في جريدة "الحياة"، عدد السبت 28 كانون الأول ديسمبر 2002، اطلعنا ولمناسبة ذكرى ميشال شيحا الكاتب والصحافي والنائب عن مقعد الأقليات في بيروت وفي مطلع عهد الانتداب على مقالين متطابقي الأسلوب والنص، متكاملي الجذور والهدف. المقال الأول، وهو "استدعاء لفكر ميشال شيحا في زمن اليوم"، للسيد سمير فرنجية، امين سر لقاء قرنة شهوان، والمقال الآخر بشعار "دار الزمان دورته وعاد العرب الى فكرة لبنان"، للسيد سعود المولى، عضو اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي - المسيحي. وكلاهما على ما نعرف، من المناضلين العقائديين القدامى، ومن واضعي ورفاق لهما، وثيقة قيل عنها في تاريخه، صدرت في ملحق جريدة "النهار" في 15 ايار مايو 1999، انها "مانيفست لتجديد معنى لبنان"، وهي الموحية والموجهة لهذين المقالين. لن نناقش هنا، والكاتبين المذكورين، فكر ميشال شيحا، فهما على ما يبدو، من المبتدئين في التعرف إليه، بالعودة الى مواقفهما العقائدي اليساري المتطرف السابق. والفكر هذا، ومن جهتنا، هو في البدء ومنذ ما قبل العشرينات، فكرنا. هذا لمن اراد ويريد ان يقرأ التاريخ اللبناني على حقيقته اللبنانية - اللبنانية، بعيداً من الأحقاد الوراثية العقائدية السياسية الراسخة عند بعض من المتطفلين الوصوليين. والفكر هذا، تقاسمناه وميشال شيحا، وناضلنا سوية، وكل من موقعه، من اجل لبناننا - اللبناني، هنا في بيروت، كما في مصر وباريس، ومن خلال الأندية والجمعيات والوفود الثلاثة الى مؤتمر الصلح في فرساي. لسنا في مجال مناقشة فكر ميشال شيحا، على رغم اساليب العمل المتناقضة، والاتجاهات السياسية المختلفة، والتباعد التطبيقي في مجمل الأمور. ومنذ ان حل المجلس التمثيلي بتاريخ 13 كانون الأول 1925، بقرار صادر عن الحاكم الفرنسي كيلا المعروف التوجه والاعتقاد، منعاً من انتخاب اميل إده ووصوله الى الرئاسة، كأول رئيس وطني للبنان. ولن نعود هنا الى تاريخ غابر من الانتقادات اللاذعة والاتهامات الجارحة التي يريدها ويتمناها لنا من حرر هذين المقالين، عله يجد لنفسه دوراً جديداً يلعبه، بعد ان فشل في اداء ادواره السابقة. لذا، وبعد مرور اكثر من خمسين سنة على وفاة الرئيس اميل إده والصحافي ميشال شيحا، وعلى مرور جيل تقريباً من الأحداث التاريخية التي حدّثنا عنها كل من المقالين المذكورين، علينا ان نتدارس اليوم، بروحية الباحث المدقق، المواقف هذه كافة، بعيداً من العواطف العائلية والتشنجات العقائدية والأحقاد الطائفية، بعد ان كشف عن مستندات ووثائق ومحفوظات وطنية، هنا وفي العالم الخارجي، تبدل عندنا مفهوم المعرفة التاريخية الراسخة في العقول، مؤكدين اننا كنا ولا نزال نعتقد ان إرساء النظريات الفكرية شيء، والنضال السياسي الفعلي من ضمن المبادئ الوطنية اللبنانية شيء آخر. ومن هذا المنطلق بالذات، نقول انه من المؤسف والمؤلم حقاً ان نرى من ادعى ويدعي مقاومة الفكر الصهيوني، من خلال رسالة ميشال شيحا، كان عليه ألاّ يقع في افخاخ مخططات الفكر هذا، وألاّ يختار ويعتمد، كأساس لنقاشه، بعضاً من المفاصل دون سواها، الواردة في مؤلف "عدو عدوي" لليهودية الصهيونية لورا ايزنبرغ، البانية دراساتها للوقائع والأحداث والأشخاص، على مفهوم عقائدي موجه، وهو مستخلص من احاديث وكتابات وتقارير افراد في المنظمات الصهيونية. ومن دراسة كتاب لورا ايزنبرغ، المعتمد اصلاً مرجعاً توثيقياً لأحد المقالين المذكورين، وبعد الاطلاع على المراجع الواردة فيه