على رغم ان «غبار» ثورات الربيع العربي لم ينجل بعد، بل إن الدماء ما زالت تسفك بغزارة في عدد من البلدان العربية، وما زال كثير من أبناء تلك الدول يصارعون أجهزة أمنية بالغة القسوة، الا أن «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) إرتأت ان تسبق قنوات تلفزيونية كثيرة، بتقديمها قصص تلك الثورات من خلال برنامج ضخم يحمل عنوان: «كيف غير «فايسبوك العالم؟». ويشير عنوان البرنامج البريطاني الذي تعرضه القناة الثانية ل «بي بي سي» الى الاهمية التي يوليها لموقع التواصل الاجتماعي الشهير، ودوره في انطلاق ثورات الربيع العربي وتأجيجها. بل ان البرنامج الذي يتنقل في دول عربية عدة، يبدأ، وقبل كل شيء، بتقديم معلومات مفصلة عن عدد مستخدمي مواقع الانترنت و «فايسبوك»، في كل بلد يزوره، في اشارة الى أن الثورات التي بدأت في بداية العام، بدأت على صفحات «فايسبوك»، قبل ان تنتقل الى الشارع، وأنه من دون الموقع الالكتروني، كان يمكن الانظمة العربية التي وصل اليها التغيير، ان تواصل نهجها السابق بسحق اي معارضة داخلية، من دون ان يعرف العالم بما يجري خلف اسوار تلك الديكتاتوريات. يبدأ البرنامج من مكان انطلاق الثورات العربية، اي من مدينة سيدي بو عزيز التونسية، لكنه لا يكتفي بلقاءات، اضحت تقليدية، مع مقربين من محمد بو عزيزي الذي احرق نفسه في الحادثة المعروفة. هو يحاول ان يعيد ترتيب الحوادث التي أعقبت حادثة الاحتجاج، بلقاءات يجريها مع شباب صوّروا التظاهرات الاولى بهواتفهم المحمولة، ووضعوها على صفحات مجهولة قليلة على «فايسبوك». بعد ذلك ينتقل البرنامج لمقابلة شباب تونسيين من الطبقة المتوسطة، شاهدوا تلك الافلام بالصدفة، وراحوا يروّجون لها على صفحات اكثر شعبية على «فايسبوك»، ثم من خلال الدعوات الى تظاهرات شعبية ضد نظام زين العابدين بن علي، والتي انتهت بفراره، لتكون تونس اول بلد عربي يتخلص من نظامه عام 2011. اما قصة مصر التي ستكون المحطة الثانية للبرنامج، فتشبه قصة تونس، لكنها، اي الثورة المصرية، ستستفيد من الدرس التونسي، وتخطط لانطلاقتها عبر «فايسبوك» الذي سيتحول الى الخطر الاكبر للنظام المصري الذي قرر في النهاية وقبل تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، قطع كل اتصالات البلد بالانترنت. وهو الامر الذي سيتكرر في ليبيا، التي قطع عنها الانترنت منذ اليومين الاولين من الثورة التي انطلقت من مدينة بنغازي. ومن مصر، ينتقل البرنامج الى ليبيا والبحرين، ليقدم من هناك شهادات لناشطين سياسين وأفراد عاديين، وجدوا في شبكة الانترنت، النافذة التي سيطلون منها على العالم. ويلتقي البرنامج، مثلاً، الشاب الليبي الذي صوّر تحطيم اول نصب للكتاب الاخضر في مدينة بنغازي. وتحدث الشاب عن الصعوبات التي واجهها في وضع هذا الفيديو على الانترنت قبل ساعات من قطع الاتصال بالشبكة. وهو الفيديو الذي حصل على اهتمام اعلامي عالمي وعرض على ابرز القنوات الاخبارية العربية والدولية. وعلى رغم أن عدداً من الذين أطلوا في البرنامج البريطاني، تحولوا، وبسبب الاهتمام الاعلامي الكبير بثورات الربيع العربي، الى وجوه مألوفة تلفزيونياً، فإن البرنامج البريطاني نجح الى حد كبير، بتقديم لقاءات اختلفت بطبيعتها عن لقاءات نشرات الأخبار التلفزيونية العابرة، لتقترب كثيراً من روح الوثيقة التلفزيونية التاريخية التي ستدوم لفترات طويلة.