في جريدة "الحياة" الخميس 9/1/2003 مقال مطوّل بتوقيع السيدين كارلوس بيار إده وجورج يوسف الأشقر يدّعي الرد على بعض ما جاء في مقال سابق لي كان موضوعه موقف المرحوم ميشال شيحا من القضية الفلسطينية. ولم أكن في وارد "الرد على الرد" حيث ان السجالات الانفعالية والردود المتسرعة خير ما يقتل روح الحوار والنقد الموضوعي وما يسيء الى الناس والى الافكار. لكن اعتبارات أساسية والتزامات أدبية دفعتني الى تسجيل النقاط التالية آملاً نشرها للتوضيح المشروع. مقال السيدين إده والأشقر ولا ندري من له شرف الأبوّة هنا حمل كمية من التجريح الشخصي وافتعال المواقف وتخيّل المؤامرات، كنت أربأ ان يصدر عن اشخاص نحترم الاسم الذي يحملون والحزب الذي يمثلون. فاسم آل إده وحزب الكتلة الوطنية هما عنوانان وطنيان كبيران كنت وما زلت أحترمهما وأحترم كل من ينتسب اليهما، ولي في صفوفهما أصدقاء ورفاق كثر أقدّر فيهم الاخلاق العالية والشهامة والرجولة والاستقامة على الحق والوطنية الصافية. والحقيقة ان ما يدفعني الى الرد هو ان المقال التجريحي حمل الكثير من الظلم والتجني والتجريح ضد صديق عزيز ومفكّر وقيادي وطني هو الاستاذ سمير فرنجية فأصابه برذاذ، لا لشيء الا لكونه ينتمي هو وأنا الى قيادة المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، واننا معاً، ورفاق لنا وباعتراف المقال نفسه كنا من واضعي الوثيقة المسماة "مانيفست لتجديد معنى لبنان" التي هي، وبحسب مقال كارلوس إده، "الوثيقة الموحية والموجهة لهذين المقالين" أي مقالي ومقال الاستاذ سمير فرنجية وهما نُشرا في الصفحة نفسها وعن الموضوع نفسه، وهو ذكرى ميشال شيحا. ومع ان مقال سمير فرنجية لم يذكر ولا مرة واحدة، لا تصريحاً ولا تلميحاً الرئيس اميل إده او حزب الكتلة الوطنية فإن كاتب كاتبي المقال التجريح تعمّد زج اسم فرنجية ووثيقة المانيفست كاشفاً عن ان المستهدف ليس توضيح او تصحيح ما ورد في مقالي أنا مما اعتبر مسيئاً الى صورة الرئيس إده، وإنما الهدف كان تصفية حساب شخصي مع لقاء "قرنة شهوان" ومع سمير فرنجية ومع المانيفست الوارد ذكره في المقال على انه أساس البلاء. أراد السيد كارلوس ان يُصيب رفاقاً سابقين في حزبه، كانوا في طليعة الموقّعين على مانيفست تجديد معنى لبنان، وذلك بافتعاله معركة وهمية مع سمير فرنجية يجعله فيها معادياً للكتلة ولريمون إده وللرئيس إميل إده وليقول بذلك: ها هو صديقكم في قرنة شهوان... فهل أنتم معه؟ ولولا هاجسه هذا لما ذكر المانيفست باعتباره الموحي والموجه لمقالينا، ولما دمج بين المقالين مقالي ومقال سمير فرنجية وهما صدرا من زوايا نظر مختلفة، ولما أشار الى ان سمير فرنجية هو أمين سر لقاء "قرنة شهوان" وهو أمر غير صحيح والى انني عضو اللجنة الوطنية للحوار خالطاً هنا بين اللجنة الوطنية وبين المؤتمر الدائم الذي هو الاطار الذي كان خلف اصدار وثيقة المانيفست.... لقد انتهت علاقتي باللجنة الوطنية للحوار التي كنت أحد مؤسسيها منذ وفاة الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين حيث كنت ممثله الشخصي فيها، واللجنة تقوم على اساس التمثيل الشخصي للمرجعيات الروحية. أما المؤتمر الدائم للحوار اللبناني فهو اطار فكري سياسي كان له شرف اطلاق مبادرات حوارية ووطنية كبرى، لعل أخطرها هو المانيفست المذكور الذي ظهر تأثيره في حوارات مثمرة أفضت الى مشاركة عدد من كبار كوادر وقادة حزب الكتلة الوطنية في تأسيس لقاء قرنة شهوان ثم الى تمسّكهم بالبقاء في اللقاء المذكور يوم قرر السيد كارلوس اده الانسحاب منه لأسباب مشهورة معروفة. وبدلاً من ان يُقدّر السيد كارلوس لهؤلاء الرفاق القياديين في حزبهم وفي لقاء قرنة شهوان وفي نقابة المحامين استقامتهم وشهامتهم ومسلكيتهم الاخلاقية والوطنية الرائعة التي منعهتم من الدخول في مهاترات او نكايات ولو حتى في الكلام، مجرد الكلام، عن موقف "العميد" كارلوس إده في تخلّيه عنهم، وهم ممن شارك في صنع مسيرة ومسار حزب الكتلة الوطنية وموقعه وتألقه في الساحة السياسية، أقول بدلاً من ذلك لجأ "العميد" كارلوس الى تصفية حسابه معهم وبمفعول رجعي ومن خلال افتعال موقعة وهمية يريد فيها الظهور مظهر المدافع عن صورة الحزب ورئيسه، مستغلاً أسوأ استغلال ما ورد في مقال كتبته أنا وليس سمير فرنجية، ولا علاقة له بالمانيفست والموقّعين عليه، لينال من اشخاص ومن مواقع وليسء الى نفسه والى حزبه والى الرئيس إده. والطامة الكبرى التي تُظهر مدى توتره تمثلت في تفويته فرصة فتح حوار جدي وأصيل حول فكرة أساسية هي فكرة "تجديد معنى لبنان ودوره" في ظروف تاريخية جديدة ومن خلال الاستفادة من تجربة تاريخية ماضية كان الرئيس إده وحزب الكتلة الوطنية أحد قطبيها في مقابل الرئيس بشارة الخوري وكتلته الدستورية ومعهما ميشال شيحا. بدل فتح الحوار حول دروس تلك التجربة، ما يسهم في اعادة تحديد وتجديد دور حزب الكتلة الوطنية نفسه، ومعناه، ورئيسه وتياره، في ظروف جديدة ووفق معطيات مستجدة، سارع "العميد" الى وأد الحوار وقطع التواصل شاهراً سيف التخوين والتكفير والتجريح والتهويل، وهو أخطأ في العنوان بكل تأكيد. فلسنا نحن، سمير فرنجية وأنا، او اصحاب مانيفست تجديد معنى لبنان، من يُقال له هذا الكلام... لم يهدف مقالي "الى اتهام الرئيس إده والى مهاجمة نضاله التاريخي الوطني اللبناني اللبناني" بحسب ما جاء في مقال كارلوس إده، وكتاب "الصهيونية" لورا ايزنبرغ، موجود في السوق منذ سنوات عدة وصورة الرئيس إده كرجل فرنسا والانتداب، والمعارض لانتماء لبنان العربي، بل حتى المعادي للوجود الاسلامي فيه، هي صورة شعبية شائعة لا ناقة لي فيها ولا جمل ولم أسمع ان حزب الكتلة الوطنية او السيد كارلوس إده او جورج الأشقر قد عمل على نقضها ودحضها او على تصحيحها وتوضيح ما غمض من خفاياها... ولو ان "العميد" قرأ مقالي بعينين لا يعميهما الغضب ولا تؤثر فيهما العصبية ولا "الحقد الوراثي والعقد العقائدية والوصولية السياسية" عبارات مستلة من مقاله لكان وفّر على