وعلى المؤلفات المتعلقة بالدولة اللبنانية والصادرة عن مؤرخين صهاينة، امثال زامير وبلاك وسواهما، يحملنا الاهتمام هذا بتاريخ وطننا، على التدقيق بالمستندات، حيث تبين ان هناك تزويراً فاضحاً ومتعمداً، إن في سرد الخبر او في تحليل الحدث او في إعلان الاستنتاج، وأن هنالك تشويهاً مطلوباً للآراء والوقائع، وأن لا اساس توثيقياً مستندياً لها في المحفوظات الوطنية، هنا وفي باريس ولندن، او في المكتبات الخاصة ويوميات أو مذكرات من تولى الحكم في لبنان منذ عهد الانتداب، وحيث ثبت لنا انها واردة فقط في اوهام كاتبيها وناقليها ومخططاتهم، حاملة في طياتها تحطيم الفكر اللبناني - اللبناني، وكل قائد لبناني - لبناني. والمستغرب هنا، وهل من استغراب بعد، في ان يكون من يدعي العمل لتجديد معنى لبنان او الدعوة الى حوار اسلامي - مسيحي قد وقع وأوقع في اخطاء فادحة وتناقضات مذهلة، من مواقف وأقوال وأحداث وتفاصيل وتحاليل صهيونية صرف، وراح على اساسها وبوشوشة ما، يتهم الرئيس اميل اده ويهاجم نضاله التاريخي الوطني اللبناني - اللبناني، وقد اصابت سهامه ايضاً، البطريرك الماروني انطوان عريضة، ورئيس اساقفة بيروت المطران اغناطيوس مبارك، والشاعرين شارل قرم وسعيد عقل، ناسياً متناسياً ماهية حواره الإسلامي - المسيحي، معتبراً ان مؤلف لورا ايزنبرغ، هدية سماوية منزلة، علينا تبني كل ما جاء فيها من دون جدل او نقاش. فأخذ يغرف من الفصول والمقاطع ما يناسب تطلعاته وآراء من اوحى وأوصى إليه بذلك، من اصحاب الحقد الوراثي والعقدة العقائدية والوصولية السياسية، وينشر المواقف المشوهة على انها حقائق تاريخية، متجاهلاً من جهة اخرى من اوردته الكاتبة عن كل من الرئيس بشارة الخوري، والرئيس رياض الصلح، والوزير حميد فرنجية، والوزير هنري فرعون، ومؤسسته، والشيخ بيار الجميل وحزبه... وسواهم من القادة اللبنانيين والعرب. وللسيد سعود المولى، ومَنْ وراءه، ممن يتلطى اليوم وراء جلباب رجال الدين، نقول ان ما اورده تزييفاً وتشويهاً من تعاطف ما بين الرئيس اميل اده والبطريرك الماروني ورئيس اساقفة بيروت وشارل قرم وسعيد عقل من جهة، والصهاينة من جهة اخرى، يجعلنا نستخلص من دون مطلق شك ان الكاتب، بتبنيه وتشديده على ما جاء في مؤلف عدو عدوي، ولكون مجمل ما جاء فيه وحدة متكاملة لا تتجزأ في الهدف او التخطيط، عليك اذاً ان تقبله كاملاً او ترفضه كاملاً، يكون قد تبنى حتماً مجمل آراء وتحاليلها وأخبارها لورا ايزنبرغ، والتي نود ألاّ نأخذ بها ونرفضها من جهتنا جملة وتفصيلاً، كونها تحمل في جذورها سموم التفرقة والشقاق، وهي المتعلقة بكل من: 1- الشيخ بشارة الخوري، حيث تورد عنه في الصفحة 256، ما يأتي: "كتب ساسون تقريراً ذكر فيه ان الشائعات التي تحدثت عن خطة بريطانية لضم منطقة جبل عامل اللبنانية الى الوطن القومي اليهودي كانت وراء عرض من الشيعة هناك، لبيع اراضيهم الى الصهيونيين والانتقال الى العراق. وبحسب التقرير، شجع بشارة الخوري ساسون على درس العرض دراسة جدية، مقترحاً ان يعطي الصهيونيون عريضة المال الكافي لشراء المنطقة من الشيعة، من اجل ان يتمكن الموارنة، من اميركا وأماكن اخرى غيرها، من الاستقرار فيها. وقال بشارة الخوري، إنه اذا اصبحت المنطقة الحدودية مأهولة بغالبيتها، بالموارنة، من جهة، واليهود من جهة اخرى، يستطيع الشعبان عندئذ، التعاون من دون تدخل احد، والوقوف في يوم من الأيام، وقفة واحدة، ضد اي تهديد اسلامي/ عربي ساسون، "باديريخ"، ص: 224 - 225. ولكن على المرء ان يتذكر ادعاء يعقوب شاريت بأن الوكالة اليهودية بلغها اقتراح يقضي بشن حملة صهيونية - مارونية مشتركة لشراء املاك شيعية في جنوبلبنان وإبدال السكان الشيعة بمستوطنين موارنة على طول الحدود اللبنانية - الفلسطينية يعقوب شاريت، مقابلة مع المؤلفة، أول نيسان/ ابريل 1987". 