هذه صيغة جديدة يقترحها المُفكر المغربي طه عبدالرحمن، لكي تكون بديلاً أصيلاً، يَجْتَثّ مقولة ديكارت الشهيرة: Je pense donc Je suis. ولذلك أطلق مترجم ديكارت على صيغته اسم الترجمة التأصيلية، في حين اطلق اسم الترجمة التحصيلية او التوصيلية على الصيغة المعروفة باللغة العربية بأشكالها المتنوعة: انا افكر اذن انا موجود، او افكر فأنا موجود، او أفكر فأنا أُوجد.. والدكتور طه عبدالرحمن، الذي هو استاذ المنطق وفلسفة اللغة في كلية الآداب بالرباط، يُعدّ من اصحاب المشاريع الفكرية على الساحة الثقافية العربية. وعنوان مشروعه، الذي صدر منه حتى الآن جزءان، هو "فقه الفلسفة" *. وقد رمى من ورائه الى تقديم نماذج لممارسة فلسفية ابداعية تشهد على قدرة العربي على الابداع في مجال الفلسفة، بقدر ما تبيّن الكيفية التي تتيح تحقّق مثل هذا الابداع. وأنا أقرأ كتب طه عبدالرحمن وأواكب نتاجه الفكري، فأتفق معه في اشياء وأختلف في اشياء. ومن بين ما اختلف معه فيه، هو مسألة الترجمة التي هي المدخل الى الفلسفة في الفضاء الثقافي العربي، كما حصل قديماً، وكما هو حاصل الآن. ولعل قَدَر هذه الفلسفة ان تبدأ من الترجمة وان تبني عليها. ولذا فقد كرّس صاحب "فقه الفلسفة" الجزء الاول من مشروعه للكلام على الترجمة، فاشتغل على مقولة ديكارت واتخذ من ترجمتها نموذجاً لتطبيق طريقته التأصيلية، فأحدث فيها ما احدث من التغيير في المضمون والتركيب من غير وجه: الأول هو تحويل صيغة المتكلم الى صيغة المخاطب، والثاني تحويل فعل المضارع الى فعل الأمر، والثالث استبدال المفردات الدالة على الفكر والوجود بمفرادت اخرى تدل على النظر والايجاد، ما أدى الى تغيير بنية العبارة ومنطوقها بالكلية. وكانت حجة الدكتور عبدالرحمن، فيما احدثه من "المَحْو" الذي عَمَد اليه، هو انه ينبغي للكلام، المنقول عن اللغات الأجنبية الى اللغة العربية، ان ينسجم مع المجال التداولي العربي لغةً وعقيدة ومعرفة. من جهتي رأيت ان هذا التغيير الذي خضع له القول الديكارتي، في مورد ترجمته، قد آل الى تقويض بُعده الفلسفي الابداعي بقدر ما قضى على فرادته وأصالته. ذلك ان القول المذكور يجسد مُركَّباً مفهومياً تُصاغ معه العلاقة بين الذات والفكر والوجود، صياغة جديدة ومغايرة، بقدر ما تتغير النظرة الى الحقيقة والمعرفة. في حين ان صيغة طه عبدالرحمن: أنظُر تجِدْ، ليست بالجديدة، وانما هي نصيحة كلامية او لاهوتية مُؤدّاها ان من يتفكر ويُعْمل النظر، يمكنه استنباط المجهولات من المعلومات او الاستدلال بالمصنوعات على وجود الصانع، بحسب التعريف اللاهوتي للفلسفة كما نجد ذلك لدى ابن رشد. طبعاً لا تخلو ترجمة من تحويل يقتضيه الاختلاف بين اللغات من حيث أبنيتها الصرفية وتراكيبها النحوية، او من حيث حقولها الدلالية وتقنياتها المجازية. وأنا من القائلين أساساً بأن الترجمة الابداعية هي ضرب من التحويل يُمليه الانتقال من لغة الى اخرى او من فضاء ثقافي الى آخر. بل هذا هو شأن الصناعة المفهومية نفسها، كما بينت في كتابي: نحو منطق