2000، وسبق لهذه المربية التي درّست مئات وآلاف الطلبة الأجانب الهنغارية أن ترجمت كتاب "كليلة ودمنة" بالتعاون مع المستعرب إشتفان ألتَر في 1978. وصدرت ترجمة القرآن الكريم التي أنجزها روبرت شيمون في 1987 وهي الترجمة المتداولة الآن على رغم نواقصها بعد صدور العديد من الترجمات غير الكاملة. وترجم شيمون ايضاً أجزاء وافية من "مقدمة ابن خلدون" في 1995. وفي سنة 2000 نشرت ترجمة لعمل جبران خليل جبران "النبي" عن الانكليزية. وصدرت كتب عدة عن العرب والإسلام وتأريخ الشرق الأوسط، منها كتاب عالم المصريات لاسلو كاكوشي "تأريخ وثقافة مصر القديمة". وكان بين ما صدر في السنوات القليلة الماضية ترجمة لمجموعة الأحاديث النبوية الشريفة المعروفة "بأربعينية النووي"، انجز ترجمتها القس المستعرب بال نيمت سنة 1998. وتوزع الجماعة الإسلامية الهنغارية هذه الترجمة مع النص العربي بعد إعادة طبعها من دون ذكر المترجم او دار النشر. وأنجز المستعرب بال نيمت ترجمة عمل الإمام الغزالي الشهير "المنقذ من الضلال" الى الهنغارية، وصدرت الترجمة عن دار بالاتينوس في آذار مارس 2003 ضمن سلسلة "السيل" التي تقدم الفكر الفلسفي. واختار نيمت هذا العمل لاعتبارات عدة، اهمها كون هذا الكتاب يقدم خلاصة فكر الغزالي، إذ وضعه في مرحلة نضجه الفكري عندما تجاوز الخمسين. والمترجم يتفق مع تشخيص د.ب. مكدونالد بأن "الغزالي اكثر المفكرين المسلمين اصالة وأعظم علماء الدين". ومن جهة اخرى لا يمكن اعتبار اعجاب المترجم بفكر الغزالي عاملاً ثانوياً في امر اختياره هذا النص للترجمة. وبعدما يتناول المترجم في الخاتمة حياة وعمل الغزالي بتفصيل، يشير الى بعض الإشكاليات المتعلقة بعنوان الكتاب. وحول ترجمة عنوان الكتاب يقول: "تسببت ترجمة عنوان العمل في بعض الصعوبة. ليس لأن ترجمة العنوان حرفياً غير فصيحة ويصعب فهمها فحسب، بل كذلك لأن عائدية المصدر المنقذ غير واضحة، فهل تعود كلمة المنقذ للفظ الجلالة ام الى الطريق المؤدي الى الله، وهو امر يرد في عنوان العمل نفسه بصيغة "المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزة والجلال". ويذكّر نيمت بالنقد غير المباشر الذي عبّر عنه الحافظ الذهبي احد تلامذة الإمام ابن تيمية عند تهيئته موجز لكتاب استاذه فيقول في المقدمة "الحمد لله المنقذ من الضلال..." في خلاف مع رؤية الغزالي في البحث عن الطريق المنقذ من الضلال، وتقديره ان الجوهر ليس الطريق المنقذ من الضلال بل الله هو المنقذ من الضلال. الجانب المثير في فكر الغزالي بالارتباط مع تأثر الفلسفة الأوروبية بفكره، هو مدى اطلاع رينيه ديكارت 1596- 1650 على اعمال الغزالي. فتأثير الفكر الفلسفي العربي في الفكر الأوروبي معروف، ولا يقتصر ذلك على تأثير الفلاسفة العرب الذين تبعوا ارسطوطاليس في منطقه، بل حتى فكر الغزالي الذي غذى منهجه التشكيكي فكر المفكرين الأوروبيين الذين مهدوا لعصر التنوير مثل ديكارت. وفي هذا المقام يشير المترجم الى التماثل الغريب لعمل ديكارت الشهير "مقالة الطريقة" مع "المنقذ من الضلال". ويذكر نيمت ان غالبية العلماء المسلمين ترى ان ديكارت لم يقتبس الغزالي، بل توصل الى استنتاجات مقاربة بسبب استعمال المنهج نفسه. في حين يرى البعض الآخر ان ديكارت اطلع على محتوى "المنقذ من الضلال" بالتفصيل او في شكل مختصر، عبر العديد من زملائه المستشرقين، ومن بين هؤلاء ياكوب غوليوس 1596 - 1667 الذي جلب معه الكثير من المخطوطات العربية الى لايدن بعد رحلاته الى الشرق، قد يكون عمل الغزالي هذا بينها. ومن المثبت ايضاً ان مكتبة جامعة لايدن اقتنت نسخة منه في زمن لا يتأخر عن 1665. ويذكر نيمت ان البعض يعتقدون باقتباس ديكارت الغزالي نصاً ونسبته الى نفسه، بينهم الباحث التونسي عثمان الكعاك الذي اشار في مؤتمر العلوم الإسلامية العاشر المنعقد في عنابة في الجزائر سنة 1975 الى ذلك صراحة. ويستشهد نيمت في ذلك بأستاذه الدكتور محمد سعيد البوطي رئيس قسم علوم الدين في كلية الشريعة في دمشق الذي ذكر الواقعة، والحادثة المؤسفة التي حصلت اثناء المؤتمر بوفاة الكعاك. لكن الفارق بين الغزالي وديكارت هو الدور الإلهي في الوصول الى الهدف، ففيما يشير الغزالي الى إنارة الله لقلبه وشفائه من علته ووصوله الى اليقين، لا يتوصل ديكارت الى ذلك بل يعتقد بأن وصوله الى اليقين يتم عبر المحاكمة العقلية "وهكذا وصلت الى مبتغاي بنفسي" ويربط بين الوجود والتفكير، "انا أفكر إذن انا موجود". وليس مبالغة القول ان البوطي هو استاذ نيمت، فهو استاذه بالفعل عندما درس نيمت لمدة سنتين تقريباً في كلية الشريعة في دمشق قبل نحو ربع قرن، اذ امضى هناك فترة لتعلم العربية على عادة طلبة قسم اللغة العربية في جامعة العلوم في بودابست الذين يبعثون الى دولة عربية لمدة عامين لتقوية لغتهم. وعاد نيمت من سورية بلسان عربي فصيح وقويم، وبمعرفة غنية بالإسلام والعادات والتقاليد العربية، وبمكتبة مهمة من نفائس كتب التراث العربي. ويعتبر نيمت اليوم من المتخصصين في شؤون الإسلام، وكثيراً ما يشاهد في البرامج التلفزيونية او يسمع في الإذاعات أو يقرأ في الصحف عند تناول الأمور المتعلقة بالإسلام، ويكتب لتبديد الجهل بحقيقة الإسلام والمسلمين والذي هو السبب الأساسي الكامن وراء التخوف الذي تبديه اوروبا تجاه الإسلام. وهو يدرس العربية في كلية التجارة في بودابست منذ سنوات عدة، ويتميز عن غيره من الذين يدرّسون العربية في جامعات هنغاريا بأنه يتشدد مع الطلبة في تعليمهم النطق العربي الصحيح قدر الإمكان، فهو يولي سلامة النطق اهمية كبيرة. وعلاوة على ذلك فهو ينشط في مجال العلاقات الهنغارية - العربية وهو عضو في جمعية الصداقة الهنغارية - الفلسطينية، وساهم في تشكيل الجمعية الهنغارية لأصدقاء الإسلام اخيراً.