2- الرئيس رياض الصلح، حيث تورد عنه في الصفحتين 11 و82 ما يأتي: "وكانت العلاقات الواعدة اكثر من غيرها، هي علاقات الوكالة اليهودية برياض الصلح، اللبناني السني النشيط في دوائر العروبيين، في لبنان وسورية، والمؤلف المشارك بشارة الخوري الماروني، للميثاق الوطني للعام 1943، ورئيس حكومة لبنان في ما بعد 1943 - 1945، 1947 - 1951. ففي العام 1921، شرع الصلح في اجراء محادثات مع وايزمان وغيره من الزعماء الصهيونيين. وكان الصلح في مباحثاته مع البعثات الصهيونية خلال العشرينات وأوائل الثلاثينات، يبدي على الدوام، اهتماماً باتفاقية ل"تبادل الخدمات" عربية - صهيونية يقبل العرب بموجبها، بوطن يهودي في فلسطين، ربما بالاتحاد مع كيان اقليمي عربي اكبر، ويضع الصهيونيون في المقابل، اموالهم ونفوذهم ومهاراتهم في خدمة العرب. وقد رفع صحافي يهودي من المعجبين اشد الإعجاب برياض الصلح تقريراً الى وايزمان، يبلغه فيه عن قناعة الصلح بأن عرب فلسطين اغنياء في املاكهم، التي يمكن ان يهبوا قسماً منها، وأن اليهود اغنياء في ذهبهم - وهذا على الأقل، ما زال يظنه العرب - وينبغي لهذا التوازن السعيد ان يبقى الأساس للتفاهم الطبيعي بين العالمين اليهودي والعربي. وكان الصلح في هذه الفترة المبكرة، يصور نفسه شخصاً يتمتع بنفوذ كبير داخل حركة القوميين العرب. وأوحى بأنه يستطيع ان يأتي ب"وعد بلفور عربي" ويقنع الفلسطينيين العرب بالقبول به، إذا ألقى الصهيونيون بنفوذهم المالي والسياسي، وراء قضية العرب في قيام سورية الكبرى. وقطع هذه الوعود لرأس القيادة الصهيونية، اي لبن غوريون وشرتوك في العام 1943 ولوايزمان في العام 1936. ولكن مع نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات ومع تدهور الوضع في فلسطين، تبنى الصلح علناً، موقفاً مناهضاً للصهيونية، شارحاً في مجالسه الخاصة، أنه يستطيع وفقط بعد مصالحة صهيونية - عربية عامة، ان ينفذ مخططه القاضي بالتنازل عن فلسطين لليهود، وعقد صفقة سياسية معهم...". 3- الوزير حميد فرنجية، حيث تورد عنه في الصفحة 218، ما يأتي: "على رغم ان نشأة ساسون الدمشقية كانت مفيدة له على العموم، داخل العالم العربي، فإنها اعطت عكس النتائج المرجوة عندما ارسل في العام 1949، للقاء المرشح الماروني للرئاسة اللبنانية، حميد فرنجية. فقد تذمر فرنجية لأنه "كان يأمل بالتعاطي مع يهود غربيين" ينعمون بموهبة الرؤيا الواسعة، ولكن ارسلت اسرائيل عوضاً عن ذلك عنصراً شرقياً بشخص ساسون ولم يكن فرنجية بالتالي، راضياً تماماً... بل خاب امله" تقرير الى وزارة الخارجية، 15 كانون الثاني/ يناير 1949 184/7,ISA مقتبس من ساسون. ومن اجل ادلة على احتمال وجود تنافس بين ساسون وابشتاين، انظر الرسالة من ساسون الى برنارد جوزف، 12 كانون الثاني 1940. CZA S25/5568 بالعبرية. 