تحويلي. ومعنى التحويل ان التطابق مع الأصل هو "المستحيل عينه"، أكان موضوع المطابقة نصاً فلسفياً ام نصاً نبوياً، تراثياً أم منقولاً عن الغير. غير ان التحويل لا ينبغي له ان يصل الى حدّ الاجتثاث للنص الأصلي، على ما اخذتُ ذلك على صيغة الدكتور عبدالرحمن الذي كان يمكن لتقوى الفكر ان تجعله يتوقف عن التنظير لمحو اثر النص المترجم الى العربية، بدعوى تحقيق التجانس مع فضائنا الثقافي، ذلك ان الترجمة هي ابتكار صيغ وعبارات او اساليب يغتني بها المجال التداولي المستقبل للكلام المنقول. بهذا المعنى فالمترجم يلعب دور الوسيط. من هنا حرصه على الوفاء للنص الذي ينقله، ان من حيث التركيب او من حيث المضمون، وذلك أياً كانت درجة التأويل في فهمه، وأياً كان مدى الابداع في نقله وصوغه، مع حرصه في الوقت نفسه على مراعاة المقتضيات النحوية والبيانية للغة التي ينقل اليها أو بها. وفي رده على نقدي، كما ورد في مقدمة الجزء الثاني من كتاب "فقه الفلسفة"، المخصص للقول الفلسفي، أقر الدكتور عبدالرحمن بأن الترجمة التأصيلية لمقولة ديكارت لا تلغي الصيغ الاخرى، وانما هي مرحلة ضرورية لا بد من البدء بها، كي يأتي الكلام المنقول متوافقاً مع العادات اللغوية والمعرفية للمتلقي العربي، حتى اذا تمكن هذا المتلقي من استيعاب الصيغة التأصيلية: انظر تجد، جاز عندئذ الانتقال معه الى الصيغ الاخرى. ومن الحجج الاضافية التي يسوقها الدكتور عبدالرحمن، انه اذا كانت الترجمة التوصيلية او التحصيلية التي تحرص على نقل المضامين ومراعاة التراكيب، للكلام المنقول، مشروعة ومقبولة بين اللغات الاوروبية، فانها ليست كذلك بل هي ضارة في حال النقل من لغة اوروبية الى اللغة العربية، اذ المنقول في هذه الحالة يفوق قدرة المتلقي العربي على الفهم، من دون تعديل في حروفه ومضامينه، نظراً للفارق الكبير بين المجال العربي ونظيره الفرنسي او الارووبي عامة. وما أراه مجدداً، هو ان الترجمة التأصيلية لمقولة ديكارت تقوم على نوع من الحَجب او التغييب المركب للوقائع والحقائق: فقد غاب عن ذهن الدكتور طه ان العلاقة بين المجالين التداولين، العربي والغربي، ليست علاقة بين عالمين منقطعين بعضهما عن بعض بالكلية. اذ لا يُعد الواحد منهما بالنسبة الى الآخر من المجاهل اللغوية او المعرفية او الثقافية، بل هناك بينهما من التداخل والتفاعل، بقدر ما بينهما من الاختلاف والتنافس، سواء قديماً في العصر الاسلامي حيث ازدهرت الفلسفة لتشكل صلة وصل بينهما اي ارضاً معرفية مشتركة؟ او في العصر الوسيط حيث افاد الغربيون من العلوم والمعارف التي انتجها العرب والمسلمون؟ او في العصر الحديث، حيث افدنا وما نزال من ثمرات الفكر الغربي، إما عن طريق الاحتكاك المباشر الذي بدأ منذ زمن الطهطاوي، او عبر الترجمات في مختلف ميادين الثقافة وفروع المعرفة. من جهة ثانية لقد فات الدكتور طه ان المتلقي العربي المعاصر يعرف واحدة من اللغات الأجنبية تمكنه من الاطلاع على الفلسفات الغربية بلغاتها الاصلية، كما هي الحال بنوع خاص في بلدان المغرب العربي مع اللغة الفرنسية، حيث بوسع الدارس للفلسفة ان يفهم منطوق القول الديكارتي بلغة الاصل، ومن ثم لا حاجة له الى الترجمة التأصيلية التي هي اشبه بمن يذهب من المغرب الى الجزائر، قاطعاً البحر مرة اولى الى اسبانيا، ومرة ثانية من اسبانيا الى الجزائر. الا اذا كان المقصود اساساً عدم الانتقال والنقل، اي ان لا نترجم، بل ان نمحو ونطمس.. كذلك فات الدكتور طه ان المتلقّي العربي ليس قاصراً الى الحد الذي يتخيله بحقه، اذ ان هذا المتلقّي، بوصفه كائناً بشرياً، ذاتٌ متفتحّة وفاعلة، هي منبع للامكانات التي تتيح له ان يفهم ما يُنقل له مما يخالف عاداته اللغوية او المعرفية، او الثقافية عامة، فاذا ما كان الكلام المنقول يمتاز بالجدة والأصالة او الفرادة والابتكار، اندهش له وأحسّ بالروعة ازاءه، وحصلت له من جراء ذلك الفائدة والمتعة. وهذه حال الكثيرين مع مقولة ديكارت التي اصبحت معروفة وذائعة بين المتعلمين والدارسين، يستثمرونها بالاشتغال عليها او البناء بها، اما على سبيل التبسيط والتفكهة، كقول القائل: انا احب اذن انا موجود، او انا عروبي اذن انا موجود، او على سبيل الجد والاجتهاد بتأويل المقولة وتفكيكها، كما نجد لدى المشتغلين بالفلسفة في العالم العربي. على ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل نتعامل مع المتلقي العربي للفلسفة بوصفه قاصراً عن الفهم نخشى على لغته وعقيدته من المغايرة التي تحملها الترجمة، فيما نحن ندعوه من جهة اخرى الى الخروج من اسر التقليد، مع ان المبدع يبدأ دوماً مقلداً لكي ينتهي مجدداً؟! ان المنطق الضمني الذي يتحكّم بالترجمة التأصيلية لدى طه عبدالرحمن، يشبه الموقف الصريح لدى الغزالي الذي طالب، قديماً، بمنع الناشئة عن الخوض في الرياضيات، لأن هذا العلم، وان كان لا يتعلق بالدين، فان حجة الاسلام قد خشي منه على سلامة العقائد بسبب مصدره الاغريقي. والأهم من ذلك كله ان ما غاب عن الدكتور طه، بل ما لجأ الى تغييبه عمداً، هو الأصل نفسه، اي كون الترجمة ليست تأليفاً، أياً كان مدى الابداع في نقل الكلام وصوغه. من هنا ليست مهمة المترجم الاضافة والزيادة، او التصحيح والتصويب، او التحسين والتجميل، اي ليس له ان يدعي بأنه اقدر من المؤلف على ايضاح مراده، او بأنه يغني قوله بما لم يخطر على باله، او بأن يزيد عليه ما كان ينقصه، او بأن يعمد الى تصحيحه "رغماً عن أنفه… مثل هذه الحجج التي يتباهى بها الدكتور عبدالرحمن، دفاعاً عن ترجمته، تنقلب ضده، اذ هي تعني ان ما قام به ليس ترجمة أصلاً، بل اعتداء على الأصل المُترجم بالمحو والاستئصال، غايته القدح في مقولة ديكارت والقول بأن الترجمة تتفوق، ان من حيث التركيب او المضمون، على الأصل، الذي لا يستحق من ناقله سوى وصفه بكونه "في منتهى الابتذال". وتلك هي المفارقة الفاضحة في صيغة الدكتور عبدالرحمن: ان ندّعي ترجمة لديكارت، بينما الترجمة هي الغائب الأكبر، اذ القصد ليس الترجمة او التأصيل، ولا حتى التفلسف، بل ممارسة الاستذة على ديكارت، بمخالفته ومغالطته، لكي نقول بأننا