رداً على ما كتبه جهاد الخازن "الحياة" في 16 كانون الثاني/ يناير 2003، وطلب فيه "رداً من أحد العلماء الأفاضل، يشرح فيه ما ارتج عليّ"، لست أحد "العلماء الأفاضل"، ولا أدعي أني وصلت الى هذه الدرجة من العلم. ولكنّ الملاحظة التي أشار اليها الأستاذ الخازن لا تستوجب حصراً الرد من أحد العلماء الأفاضل. وانما يمكن أن تتعداها الى "قراء أفاضل": فكل من يقرأ ويتدبّر القرآن يستطيع الرد. يقول الأستاذ جهاد الخازن أن "القرآن لا يدعو الى القتل، فالذي يقتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً". ويكمل أن القرآن الكريم يعتبر أن "القتال كره لكم". أقول للأستاذ جهاد الخازن إنّ الدين الإسلامي يدين قتل الإنسان، بغير ذنب وبغير حقّ. فالأصل في القتل ممنوع إلا بالحق. والقرآن الكريم يقول: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين". و"ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان..."، "... وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا...". فالقتل والقتال من أجل الحق هو أمر مشروع تقرّه الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والقيم الأخلاقية. والقيم الفطرية تقرّه دفاعاً عن النفس. فلقد جعل الله في جسم الإنسان مضادات تقاوم أي جسم غريب يدخل جسم الإنسان. فهذا من الفطرة التي فطر الله الناس عليها. ويذكر الكاتب جزءاً من الآية القرآنية عن القتال "كره لكم"، والآية كاملة تقول: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" سورة البقرة 216. إذاً، الجهاد واجب على كل أحد، غزا أو قعد. ولهذا ثبت في الصحيح: "من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بالغزو، مات ميتة جاهلية". "وهو كره لكم" أي شديد عليكم ومشقّة. أما مراجعة الأستاذ خازن لفعل "شهد" في فهرس القرآن الكريم، وقوله: "أنه ورد أكثر من 160 مرة ولم تكن بينها مرة واحدة بمعنى الموت شهيداً"، فأدعوه لمراجعة الفهرس ثانية. فالقرآن الكريم تزخر آياته بهذا المعنى والله تعالى يقول في كتابه المنزل: "ومَنْ يُطِعْ الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً" سورة النساء 69، "وإن منكم لمن لَيُبَطِئَنَّ فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذا لم أكن معهم شهيداً" سورة النساء 72، ونزلت هذه الآية في المنافقين الذين يتخلفون عن القتال، ويعدُّ ذلك من نعم الله عليه، ولم يدرِ ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قُتل. "أن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين" سورة آل عمران 140. وغيرها آيات كثيرة، وردت بهذا المعنى. فعلى سبيل المثال لا الحصر: "ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله" البقرة: 207، ما دام الحق تعالى قد "اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتلون"، فلا فارق عند من باع نفسه لربه، وبين رصاصة يستقبلها في صدر مقبل غير مدبر، أو حزام ينسف به الأعداء، وان قطع النياط ومزّق الأشلاء، ما دام طعم الشهادة واحداً. وعلى ذلك فالشاب الذي يقتل نفسه بهذا الأسلوب مخلصاً نيته لله، مبتغياً إعلاء كلمة الله، فإنه أقدم على الشهادة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انما الأعمال بالنيات، وانما لكل امرئٍ ما نوى". ومن التجني ومجاوزة الحق أن نحكم بالانتحار على من يريد الشهادة، ويبذل نفسه في سبيل الله، تحكماً في نيّته، وحكماً على ما في قلبه بغير علم، مع علمنا أنه لو أراد الانتحار لسلك إليه طرقاً أخرى وما أكثرها وأيسرها. وفي النهاية أقول للأستاذ الخازن، إن فاتنا شرف الرباط فلا يفوتنا شرف الإمداد بكل أنواعه. بيروت - أمل الحكيم بعلبكي