4- الوزير هنري فرعون ومؤسسته، حيث تورد عنه في الصفحة 26 ما يأتي: "ومن الصعب ان نتصور اليوم، السهولة التي اقام بها الصهيونيون صلاتهم في البلدان العربية وحافظوا عليها، قبل العام 1948. فقد كان اليهود الفلسطينيون يسافرون بحرية في انحاء العالم العربي، ويدرسون في البلدان العربية، ويزاولون الأعمال التجارية مع نظرائهم العرب. وكان مراسلو الصحف العبرية ومسؤولو الوكالة اليهودية يجتمعون بصورة روتينية، بزعماء عرب بارزين من المشارب السياسية كافة. وباستثناء مدن المملكة العربية السعودية، كانت المدن الرئيسية في منطقة الهلال الخصيب تستقبل عابري السبيل اليهود. وقد ادى بعض المقاولين اليهود، الذين كانوا يعملون في مشاريع بريطانية خلال الحرب العالمية الثانية دور القنوات الصهيونية الى العالم العربي. وأقام دافيد هاكوهين من شركة سوليل بونيه الشهيرة، روابط وثيقة مع الكثير من اللبنانيين، مستشيراً الوكالة بصورة منتظمة، في شأن تنمية هذه العلاقات. والمعلوم ان شركة سوليل بونيه هي شريكة مؤسسة فرعون وشيحا، في الصيرفة والنشاطات المرفئية والمقاولات والالتزامات وخصوصاً البناء، في فلسطين والعالم العربي، وفق ما جاء في مؤلف سيمون عواد: "هنري فرعون كما روى" في الصفحة 20". 5- الشيخ بيار الجميل وحزب الكتائب، حيث تورد عنه في الصفحتين 103 و104، ما يأتي: "وكان لتمتع يهود لبنان بعلاقة وثيقة مع الموارنة، بمعزل عن روابط الوكالة اليهودية بالطائفة المارونية، اضفاء الصدقية على النظرية القائلة بوجود رابط طبيعي بين اليهود والموارنة. وعلى رغم ان الطائفة اليهودية كانت تحتفظ بعلاقة ودية مع عريضة ومبارك، فإن صلاتها الرئيسية كانت مع بيار الجميل والكتائب اللبنانية. وكان الجميل اسس الكتائب في العام 1936، كحركة شبيبة مسؤولة عن الأمن القومي، مدفوعة بالحس القومي الماروني، ومكرسة نفسها للحفاظ على لبنان مسيحي مستقل. وكانت الفاشية، الإيطالية والألمانية، الملهمة للكتائب في الأصل، ولكن سرعان ما ادركت الاهتمامات الأخرى عنصرها الفاشي بسبب البراغماتية السياسية للجميل. وليس هناك ما يشير الى ان الأصول الفاشية للكتائب، كان لها اي علاقة بمعاداة السامية. ووجد اليهود اقرب الأصدقاء في وسط الكتائب. وعلى رغم ان الطائفة كانت تدفع الأموال للشرطة، لضمان امنها، فإنها لم تكن مستعدة للاعتماد على الحماية الرسمية وحدها، وتوصلت الى اتفاق مالي ايضاً، مع الكتائب لحماية الحي اليهودي، كلما هددت التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، بالتحرك الى اعمال ضد اليهود المحليين. وعندما اقترب الانتداب البريطاني في فلسطين من نهايته، وبدت الحرب وشيكة هناك، اخذت الطائفة على عاتقها اعداد شبيبتها للدفاع عن بيوتهم ومصالحهم التجارية، فالتحق الفتيان اليهود بكشافة حزب الكتائب ونواديه الرياضية، ليجرى تدريبهم على استخدام الأسلحة النارية. وكانت الكتائب تبيع الأسلحة لليهود ايضاً، بغرض الدفاع عن النفس. وخلال حرب العام 1948، وفت الكتائب بوعدها بحماية الحي اليهودي". وتكملة لهذه السلسلة من الالتزامات والاتهامات الواردة في مؤلف "عدو عدوي"، راح السيد سعود المولى وأعوانه، ممن يدعون الوطنية، الى ابعد مما ارادته لورا ايزنبرغ وأمثالها من الصهاينة في التحاليل المشبوهة، بدل التصدي والرفض وإظهار حقائق الأمور ووقائعها. وكنا نود ألاّ نكترث بما جاء في مقاله، لو لم يتبين لنا المقصد والمغزى، وفي هذا الوقت بالذات، من اقحام اسم الرئيس اميل اده والكتلة الوطنية والبطريرك الماروني ورئيس اساقفة بيروت والشاعرين شارل قرم وسعيد عقل، إن في المقال الأول وفي تلميحات الآخر، وعنه نجيب مؤكدين: أولاً - يقول الكاتب نقلاً عن لورا ايزنبرغ اليهودية الصهيونية، ان الرئيس اميل إده