لم اعرف وأتعارف مع فكر ميشال شيحا الا منذ بضع سنوات حين اعدت أنا وغيري اكتشافه واكتشاف راهنيته في سياق المراجعات النقدية التي كنا اجريناها في "المؤتمر الدائم للحوار اللبناني" خلال الاعوام 1993-1996، وهي الفترة التي شهدت قيام مؤسسة ميشال شيحا بإعادة نشر مؤلفاته ومنها كتاب "فلسطين" الذي ترجمه انطوان غطاس كرم ونشر للمرة الاولى في عام 1960. ولا بد هنا من الاعتراف بأن الايديولوجيا بما هي لا علم، وبما هي معرفة ناقصة ومنتفخة في آن معاً، اعمتنا لفترة طويلة عن رؤية الآخر وعن معرفته حق المعرفة، اي كما هو لا كما نريده نحن او كما نتخيله او نتصور حقيقته... ولم ينج ميشال شيحا من لعنة الايديولوجيا هذه والمستمرة حتى اليوم على رغم انهيار اطارها السلطوي المتمثل بالنص الماركسي العربي، واللبناني منه في شكل خاص، كما يعبر عنه أخيراً كتاب فواز طرابلسي: صلات بلا وصل - ميشال شيحا والايديولوجيا اللبنانية - شركة رياض الريس - بيروت 1999. ويحضرني في هذا المجال مثال تاريخي عن سطوة النص الايديولوجي الماركسي التدميرية يتعلق بكتاب كارل ماركس الشهير "بؤس الفلسفة" الذي اكتشفنا متأخرين انه عبارة عن اسقاطات وابتسارات وتأويلات خاطئة لا بل كذب تناول فيه ماركس كتاب جوزيف برودون "فلسفة البؤس" مشوّهاً الكاتب والكتاب... وفي حين ان ثورة الطلاب ربيع 1968، وما تلاها من ولادة للتيار النقدي في الجامعات والمعاهد الغربية ومن انهيار لسلطة النص الماركسي الرسمي، اعادت الاعتبار الى جوزيف برودون وكتابه، فإن الحاجة ماسة الى اعادة الاعتبار للكثيرين غيره مثل دوهرينغ وفيورباخ وكاوتسكي من الذين حطمهم النص الماركسي اللينيني الستاليني. اما في عالمنا العربي فإن القراءة النقدية المتأنية اصبحت اكثر من حاجة وضرورة على وقع الانهيارات الكبرى في أبنيتنا الفكرية، والعقدية، قبل 11 ايلول سبتمبر، فما بالك بما بعده وبعد الحرب المقبلة على العراق؟ وكنا في لبنان بدأنا بإعادة النظر في الكثير من المسلَّمات و"الحتميات التاريخية" الايديولوجية التي شكلت "نظارات سوداء" حجبت شيئاً من الواقع ومن الحقيقة. ومن هذه الاشياء التي اعدنا قراءتها ورؤيتها: نظرة واقعية الى لبنان والى العروبة والى اليمين واليسار والى الدور السوفياتي والى قضية فلسطين، فأعدنا معها اكتشاف ميشال شيحا وفكرته اللبنانية. نعم، ميشال شيحا بورجوازي بامتياز، غربي الثقافة والهوى، ليبرالي التفكير، مسيحي الجذور، لبناني الهم والاهتمام... لبنانه كيان فريد متميز بصيغة فريدة لا مثيل لها وينبغي المحافظة عليها. وخصوصية لبنان وفرادته تنبعان من العيش المشترك او الواحد الذي يجمع طوائفه وأقلياته في توازن وتشارك هما اساس الكيان ومعنى لبنان. وصون هذه الخصوصية هو مدخل ميشال شيحا الى المعروفة والى فلسطين. ذلك ان لبنان هو صلة وصل مزدوجة: بين العرب انفسهم اولاً، وبينهم وبين اوروبا المتوسطية ثانياً. وفي هذا الكلام الدقيق والخطير تأسيس مبكر للبنانية متصالحة مع عروبة ثقافية حضارية ومع انفتاح واقعي على الغرب الشريك في المجال المتوسطي. وهنا يرى ميشال شيحا دور لبنان المتعدد الاوجه والمفيد له وللعرب معاً وهو دور التوسط او الوساطة بين العرب انفسهم وبينهم وبين العالم. وهذا ما يسميه ميشال شيحا رسالة لبنان الخالدة وما عبّر عنه الارشاد الرسولي والبابا يوحنا بولس الثاني بالقول: "ان لبنان اكثر من مجرد وطن. انه رسالة". وردت العبارات نفسها في تصريحات ومواقف للإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين. وقد يجادل البعض بأن هذه الوساطة او هذا الدور الوسيط هو دور الكومبرادور التجاري في عالم ليبرالي، وهو يعني موقعاً طبقياً وموقفاً طبقياً تجاه العروبة الجماهيرية والسياسية، وهذا صحيح، اذ ان ميشال شيحا يبني فهمه للتوسط على دور الوساطة الاقتصادية بين العرب والعالم، بين الشرق والغرب، وذلك نابع من كون لبنان منطقة تبادل تجاري وسوق حرة، ويؤسس على ذلك وساطة ثقافية منطقة حرة فكرية ايضاً. لكن ذلك بالضبط هو ما شكل فعلياً وواقعياً خصوصية لبنان وما عاد الجميع الى تكرار الحديث عنه بعد عشرين سنة من محاولات "جمهرة لبنان" و"عربنته الثورية"، فإذا باللبننة تصبح اليوم مع العولمة شعار العرب اجمعين. بل ان ميشال شيحا اراد للبنان دور الوساطة السياسية ايضاً "اذ يسهم من خلالها في تحقيق التوازن بين الاجزاء المتباينة جغرافياً من العالم العربي"، كما تعيد الوساطة موضعة العرب في "الاطار المتوسطي الحضاري الذي به يتشاركون مع الغرب الاوروبي". ولا يمكن فهم موقف ميشال شيحا الا بإعادته الى فكرة أرنولد توينبي حول الجغرافيا والحضارات، الا ان تميز ميشال شيحا يكمن في ان هذا الموقف لم يأخذ به الى مطلب الحياد والتخلي عن العرب كما ذهب اميل اده والكتلة الوطنية وإنما قاده بالعكس الى تحديد لمعنى العلاقات "العربية - العربية المتوازنة"، والعلاقات العربية - الغربية "القائمة على اطار جغرافي حضاري يتشارك فيه الطرفان"، اوصله بالتالي الى موقف تاريخي وفريد وخطير من فلسطين. في ايار مايو 1936 اصدر بشارة الخوري رئيس الكتلة الدستورية وصهر ميشال شيحا بياناً عنيفاً شجب فيه مشاركة لبنان الرسمية في معرض الشرق في تل ابيب، وهي مشاركة كان قررها اميل اده رئىس الجمهورية آنذاك وعميد الكتلة الوطنية. ولم يقتصر موقف بشارة الخوري وكتلته الدستورية ومنظّرها ومفكّرها الاول هو ميشال شيحا على معارضة تلك المشاركة اللبنانية الرسمية، بل انه حمل حملة قاسية على الحكومة اللبنانية التي وقفت موقف اللامبالاة ازاء ثورة 1936 في فلسطين. ودعت الكتلة الدستورية الى دعم الثورة وحمايتها، مركزة على الخطر الصهيوني الزاحف لابتلاع فلسطين ومن بعدها السيطرة على العالم العربي. وفي 22 حزيران يونيو 1937 التقى رئيس الجمهورية اميل اده رئىس الوكالة اليهودية حاييم وايزمان الرئىس المقبل لدولة اسرائىل 1949-1952. ولم يكن اللقاء سرياً او منبوذاً بل اندرج ضمن سلسلة لقاءات اجراها وايزمان مع قادة ومسؤولين وسياسيين عرب بغية جس النبض حيال مشروع مقترح لتقسيم فلسطين الى دولتين يهودية وعربية وهو المشروع الذي اوصى به تقرير لجنة بيل لاحقاً. وأعلن اميل اده تأييده المشروع وترحيبه وسروره لوجود دولة يهودية على حدود لبنان، بل انه اقترح ووعد بإقامة معاهدة حسن جوار معها. شكل هذا الموقف وغيره من الاتصالات السرية الصهيونية - المارونية التي كشف النقاب عنها في كتاب زيتراين آيزنبرغ "عدو عدوي" - نشرت ترجمته دار رياض الريس 1997 عامل انقسام حاد في الوسط الماروني - المسيحي اللبناني، كان طرفه الابرز والأعنف ميشال شيحا الذي قطع بحسم مع رفاقه وزملائه في جمعية الفينيقيين الجدد، والمجلة الفينيقية رئىس تحريرها شارل قرم ومع البطريرك الماروني انطوان عريضة مستشاره ألبير نقاش كان في اساس اللقاءات مع الصهاينة ومطران بيروت الماروني اغناطيوس مبارك وسعيد عقل، وغيرهم. ويجادل البعض هنا بالقول