نأتي بأحسن مما أتى به، او بالحلول مكانه، لكي نبيّن ما كان ينبغي له ان يفكر فيه، لكي يضاهي في قوله النص المترجم، اي لكي يتوافق مع ما يفكر فيه الدكتور عبدالرحمن ويؤمن به او يدعو اليه. هذا هو المقصود من الترجمة بعد الحفر والتفكيك في منطوقها: تصحيح مقولة ديكارت، بتغييرها مضموناً وتركيباً، لكي تتلاءم مع اصولنا وآراءنا وعاداتنا. والثمرة محو الأصل الفرنسي. وتلك عجيبة من عجائب الابداع في ترجمة الفلسفة. ولا عجب في ذلك: فالأصولية هي استئصال الآخر، معرفياً، من جانب العلماء والفقهاء، كما هي استئصال الآخر جسدياً من جانب الأحزاب والمنظمات. ويقدم الدكتور طه في سياق دفاعاته عن ترجمته الشاهد تلو الآخر، على ان الترجمة ليست مراده، بل تخطئة ديكارت والحلول مكانه. من ذلك إقدامه على تصحيح نص آخر لديكارت، من عدة وجوه، أبرزها استخدام لفظ "الاستبصار" محل لفظ "الحدس" لترجمة المقابل الفرنسي intuition. ومصطلح الاستبصار لا يصلح مكان مصطلح الحدس، لأن الحدس معرفة غير استدلالية، في حين الاستبصار فيه قدرٌ من الاعمال للعقل، اي هو لا يخلو من النظر والاعتبار والاستدلال، كما هو شأن المصادر المصاغة على وزن استفعال. فكيف اذا كانت مفردة الحدس التي نستبعدها، بداعي التأصيل، هي مفردة اصيلة وراسخة في الخطاب الفلسفي العربي، منذ زمن الشيخ الرئيس ابن سينا، حتى المعاصرين من الفلاسفة والمتفلسفين، عرباً ومسلمين. والسؤال الذي يثور في الذهن هنا: هل نحن مع التأصيل، حتى اذا ما وجدناه، عمدنا الى تأصيل المُؤصَّل، فاذا النتجة معكوسة: بلبلة اللسان وتشويش الأذهان. ذلك هو مأزق المشروع عند طه عبدالرحمن: سقوط المحاولة على العَتَبة وعند اول تجربة، اي في الترجمة التي هي بوابة الفلسفة. لا مراء عندي ان الدكتور طه عبدالرحمن هو عالم كبير وعلاّمة قدير في مجال اختصاصه. ولو كانت الفلسفة هي فن الجدل وسوق الكلام المُمَنْطَق او الاستدلال المحكم، لَعُدَّ أكبر فيلسوف. هي خبرة وجودية فذة تتجسد في ابتكارمقولات وصيغ يتشابك فيها الحدس والاستدلال أو الذوق والمنطق أو الهوى والعقل، بقدر ما تتداخل فيها المعرفة والسلطة أو القيمة والمنفعة أو الاستحقاق والاستمتاع، وعلى النحو الذي يخرج به المرء من مأزقه الوجودي، باستخراج امكانات جديدة للتفكير والتعبير أو للعمل والتدبير. والفلسفة، بما هي صناعة مفهومية، تتطلب الوفاء للمفهوم، بعيداً عن عقلية التوطين والتجنيس للأفكار، أو عن إرادة التبجيل للذات أو التبخيس للغير. فالكتابة تحت تأثير عقدة التفوق على الغير، هي الوجه الآخر للشعور بالنقص تجاهه، كما تشهد على ذلك تجربة الدكتور طه عبدالرحمن، الذي اتخذ من ترجمة الفيلسوف الفرنسي ذريعة لمآرب أخرى، أقلّها وضع الآخر الغربي موضع المساجلة العقائدية أو جعله هدفاً للثأر الحضاري والتاريخي. صحيح أن الكتابة، ولو كانت ترجمة، هي قيد نتحرر به، بقدر ما نحرر النصوص ونؤلفها، لأن من لا يكتب يكون مدار الكتابة وموضع السلطة. بهذا المعنى تصبح الكتابة بمثابة خرق للشروط وتجاوز للمواضعات، سواء