وكتلته "من انصار حياد لبنان ومن مطالبي التخلي عن العرب ومن غير المبالين ازاء ثورة فلسطين عام 1936"، لذا نقول باختصار: أ - ان في المقال هذا، الكثير من التناقضات والاختلاقات المخالفة لحقيقة موقف ميشال شيحا في الحياد والعروبة، لا مجال لتعدادها الآن. ب - ان الرئيس اميل اده، وفي مراجعة أو دراسة مواقفه وخطبه وبياناته، كان ورفاقه، ومن بينهم احفاد شهداء الوطن، ومنذ ما قبل العشرينات، مع لبنان - اللبناني ضد كل طامع، ومع العرب ضد كل طامح، ومع العالم الديموقراطي ضد كل توتاليتارية، ومع الأمم الحرة ضد كل نظام عقائدي متطرف. ت - ان الرئيس اميل اده وكتلته، كان مع كل معاهدة تعقد مع دولة كبرى او مجموعة دول او هيئة دولية، تضمن الوجود والكيان والحدود اللبنانية، لما كان يعرف عن مخططات تطيح الحدود والمياه ، وانطلاقاً منهما، الكيان والوجود. ث - ان الرئيس اميل اده وحزبه، كان من المطالبين بإعلان لبنان من اقصاه الى اقصاه، منطقة تجارية حرة. وهو، وبعد تقسيم فلسطين، ألغى المبدأ هذا من المناهج الحزبية. مع العلم ان بين الحياد والمناطق التجارية الحرة، فرقاً شاسعاً. ومن المعلوم ايضاً ان حزب الكتلة الوطنية صرف من صفوفه، احد الأعضاء البارزين، ووجه اللوم الى آخرين، لتبنيهم فكرة الحياد اللبناني، وكان ذلك في بداية الثمانينات. ج - ان الحكم اللبناني في عهد الرئيس اميل اده، سهل عام 1936، لجوء الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين الى لبنان، وأمن له ولرفاقه الإقامة والحراسة، ما اثار غضب الهيئات الصهيونية، على حد قول لورا ايزنبرغ. ولم نر من جهة اخرى، مدى مساعدة ميشال شيحا والشيخ بشارة الخوري ورفاقه، للثورة الفلسطينية، سوى الخطب والتصاريح، وعلى غرار ما يجرى اليوم. ثانياً: يقول الكاتب متهماً، نقلاً عن لورا ايزنبرغ، ومع تعليقات له موجهة، ان الرئيس اميل اده اجتمع في 22 حزيران يونيو 1937، برئيس الوكالة الصهيونية، حاييم وايزمان، وأنه اعلن تأييده مشروع تقسيم فلسطين، وترحيبه وسروره لوجود دولة يهودية على حدود لبنان، مقترحاً قيام معاهدة حسن جوار. للسيد سعود المولى ومَنْ وراءه نقول، ان الرئيس اميل اده اجتمع حقاً برئيس الوكالة اليهودية، حاييم وايزمان، بناء لطلب هذا الأخير، وفي مناسبتين. أ - المناسبة الأولى، وكان ذلك في اواخر شهر شباط فبراير 1919، وبحضور اعضاء الوفد اللبناني الأول الى مؤتمر الصلح في فرساي، حيث كان الصدام حاداً بين الرجلين على ترسيم حدود لبنانالجنوبية، على حد ما ورد في المستندات والتقارير الدولية ويوميات من حضر هذا اللقاء، وحيث كانت للصهاينة مطالب تصل حتى مشارف شرق صيدا، عند تخوم الأولي صعوداً حتى جزين ووادي التيم وجبل الشيخ شرقاً. وحيث كان للوفد اللبناني والرئيس اميل اده بنوع خاص، مطلب اعادة تكوين لبنان التاريخي، وفق الخريطة المرسومة لدى الفرقة الشرقية الفرنسية، عام 1860، والتي تحد لبنان في جنوبه من رأس الناقورة غرباً الى بحيرة طبريا شرقاً. وكانت لموقف الرئيس اميل اده هذا، عواقب عدة على مسار نضاله السياسي، وقد ابعد هو ونجلاه وحزبه منذ عام 1925، عن تسلم الحكم في لبنان، على حد دراسات مؤرخين منزهين. ب - المناسبة الثانية، وكان ذلك في 22 حزيران 1937، يوم زار الرئيس اميل اده باريس، بناء لدعوة الدولة الفرنسية لحضور افتتاح معرضها الدولي. وقد استغلها مناسبة للعمل على تسريع المصادقة على معاهدة الاستقلال، التي عقدها في بيروت والدولة