نفسه وعلى حزبه وعلى صورة الرئيس إده وسمعته ما لحق بها من تشويه بسبب مقاله. مقالي عن ميشال شيحا تعاطى مع نقطة واحدة في فكر وممارسة "الكاتب والصحافي والنائب عن مقعد الأقليات" بحسب ما كتب كارلوس إده ليخبرنا ان شيحا لم يكن مارونياً، وهي النقطة المتعلقة بموقفه من قضية فلسطين. وحاولت قراءة هذا الموقف الفريد والمتميز الصادر عن "بورجوازي يميني غربي مسيحي لبناني لبناني بامتياز"، وصيغة لبناني لبناني هي من بنات أفكار كارلوس إده ولعله يقصد بها ان انصار الرئيس إده لم يكونوا سوى لبنانيين صافين فلم تخالطهم شبهة عروبة كما هي الحال مع الدستوريين وأنصار بشارة الخوري. وأنا وصفت ميشال شيحا مرات ومرات بهذا الوصف بورجوازي يميني غربي الخ... وهو عندي تقرير حال لا قيمة معيارية له ولأنني تخلصت من الموقف الايديولوجي الذي يصنّف الناس الى يمين ويسار ويشتم اليمين ويضحك لليسار، كما تخلصت من "الايديولوجيا العروبية" التي كانت ترى في كل مسيحي لبناني لبناني معادياً للعروبة وعميلاً للصهيونية وللامبريالية العالمية، فإنني قرأت ميشال شيحا، وإميل إده، وبشارة الخوري، وحميد فرنجية، وميشال زكور وغيرهم قراءة سياسية تاريخية واقعية لا احكام قيمية معيارية فيها ولا مواقف تسطيحية إلغائية اقصائية ضمنها. أعجبني ميشال شيحا، خصوصاً في نقطة افتراقه بالذات عن رفاق وأصدقاء له هكذا وصفتهم في مقالي ولم أقل عنهم انهم عملاء وخونة: شارل قرم، ألبير نقاش، البطريرك عريضة، المطران مبارك الخ... الخ... في تحديده الدقيق لدور لبنان وموقفه في العلاقات العربية العربية المتوازنة، والعلاقات العربية الغربية القائمة على اطار جغرافي حضاري يشارك فيه الطرفان، الأمر الذي أوصل ميشال شيحا الى "موقف تاريخي وخطير وفريد من فلسطين". ولتأكيد هذه النقطة ،وإبرازها كان لا بد من استحضار تأثير ميشال شيحا وهنري فرعون وربما أيضاً وأساساً ميشال زكور ويوسف السودا في موقف الرئيس بشارة الخوري وحزبه الدستوري من مشاركة لبنان في معرض الشرق في تل أبيب، ولم أقل ان تلك المشاركة خيانة وطنية وعمالة للعدو وإنما أبرزت اختلاف الموقف الدستوري عن الموقف الكتلوي لناحية التأثر بفكرة ميشال شيحا عن خطر الاقتصاد الصهيوني على دور لبنان، او هجوم بشارة الخوري على صمت الحكومة بإزاء ثورة 1936 في فلسطين. ولم أقل إن صراخ الدستوريين كان كفاحاً مسلحاً وإنما أردت اظهار التباين بين حساسيتين: الأولى رأت في ما يجرى في فلسطين خطراً على لبنان وصيغته ودوره ودعت الى عدم الحياد في الأمر، بل وصلت الى حدود الدعوة للانخراط الفاعل مع الاشقاء العرب في حرب فلسطين وفي موقف موحد ينقذها، والثانية دعت الى حياد لبنان وعدم الانفتاح على العرب وعلى المسلمين في الداخل والاكتفاء بالدعم الفرنسي، بل ووصلت الى حد مطالبة المطران مبارك بوطن قومي مسيحي اسوة بالوطن القومي اليهودي... وهل يستطيع السيد كارلوس إده انكار هذه الواقعة أو هذا الاصطفاف بين التيارين في لبنان؟ وإلا كيف يفسّر لنا كون التيار الأول هو صانع الميثاق والتعاون الاسلامي المسيحي في معركة الاستقلال وانتماء لبنان الى المحيط العربي؟ ولا يُضير بشارة الخوري وحزبه الدستوري ان يكون انفتاحه على العروبة انفتاحاً سياسياً "بدأ بعد ادراكه ان مستقبل فرنسا في الشرق لن يكون ممتازاً ولا مضموناً..." ولا ان يكون وراء هذا الانفتاح "اتقانه اللغة العربية وتأثير ميشال شيحا وهنري فرعون عليه وكلاهما مسيحي من الأقليات ينادي بالتوازن بين الطوائف اللبنانية" نقلاً عن اطروحة دكتوراه لنجلاء عطية بالانكليزية عن موقف مسلمي لبنان من الكيان اللبناني وردت لدى باسم الجسر "ميثاق 1943: لماذا كان؟ وهل سقط؟" دار النهار 1978-ص96. ولا يضير إميل إده وكتلته الوطنية ان يكون ميشال شيحا التقط بفهمه المميز وبحساسيته المرهفة وهو داعية خصوصية لبنان ودوره وتوازن طوائفه انعكاس تداعيات وتفاعلات القضية الفلسطينية والمسألة الصهيونية عموماً وأن يكون قد عبّر عن ذلك قبل غيره ومن خلال تأثيره هو وهنري فرعون وميشال زكور في الرئيس بشارة الخوري وحزبه الدستوري. ولم أعتبر في مقالي ميشال شيحا او بشارة الخوري من قادة حركات التحرير الثورية او اليسارية بل قلت بالضبط ان شيحا بورجوازي يميني غربي بامتياز. ولكن، هل ينفي ذلك تميزه وفرادة رؤيته، وتميز موقف بشارة الخوري والحزب الدستوري في مواجهة مواقف مسيحية اخرى معروفة مشهورة لم تنفتح على العرب وعلى مسلمي لبنان كما فعل الرئيس الخوري ولم تفهم ما قصده ميشال شيحا من تحذيراته المتكررة من خطر المشروع الصهيوني على لبنان ودوره وعلى موقع ودور الموارنة والمسيحيين فيه؟ لا حاجة للتهويل بوثائق او غيرها "لفضح" "لا عروبة" ميشال شيحا او غربيته، فأنا كتبت ان ميشال شيحا كان أول الداعين الى سياسة الأحلاف العربية مع الغرب وقد سار شارل مالك وكميل شمعون وغيرهما من قادة الدول العربية آنذاك على هذا النهج في مواجهة محاولات العسكريتاريا العربية ومشاريعها ربط بلادنا بالأحلاف والمعاهدات مع روسيا السوفياتية. كان ميشال شيحا شفافاً في استشرافه لمستقبل العالم العربي منبهاً من قوة الصهيونية وقدرتها على التأثير في الغرب اكثر مما يستطيعه الموارنة او مسيحيو لبنان عموماً. ومن هنا فانه رفض التضحية بالشراكة الاسلامية المسيحية في لبنان، وبالتضامن مع العالم العربي، لمصلحة دعوات الاستقواء بفرنسا وتأييد الانتداب والحماية الفرنسية... ولا ضير من اعلان ذلك ومن الكلام الحواري الهادئ عن اخطاء وعثرات مواقف البطريرك عريضة والمطران مبارك والسادة ألبير نقاش وشارل قرم وإميل إده وغيرهم... ولا يعني تسجيل الوقائع التاريخية استعادتها في صراعات اليوم، فتلك مرحلة مضت بما لها وما عليها، وبشعاراتها ورجالاتها، الذين اخطأوا وأصابوا، لكنهم كانوا في مستوى القيادة والمسؤولية، ما نفتقر اليه في زماننا هذا. ليس الهدف إذاً فتح ملف الصراع والعداوة الدستورية الكتلوية، فهذا تاريخ عفا عليه الزمن وانتهت سياقاته وأدواته وقواه