كيف يمكن وزير الخارجية الاميركي كولن باول ان يكون مقنعاً اذ يقول بأن في امكان الولاياتالمتحدة استخدام قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية بعقلانية وتوازن، طالما ان السياسة الاميركية منحازة منذ عقود لاسرائيل وترفض الضغط عليها لتنفيذ التزامات كانت الادارة الاميركية طرفاً فيها. فالعالم العربي يدرك طبيعة النظام العراقي وممارساته التي أبقت العراق تحت حصار مستمر لمدة احدى عشرة سنة، وفي حال حروب مستمرة طوال عقدين. والرأي العام العربي لا يحتاج الى نشرات اعلامية توزعها الإدارة الاميركية على الصحف الاجنبية للتعرف الى أكاذيب النظام العراقي وقمعه لشعبه الذي يعيش مآسي لا يستحقها. كذلك لا يحتاج الرأي العام العربي الى "ديبلوماسية رسمية" تتولاها مسؤولة اميركية سابقة عن التسويق والعلاقات العامة، لنشر صورة جيدة عن الولاياتالمتحدة في العالم العربي. فبناء الثقة الذي تحدث عنه باول يتطلب اكثر من علاقات عامة باتجاه العالم العربي، والمطلوب هو سياسة ضاغطة على اسرائيل وليس كلمات تطالب بوقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. وحدها الإدارة الاميركية تستطيع القيام بالضغوط المطلوبة على اسرائيل، إلا أنها حتى الآن لم تعتمد الا ما يناسب اسرائيل ورئيس حكومتها ارييل شارون. وكيف تبني الإدارة الاميركية الثقة بسياستها، عندما تسعى الى تغيير نظام عراقي لا يناقشها أحد في شأن طبيعته وتصرفاته، ولكنها تدعم سياسة شارون، وهي التي تعتمد سياسة قمعية ووحشية وتوسعية تجاه الشعب الفلسطيني والعرب. فالانحياز الاميركي واضح لمصلحة اسرائيل ورئيس حكومتها الذي لا يبالي بالرأي العام العالمي ولا حتى بالحليف الاميركي، فيستمر في القتل واجتياح المدن الفلسطينية وقتل الشباب والأطفال. وكيف تبنى الثقة بسياسة اميركية تعتمد المكيالين والوزنين في المنطقة؟ فما الذي قامت به الادارة الاميركية حتى الآن لإلزام أي حكومة اسرائيلية بتفكيك المستوطنات ووقف الاستيطان؟ وماذا نفذ من التزامات اسرائيلية كانت الولاياتالمتحدة طرفاً فيها؟ وهل فرضت على اسرائيل رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني؟ وهل تحركت لدفع الحكومة الاسرائيلية الى تدمير "حائط برلين" الذي تبنيه لتفصل بين الفلسطينيين ومواطنيها الاسرائيليين؟ وما هو تعليق الادارة الاميركية على حقوق الانسان في اسرائيل ومحاكمة المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي؟ لن تنجح ديبلوماسية العلاقات العامة، مثلها مثل مشروع الشراكة الاميركية - العربية، في بناء الثقة بالسياسة الاميركية لدى الرأي العام العربي طالما بقي الانحياز الاميركي لاسرائيل على حاله. ولا شك ان جهوداً اميركية لتغيير السياسة الاسرائيلية، بالحماس نفسه الذي تبذله لتشكيل حلف دولي يشاركها في ضرب العراق، تبقى أفضل وأجدى لأنها تكسب الولاياتالمتحدة صدقية مفقودة الآن.