المنتدبة، وأبرمها المجلس النيابي بالإجماع، والتي كان يعارضها في فرنسا كل من اليمين المتمثل بالقيادات العسكرية، واليسار الخاضع للنفوذ الصهيوني. وحيث ان الحكومة الفرنسية المتمثلة برئيسها ليون بلوم، ألحّت عليه استقبال رئيس الوكالة الصهيونية تسهيلاً لإبرام المعاهدة في مجلس الأمة الفرنسي. على اثر ذلك، استقبل الرئيس اميل اده، وايزمان، في الفندق الباريسي "لاتيسيا"، المخصص لرؤساء الدول. ونترك هنا للقارئ ان يحلل بنفسه امر ملخص الاجتماع هذا، كما وضعه في تقريره مرافق وايزمان، إلياهو ايلاث، اليهودي الصهيوني، والوارد في كتابه، "الصراع من اجل الدولة"، في الصفحتين 23 و24، حيث كتب يقول: "ان وايزمان توقف في لحظة من لحظات المناقشة الودية التي كانت كثيرة الاستطراد، فأخرج ساعة جيبه، وأعلن أن تقرير بيل الذي يوصي بالتقسيم وبإنشاء دولة يهودية، سيوقّع بعد نصف ساعة. والغريب في الأمر ان اده بدا وكأنه تجاهل قول وايزمان، واستمر يتجاذب وإياه اطراف الحديث، الى ان توقف فجأة، وتطلع الى ساعته، ثم وقف ليعلن أن توصية بيل باتت رسمية ويقدم التهاني الى وايزمان. ولاحظ ايلاث أن الرجلين كانا باديي التأثر بحركاتهما الدرامية الصغيرة. ولم يلتق الرجلان بعدها قط". فهل اسلوب التعاطي هذا في اللقاء، وقول إلياهو ايلاث، لم يلتق الرجلان بعدها قط، دلالة لما يؤكده كاتب المقال، السيد سعود المولى ومَنْ وراءه، عن تأييد الرئيس اميل اده وسروره وترحيبه بدولة عبرية على حدود لبنان...!!؟؟ ثالثاً: يقول كاتب المقال، وقد اوحي إليه بالقول والتعليق هذا، ان الرئيس اميل اده قَبِل بمشاركة لبنان في معرض فلسطين عام 1936، وأن الشيخ بشارة الخوري وميشال شيحا عارضا المشاركة بشدة. وعليه نرد موجزين. أ - ان حاكم فلسطين، المفوض السامي البريطاني، كان صاحب الدعوة لحضور المعرض هذا. ب - ان دولاً، ومنها الدول العربية آنذاك، شاركت مشاركة فاعلة فيه. ت - ان الحكومة اللبنانية قررت المشاركة هذه، لما يمكن الوطن اللبناني ان ينال من مكاسب تجارية واقتصادية ومالية. ومن المعلوم انه كان من بين اعضائها مقربون من الشيخ بشارة الخوري، ولم يحصل اي اعتراض على ذلك من هؤلاء. ث - ان المجلس النيابي لم يعترض بدوره على هذه المشاركة، وكان من بين ابرز اعضائه الشيخ بشارة الخوري ورفاقه، ولم يتقدم اي منهم بسؤال او استجواب، وفق الأصول الدستورية - ووفق محاضر مجلس النواب الرسمية -. ج - من مراجعتنا صحف ذلك التاريخ، لم نتمكن من الحصول على بيان الشيخ بشارة الخوري المذكور، ولم نحصل سوى على مقال خجول لميشال شيحا، كمعارض ومعارض فقط للرئيس اميل اده. ح - ان البيان الذي يتحدث عنه كاتب المقال والموضوع من جانب الشيخ بشارة الخوري وميشال شيحا لم نجد له مطلق أثر، إلا في مؤلف لورا ايزنبرغ. رابعاً: يدعي السيد سعود المولى، ان الرئيس اميل اده اقترح على الصهاينة معاهدة حسن جوار. ورداً على ادعاءات الكاتب، ومَنْ وراءه من اصحاب الخبرة بازدواجية العمل السياسي ومداهنته، نورد وعن ملهمتهم اليهودية الصهيونية بالذات، حقيقة ما جاء في كتابها "عدو عدوي". وبعد مقارنة الأحداث الواردة ومصادرها الأساسية في المستندات الرسمية، نؤكد قائلين: ان حاييم وايزمان، وبصفته رئيس المنظمة الصهيونية وقبل اجتماعات لجنة بيل البريطانية، المولجة درس انشاء دولة يهودية في فلسطين، وبغية اثبات قبول العرب بالكيان اليهودي هذا، عمل على شن حملة ضغط على قادة ورؤساء ومسؤولين في العالم العربي، وسعى