على جبهة الذات أو على جبهة الغير، خصوصاً في ميدان الفلسفة، حيث الفيلسوف وطنه الفكر ومقامه بأرض المفاهيم. وإذا كنا نعامل الغربي أو هو يعاملنا بوصفنا الآخر لغوياً أو ثقافياً أو عرقياً أو جغرافياً، فلسنا بالنسبة إليه الآخر فلسفياً، وانما نحن نقيم معه على أرض معرفية مشتركة. على هذا النحو يجدر بنا ان نتعاطى الشأن الفلسفي، دونما تمييز بين أعلام الفكر، سواء تعلق الأمر بأرسطو وأفلاطون، أم بالفارابي وابن سينا، أم بابن عربي وصدر الدين الشيرازي، أم بديكارت وهيغل وهوسرل وهيدغر. آن لنا أن نقلب الآية، بحيث لا نحشر أنفسنا في الدائرة الخانقة لخصوصيتنا الثقافية أو العقائدية، على ما يريد لنا بعض الغربيين أن نكون، إذ عندما نلعب لعبتهم ونكون صنيعتهم، فيما نحن نتوهم أو ندّعي أننا نقاوم الغرب ونستقل عنه أو نعامل معاملة الند للند. اختتم معترفاً بأنني شعرت بالحَرَج، وأنا أنخرط في هذه المناقشة النقدية مع الدكتور طه عبدالرحمن، بعد أن نشأت صلة مودة بيني وبينه، يعود الفضل له فيها، إذ هو قد استقبلني لدى زيارتي الى المغرب في نهاية العام الفائت، فأكرمني وأحسن وفادتي، على رغم نقدي السابق له. وقد قدَّم بذلك شاهداً حياً، على أن النقد المتبادل لا يقف حائلاً دون نشوء علاقات شخصية ودية بين أهل الفكر والكتابة، بدليل أن الدكتور طه شاء أن يتعرّف عليَّ وأن يحيطني بوده وكرمه، بعد أن كتب نقده القاسي على نقدي الأول الذي لا يخلو هو الآخر من القساوة. من هنا فأنا، فيما كنت أكتب هذا النقد للنقد، كنت أتخيل شخصاً آخر غير طه عبدالرحمن، بمعنى أنني حاولت الفصل بين الشخص الواقعي الذي أعرفه والشخص المفهومي الذي انتقده، كما يتمثل في النصوص والكتابات، بذلك أجمع بين وفائي لمهمتي المعرفية ووفائي للشخص الذي أكن له الودّ، وأقدّر أعماله غاية التقدير. وإذا كانت الترجمة هي مدار الخلاف الأكبر بيننا، فلا يعني ذلك أنني أخالفه في كل اجتهاداته في هذا الخصوص. بالعكس فأنا استحسن العديد من ملاحظاته، وأؤّيده على سبيل المثال في الاقتراحات التي ساقها في معرض مناقشته ونقده للترجمة التي قام بها مطاع صفدي وآخرون لكتاب جيل دولوز: ما هي الفلسفة؟ وبالأخص ما يتعلق منها بالمصطلحات الثلاثة: concept, percept, affect التي يصوغ من خلالها الفيلسوف الفرنسي مفاهيمه للأعمال الفلسفية والفنية وتمييزاته المبتكرة بينها. فأنا اتفق مع الدكتور طه بأن المرادفات العربية ينبغي أن تكون متشابهة في أبنيتها الصرفية، كما في الأصل الفرنسي. وبالاجمال فأنا أفيد من اطلاعي على الأعمال الفكرية للدكتور طه، وهي أعمال تنطوي على إغناء وتعميق لحقول المعرفة وأصعدة الفهم. ربما كانت الصفة الفلسفية لهذه الأعمال هي موضع الاشكال عندي، إذ يبدو لي أن صاحبها لا يقف على أرض الفلسفة، بقدر ما يحاول إخضاع الأعمال الفلسفية للدرس الفقهي. وهذا مدخل مشروع لتجديد المعرفة في الثقافة العربية. وإذا كان المشروع قد تعثر في الترجمة، فالأمل أن يُؤتي ثماره في المجالات الأخرى، ولذلك حديث آخر. * كاتب لبناني.