وشعاراته، الا اذا كان "العميد" كارلوس إده يعتقد ان زعامته لن تقوم الا على اساس اعادة إحياء الصراع القديم ونبش عصبياته. ومقالي عن ميشال شيحا هدف الى تسليط الضوء على فهم مسيحي مسيحي، لبناني لبناني كما يحب كارلوس إده مميز لمعنى ودور وخصوصية لبنان في اطار الانتماء الى المحيط العربي، والى معنى هذا الانتماء العربي الذي عبّرنا عنه في المؤتمر الدائم للحوار اللبناني بأنه عروبة ثقافية حضارية وبأنه وعي لدور لبنان كما قال ميشال شيحا كصلة وصل وكعامل أساس في تحقيق التوازن بين العرب أنفسهم أولاً وبينهم وبين الغرب المتوسطي خصوصاً ثانياً. هذا هو امتياز ميشال شيحا عن غيره من اقرانه، خصوصاً رفاقه في المجلة الفينيقية وفي التيار اللبناني المسيحي الفينيقي. وهذا لا ينتقص من قيمة الكتلة الوطنية او من "وطنية ونضال رئيسها" الا في عيون الذين لا يرون التاريخ والسياسة الا من خلال ذواتهم. وليس الأمر عبارة عن تقابل عدائي الغائي بين طرفين احدهما وطني والآخر عميل. فهذه العقلية الساطورية تسببت لنا في الكثير من الويلات، وأنا والحمد لله لست من دعاتها بل انني رفضت وما زلت ارفض التصنيف الالغائي والاقصائي الذي يتنكر لأدوار الآخرين او يحاول تشويه مواقعهم ومواقفهم. وكان الاجدر بالسيد كارلوس إده اعادة قراءة تاريخ الصراع الكتلوي الدستوري في الأعوام 3619 - 4319 بعيني الوطنية والحوار وليس بعيني الوراثة والعصبية. وكان في امكان السيد كارلوس إده إنارة البحث التاريخي بوثائق جديدة تكشف حقائق لا نعرفها عن المرحلة المذكورة وأبطالها، فيكون مقالي على الأقل أثار امكان تصحيح صورة المواقف والآراء المتقابلة بين الكتلويين والدستوريين وتصحيح صورة الرئيس إده وحزبه امام جمهور اللبنانيين. اما النقطة المتعلقة باجتماع الرئيس إده بوايزمان، وبموقف اده من قيام دولة يهودية على حدود لبنان، فقد أساء السيد كارلوس فهمها كما أساء استخدامها، الأمر الذي أدى به الى اقتباسات مطوّلة من كتاب ايزنبرغ اعادت الاساءة ليس فقط الى الرئيس إده بل الى غيره من قادة الاستقلال. وقد تجاهل السيد كارلوس وقد اعمته تصفية الحساب انني انا الذي كتبت في مقالي وبالحرف إن لقاء الرئيس اده مع وايزمان "لم يكن سرياً ولا منبوذاً بل اندرج ضمن سلسلة لقاءات اجراها وايزمان مع قادة ومسؤولين وسياسيين عرب، بغية جس النبض حيال مشروع مقترح لتقسيم فلسطين". فهذا اللقاء ليس جريمة ولا خيانة ولا يعتبر نقطة سوداء في تاريخ الرئيس إده الا اذا كان السيد كارلوس يخشى من أو يتضامن مع، تهويلات حلفائه الجدد من حملة السواطير وفتاوى التخوين والتكفير، وأنا والحمد لله لست منهم. ولم يكن القصد من ذكر تلك الواقعة تخوين الرئىس إده او تقديم إخبار عنه الى السيد عدنان عضوم ليصار الى فتح ملف له بتهمة الاتصال بالعدو الصهيوني... والأمر نفسه ينطبق على كل الاتصالات واللقاءات التي اوردها السيد كارلوس في مقاله لتبرير "فعلة الرئىس اده" من خلال "تغطيس" الآخرين معه... ولم يكن الامر