معتمداً على رأسمالي فرنسي من الطائفة اليهودية، يدعى كدمي، إلى حمل الدولة اللبنانية وبتمويه ما، على عقد اتفاق تجاري - مالي منفصل، مع المنظمة الصهيونية. فانتحل كدمي صفة رجل الأعمال الفرنسي هذا، وقابل على اساس ذلك المسؤولين اللبنانيين ورجال الانتداب، عارضاً مساهمة مؤسساته الخاصة في مشاريع انشائية، كان الحكم الوطني اللبناني يطمح الى تحقيقها، من سدود وطرقات وكهرباء وري وإعمار وسواها. وهي، كانت همّ الرئيس اميل اده الأوحد، بعدما حقق مبتغاه الوطني التاريخي في عقد معاهدة الاستقلال مع الدولة المنتدبة، وعلى غرار المعاهدات التي كانت ابرمتها من قبل، كل من سورية والعراق ومصر، نصاً وروحاً. وأثناء دراسة المشاريع هذه ومناقشتها، تقدم كدمي من الدولة اللبنانية بمسودة عرض مشروع اتفاق تمويلي لهذه المشاريع، بين لبنان والمنظمة الصهيونية، ما اثار الرئيس اميل اده وحمله على احالة صاحب العلاقة هذا وبصفته حامل الجنسية الفرنسية، مرفقاً بملاحظاته بالرفض، الى المفوض السامي دو مارتيل، الذي وبخ المفاوض المذكور لمحاولته لعب لعبة مزدوجة بانتحاله صفة مستثمر يهتم بمشاريع انشائية في كل من لبنان وسورية. هذه حقيقة الأمر، فكفى تزويراً للوقائع وتحطيماً للقيادات...!!! ممارسات كهذه، توصل الصهاينة الى ما يريدون ويبغون...!!! لذا لن نشارك في رد الكيل كيلين، وإظهار حقائق ووقائع تاريخية ومستندات وطنية رسمية. كم من الوجوه ستسود لها حينه...!!! وفي الختام، لن نلقن اصحاب العلاقة هؤلاء دروساً في التاريخ، سنترك الحقد والتشنج يأكلان عقولهم. ونتوجه الى الشعب اللبناني الطيب، لنعلن له بعضاً من الحقائق الوطنية اللبنانية التاريخية، التي ارادوا طوال سنوات ان يطمروها ويكتموها ويحجبوها عنه، عن سابق تصور وتصميم، قائلين: اولاً: ان الرئيس اميل اده لم يكن يوماً على تقاطع والبريطانيين، فقد ناصبوه العداء ومنذ ما قبل العشرينات، يوم راح يناضل من اجل لبنان - اللبناني، في بيروت ومصر وباريس، وبعدما حكم عليه من المجلس العرفي في عاليه، مطالباً بلبنان التاريخي، لبنان الإمارة، لبنان الخريطة المرسومة من الفرقة الشرقية الفرنسية عام 1860، وأخذ يكتب ويحرر في الصحف والمجلات هنا وفي المهجر، مدافعاً عن الحدود والكيان والوجود، حيث كان منها ما يقارب العشرين مقالاً في مجلة "الحرية" وحدها،لسعيد عقل وميشال زكور، ويفاوض من خلال الوفود الثلاثة رجالات الحكم في فرنسا وقادة الدول في فرساي، محرراً مجمل المذكرات والبيانات وفق ما هو ثابت في يوميات المطران عبدالله الخوري ومحفوظات الدولة الفرنسية والبطركية المارونية وآل اده، ما اثار البريطانيين الواعدين فيصل بابتلاع لبنان من جهة، والصهاينة بالاستيلاء على الجنوباللبناني ومياهه من جهة اخرى. وبريطانيا، على حد ما جاء في مقال الكاتب، ونحن نؤيد قوله هذا، هي الحاضنة حقاً للصهيونية. فالكل يعلم مدى تصلبها في رفضها ترسيم حدود لبنانالجنوبي، مطالبة بضم نهر الليطاني وجبل الشيخ الى فلسطين، ذلك بعدما منحت وعد بلفور، ومن ثم مدى الدور الذي قام به لورانس العرب وعلاقاته بالصهيونية العالمية وصداقته وتشرشل احد كبار مناصري انشاء الدولة العبرية، ورفيقه الجنرال سبيرز، ممثل الدولة البريطانية في الشرق ومنفذ مخططاتها لإنشاء الدولة الصهيونية ومداخلاته في انتخابات لبنان النيابية والرئاسية عام 1943، ساعياً لإنشاء الوحدة بين سورية ولبنان والمملكة الهاشمية، والاتحاد الفيديرالي بين هذه المجموعة وكل من العراق ومصر، بالتوافق والاتفاق مع نور السعيد والنحاس باشا وجميل مردم وزيد الرفاعي وبعض من اللبنانيين، على حد ما جاء في مذكرات سامي الصلح ويوسف سالم، وكتاب أو دراسة اندره غيوم، والمحفوظات التاريخية في باريس ولندن. ثانياً: ان الرئيس اميل اده لم يكن يوماً رجل فرنسا، ولم يحظ يوماً بمطلق تعيين بإرادة محض فرنسية. لقد كان حقاً صديقاً لفرنسا، الدولة التي عملت وتعمل على الدفاع عن الوجود والكيان والحدود اللبنانية، كما انه كان الخصم الأول لكل حاكم فرنسي مستبد متسلط على لبنان. فاصطدم مع مجملهم مراراً وتكراراً على التنظيمات الإدارية التي وضعت في الأساس والمداخلات والتصرفات والأعمال المخالفة لصك الانتداب، وأبعد من جراء ذلك عن الحكم عام 1925، وعن الرئاسة عام 1926، وعن الحكومة عام 1927، وعن الرئاسة ثانية عام 1932. وأن الظروف الوطنية الاقتصادية الصعبة المستعصية دون سواها، وما تلاها من ازمات سياسية ومالية وتربوية واجتماعية وإدارية، هي وحدها التي اتت به رئيساً للحكومة عام 1929، على حد ما جاء في كتاب ادمون رباط الذي صور مجيئه منقذاً للوضع الوطني المتردي. كما ان الظروف الفرنسية الداخلية في معركة اليسار واليمين، وغياب مرجعية القرار عند دولة الانتداب، هي التي سمحت له بالوصول الى رئاسة الجمهورية اللبنانية عام 1936. ثالثاً - ان الرئيس اميل اده وكتلته الوطنية ورفاقه في النضال، من احفاد من استشهد من ابناء الأمة من آل الخازن وعقل وحايك ومكرزل وهاني وشبلي...، وسواهم من العائلات اللبنانية - اللبنانية المناضلة، لهم في ذاكرة كل فرد منا، اعظم البطولات في المواقف الرجولية، دفاعاً عن الوجود والكيان والحدود، والسيادة والحرية والاستقلال، والديموقراطية والعدالة والتربية، والازدهار والرقي والإنماء، اضافة الى اضخم الموسوعات من القوانين والمراسيم والاقتراحات والدراسات والمداخلات الوزارية والنيابية، على حد ما هو واضح وظاهر من مجموعات "الجريدة الرسمية" ومحاضر مجلس النواب ومجلس الوزراء، وهي تبلغ اكثر من نصف ما هو صادر من مجمل القوانين والمراسيم والمداخلات للحكومات والوزراء والنواب والقادة كافة، منذ عام 1923وحتى تاريخه، والتي لا يزال يُعمل بموجبها حتى الآن. وهي التي كانت اسس تنظيم مؤسسات الدولة الوطنية على كل الصعد، وأسس ازدهار هذه الأمة، المالي والاقتصادي والتجاري والصناعي. وقبل ان نختتم حديثنا هذا نذكِّر بأن الرئيس اميل اده هو اول من وضع عن حق وعدالة، الحجر المدماك في إرساء الوحدة الوطنية والعيش المشترك، يوم قسم لبنان الى محافظات خمس تجمع كل منها مجمل العائلات الطائفية اللبنانية، ويوم وضع اسس دولة المؤسسات الإدارية والقانونية والتربوية والإنمائية، ويوم رشح الشيخ محمد الجسر رئيساً للجمهورية، ويوم عيّن مسلماً سنياً رئيساً لمجلس الوزراء... وحيث كان، ممن ادعوا ويدعون البطولات هذه، اشد المعارضين الرافضين الداعين الى ثورات طائفية. لن نسترسل في المجالات هذه، من اعمال ومواقف محض لبنانية - لبنانية. نترك الشأن هذا الى دراسات ومؤلفات ستنشر لاحقاً عن كل من الرئيس اميل اده، والعميد ريمون اده، والوزير بيار اده، وكبار قادة الكتلة الوطنية عبر تاريخها، من نواب ووزراء وأدباء ومفكرين ورجال اعمال. عميد حزب "الكتلة الوطنية" في لبنان وعضو اللجنة التنفيذية للحزب. وهما كتبا الرد باسم "مؤسسة الرئيس اميل إده وآل إده الاجتماعية الثقافية التربوية الإنمائية - بيروت".