ليستحق هذا الهزل. فقد التقى الحاج محمد امين الحسيني والأمير شكيب ارسلان وغيرهما من القادة العرب والمسلمين وايزمان وغيره من اركان الحركة الصهيونية او الوكالة اليهودية... وكانت دولة اسرائىل غير موجودة، والعلاقات العربية - اليهودية غير محرمة، بل ان بعضها كان يقوم على حسن الجوار وعلى التضامن والتعاون كما في مصر والعراق وسورية ولبنان. وكانت الامور تناقش بين العرب واليهود والانكليز والدول الكبرى بحثاً عن حل سلمي للمشكلة الناجمة عن وعد بلفور وعن الهجرة الصهيونية وعن تصاعد النزاع في فلسطين. وقد هدفت من ذكر الواقعة الى تسليط الضوء على موقف تاريخي آخر وقفه ميشال شيحا يومذاك حين دعا الى استلهام النموذج اللبناني في بناء "دولة متشاركة الطوائف في فلسطين" سابقاً بذلك مشروع حركة "فتح" للعام 1969 ومشاريع ادوارد سعيد وغيره في العام 2000!! يومها وقف الكثيرون من العرب وليس فقط الرئىس إده الى جانب تصور امكان حل المشكلة من خلال القبول بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية، بل ان الرئىس اده اراد تطمين الانكليز اكثر وهم خصومه وأصدقاء خصمه الرئىس بشارة الخوري وبمسعى من اصدقائه الفرنسيين، من خلال تصريحه بأن لا مانع لدى لبنان من قيام دولة يهودية على حدوده... وليس في هذا الموقف ما يعتبر خيانة وطنية او تهمة كما فهم السيد كارلوس. كل ما اردت قوله ان ميشال شيحا رأى ببعد نظره ودقة معرفته بالمسألة اليهودية في الغرب وبالقوة الصهيونية المؤثرة في الغرب، وبآفاق المشروع الصهيوني، والضعف العربي، رأى ان القبول بدولة يهودية على حدود لبنان لن يحل المشكلة بل سيشكل خطراً على لبنان وعلى العالم العربي... فإذا كان ميشال شيحا متقدماً على اميل اده في المعرفة والوعي وفي الخبرة والتحليل وفي الدقة وبعد النظر والشفافية، ومتقدماً اكثر على المطران مبارك والبطريرك عريضة وألبير نقاش وشارل قرم وجورج نقاش وسعيد عقل، فهل ان الحوار الاسلامي - المسيحي الذي كرست له حياتي يقتضي مني اخفاء الوقائع وطمس الحقائق؟ يتهكم السيد كارلوس اده على الحوار الاسلامي - المسيحي ويحاول ان يقول لأصدقائي الموارنة والمسيحيين: ها هو "الحواري" يهاجم مطراناً وبطريركاً الخ... يا سيد كارلوس... ما هكذا يكون الحوار وأنت تعرف انني دفعت وما زلت ادفع ثمن موقفي المستمد من مواقف إمامي الشيخ محمد مهدي شمس الدين والداعية الى الاعتدال في الرأي والتصبر في الموقف والعدل في الاحكام... وأنا لم أكفّر ولم اخوّن احداً من الذين اختلفنا معهم خلال الحرب الاهلية. وكنت من المناضلين لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية تقوم على العفو والتسامح وعلى التطلع الى المستقبل... فكيف بالنظر الى ماض ذهب وذهبت معه كل قضاياه وشعاراته ورموزه... وأنا اعرف من خبرتي انه لا يمكن قيام حوار وطني حقيقي، وحوار اسلامي - مسيحي منتج خلاّق، الا على الصراحة والحق والمحبة وليس على النفاق والتكاذب او الزغل او الكيد او التفاخر... وليس هدف الحوار ان نتخلى عن آراء ومبادئ وأفكار او ان نقنع الآخر او نجبره على التخلي عن آرائه ومواقفه ومواقعه. الحوار قيمة انسانية ومبدأ ديني اخلاقي وهو ايضاً حاجة وطنية وضرورة حضارية... ولكنه بالنسبة اليّ مغامرة. فكم من سوء فهم وكم من اسقاطات وكم من التباسات وكم من افتراءات وأضاليل تعرقل مسيرة الحوار الحق الصادق الولود. المهم ان احاول فهم الآخر ومعرفته كما هو، وكما يقدم نفسه وكما يريدني ان اتعامل معه لا كما اتصوره او كما اريده... والمهم ان نصل الى نقاط اتفاق فنعمل على توسيعها وتطويرها وبلورة آفاقها، وان نحدد نقاط الاختلاف ونفهمها فنعمل على توضيحها وعلى إزالة التصورات الخاطئة والمفاهيم والاسقاطات المشوهة. وبهذا المعيار فأنا لا احكم على الرئىس اده او الكتلة الوطنية او المطران مبارك او البطريرك عريضة او غيرهم... بل انني متهم لدى اصدقائي بأنني "اتفهم اكثر" من اللزوم مبررات الآخر الى حد الدفاع عنه، خصوصاً حيال تهم الخيانة والتخوين. وهذا الامر قادني ايضاً الى عدم الحماسة لكل ما كان شعارات عروبية ويسارية ادرك اليوم انها كانت مسؤولة هي الاخرى والى حد كبير عن الخراب الذي وصلنا اليه. ولو ان السيد كارلوس اده لم يتعجل الرد مدفوعاً بوهم تصفية حساباته الداخلية الكتلوية والمارونية معتقداً انه يحشر خصومه من خلال التهويل والتطاول عليّ انا، لعرف انه لم يسهم في جلاء صورة الرئىس اده بقدر ما عمل على تشويهها. ولو انه اكتفى بالاستناد الى اطروحة الدكتوراه الجيدة التي شكلت قاعدة لبعض معلومات مقالته، وتوسع في تلخيص ابرز ما يتعلق بمواقف الرئىس اده في مرحلة الانتداب مزيلاً الاتهامات والانطباعات العالقة في اذهان الناس مما لا علاقة لمقالي بها، من دون اللجوء الى القدح والذم والى التهجم والتجريح، لكان ابلى بلاء حسناً وخدم قضية حزبه ورئىسه كما خدم ايضاً قضية الحوار والتفاهم بين اللبنانيين، ناهيك عن خدمة البحث التاريخي. أخيراً فإنني اعتذر الى كل الاحبة والاصدقاء في حزب الكتلة الوطنية وأنصارهم وأنصار آل اده في بلاد جبيل، عن إثارة هذا السجال غير الودي الذي ما كنت اتمناه ولا اريده، وأنا من دعاة اعادة اكتشاف الكبار في تاريخنا وإعادة التصالح مع وطنيتنا اللبنانية من دون التنكر لعروبتنا او اسلامنا او مسيحيتنا اوعائليتنا او اي انتماء آخر يكوّن شخصيتنا. ان المصالحة مع الذات هي المقدمة الضرورية للحوار وللمصالحة مع الآخر، وهذا يفترض الجرأة على النقد الذاتي وعلى الاعتراف بالخطأ ان وقع، وعلى تصحيحه، ولا يضيرني في شيء الاشارة الى "تاريخي العقائدي والحزبي اليساري والعروبي والاسلامي والثوري". فهذا التاريخ فخر لي، اذ به ومن خلاله عبرت الى الدخول في الدين والوطن معاً والى تعميق محبتي للناس وللشرفاء المناضلين في كل تيار وموقع. فالأساس هو العدل ولو على ذي قربى، والحق ولو على حد السيف. كاتب لبناني. عضو "المؤتمر الدائم للحوار اللبناني" و"الفريق العربي للحوار الاسلامي - المسيحي".