ان ميشال شيحا البورجوازي الليبرالي اليميني كان يدافع بموقفه هذا عن مصالح البورجوازية التجارية المالية اللبنانية في وجه التحدي الصهيوني الذي اعتبره شيحا خطراً يتهدد دور لبنان الاقتصادي في المنطقة، بل يتهدد وجوده ذاته، وهذا صحيح من دون ادنى شك، لكنه لا يفسر لنا لماذا وقف غيره من ممثلي البورجوازية التجارية المالية الى جانب اميل اده يومذاك، ولماذا ذهب ميشال شيحا بعيداً في موقفه "الفلسطيني" وصاغ له الاسس العقدية والفكرية المتماسكة؟ لقد تميز ميشال شيحا أيضاً ومنذ العام 1937 من دحض الادعاءات الصهيونية والتبريرات الغربية التي اعطيت لشرعنة وجود دولة يهودية في فلسطين، وتميز في كونه اول من خاطب العقل الغربي في هذا الصدد. لم يرتعب ميشال شيحا كغيره من المثقفين وخصوصاً اليسار السوفياتي يومذاك أمام حجة الهولوكوست وعقدة اضطهاد اليهود في الغرب أو أمام ما سمي بالمسألة اليهودية، بل هو واجه القضية وسأل الغرب بوضوح إن كان يعتقد ان "اقامة دولة يهودية في فلسطين ستشكل حلاً للمسألة اليهودية"، مجيباً بالنفي "طالما ان مساحة فلسطين لن تسمح بإيواء يهود العالم البالغ عددهم 16 مليوناً يومذاك" جريدة "لوجور" 19/4/1945، وهو تحدث عن اضطهاد اليهود في أوروبا، رافضاً "اعتبار ذلك مبرراً لانشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، بل حجة قانونية لمحاكمة المسؤولين ومعاقبتهم ذلك الاضطهاد خلال الحرب العالمية الثانية، وليس لارتكاب ظلم آخر أبشع وأعنف بحق شعب آخر وعلى حسابه" "لوجور" 27/11/1945، وهنا يبدو بوضوح خطل اتهام ميشال شيحا بأنه كان مؤيداً للفكر النازي او من دعاة اللاسامية ومتأثراً بالتيار الفرنسي الملتف حول الماريشال بيتان. كما رد شيحا على دعوى الحقوق التاريخية لليهود في فلسطين قائلاً إنه "وفق المنطق نفسه تنبغي إعادة أميركا الى الهنود الحمر". "لوجور" 26/9/45. والنقطة الأبرز في تميز ميشال شيحا وامتيازه عن أقرانه وزمانه تتمثل في تحديده المبكر للصهيونية بأنها "قوة عالمية ومشروع استعمار وطغيان اقتصادي وتجاري ومالي وصناعي يحتشد له يهود العالم كافة". "لوجور" 5 و8/7/1948، في وقت كان الماركسيون في اسرائيل قاعدة اشتراكية متقدمة!! ورأى شيحا مبكراً تلك الصلة العضوية بين اسرائيل ويهود العالم وبينهم وبين مراكز القرار في الغرب، التي تجعل من الصهيونية ظاهرة فريدة مختلفة عن الاستعمار التقليدي او عن الدول التابعة التقليدية، فقال ان "اسرائيل هي عاصمة اليهودية العالمية التي يدافع عنها جيش من اليهود الاجانب، وهي الى ذلك تتمتع بنفوذ واسع في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وتمتلك فوق ذلك موارد ضخمة على امتداد كوكبنا الأرضي، أضف الى ذلك انها دولة تجعل من الهجرة المنظمة ومن الاستيطان المتسارع مرتكزين أساسيين لسياستها التوسعية" كتابه "لبنان في شخصيته وحضوره" ترجمة فؤاد كنعان 1962- ص127-128. وبكّر شيحا أيضاً في التحذير من خطر "المشروع الصهيوني" "الذي لا يقتصر على بناء وطن قومي لليهود في فلسطين انما هو يروم بناء امبراطورية كونية. ذلك ان اليهود لن يرتضوا أقل من كوكبنا الأرضي وطناً قومياً لهم" كتابه "فلسطين" - ص209 ومقالته في "لوجور" 30/5/1953. وهو يوجه نداءه الى الغرب والى العرب للتحالف من اجل التصدي للخطر المشترك الذي يتهددهما معاً من المشروع الصهيوني العالمي. ويجادل هنا أيضاً بأن موقف شيحا العنيف في عدائه للصهيونية وتحذيره من خطرها عربياً وعالمياً هو موقف بورجوازي نابع من الخوف من خطر الصهيونية الاقتصادي. وهذا صحيح الى حد ما. وهو ليس عيباً. فطالما ان البورجوازية كانت قوة ثورية في أوروبا، وقوة وطنية في عملية الاستقلال في العالم الثالث، فلماذا ينبغي ان تكون رجعية ومتخلفة في لبنان؟ لم يخف شيحا موقفه البورجوازي حيث عبّر عن خوفه من تمكن الاقلية اليهودية ذات الأصول الأوروبية والصلات بالعالم الغربي وذات التعليم والتقنية والمال من ان تنافس أو تضرب الاقتصاد اللبناني والعربي والمتوسطي ومن ان تحل محل لبنان كوسيط مميز بين العرب والغرب كتابه "لبنان..." ص139-140. وكان هذا الموقف "الاقتصادي البورجوازي" في أساس المواقف الوطنية المقاطعة لاسرائيل في لبنان والعالم العربي والتي وقفت على رأسها غرف التجارة والصناعة ورجال الأعمال. الا ان ميشال شيحا لم يكتف بالتحذير من الخطر الاقتصادي الحقيقي والمتجدد بل تناول بعمق فكرة كون النظام السياسي الصهيوني هو النقيض الحضاري والانساني للنظام السياسي اللبناني الذي يصلح بحسب شيحا ليكون حلاً للقضية الفلسطينية. فلقد دعا شيحا الى استلهام النموذج اللبناني القائم على تعايش الطوائف وتوازنها وتشاركها كحل للنزاع في فلسطين، مستبقاً في ذلك وبحوالى نصف قرن الدعوات الراهنة في فلسطين والغرب، ودعوة حركة "فتح" التي أطلقتها عام 1969 ثم تخلت عنها عام 1972 لمصلحة شعار الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع. راجع مقالات شيحا في "لوجور" عام 4619 - وكتابه "لبنان" ص127-130. ولم يكتف ميشال شيحا بالمواقف الفكرية النظرية، بل هو حمل لواء المعارضة الصلبة لمشروع قرار تقسيم فلسطين، إذ رأى فيه شرارة حرب مقبلة مدمرة "لوجور" 5/9/1947. وحمل لواء الدعوة الى مشاركة لبنان في الحرب العربية على أرض فلسطين، ودعا الى مواصلة القتال ورفض الهدنة الموقتة التي رأى فيها فخاً ومؤامرة وهدنة دائمة، معتبراً ان المقاومة العربية في فلسطين قضية حياة أو موت وان الصمود العربي هو الموقف الصحيح، انتظاراً لوضع يصبح فيه الهجوم ممكناً. كما أيّد فكرة تشكيل حكومة فلسطينية مستقلة وعارض في الآن نفسه ضم مملكة شرقي الأردنالضفة الغربية وضم مصر قطاع غزة "فلسطين": ص119، و"لوجور" في شهري تشرين الأول/ اكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 1948. كما ان شيحا الداعي هو وشارل مالك الى التحالف مع المعسكر الغربي في وجه المعسكر الشرقي الشيوعي والذي كان أول من وصف الاتحاد السوفياتي بالامبريالية الجديدة، شيحا الذي اعتبر اميركا وفرنسا وبريطانيا حلفاء طبيعيين للعرب، هذا "الغربي حتى النخاع" لم يتوان عن تحميل الغرب مسؤولية قيام دولة اسرائيل، مهاجماً السياسة البريطانية التي تخلت عن العرب ومديناً التواطؤ الأميركي السوفياتي على الاعتراف باسرائيل وعلى دعمها المادي والمعنوي. وهو جمع في ادانته الغرب بين "مسؤولية انكلترا السابقة ومسؤولية الولاياتالمتحدة الحالية"، حيث ان "ولادة دولة اسرائيل دُبرت حقاً بفرمان أميركي"، وحيث ان اميركا هي التي "حملت ذلك المسخ السياسي في دفء احشائها" أي اسرائيل، "فلسطين" ص102-103 وص147-148. ليس من شك في ان عداء شيحا للاتحاد السوفياتي وللشيوعية والصهيونية في آن معاً، وخوفه من خطرهما المباشر إزاء ضعف العالم العربي خصوصاً بعد قيام الانقلابات العسكرية في سورية والعراق ومصر، اضافة الى حساسيته الفكرية البورجوازية اليمينية من جهة، والمتوسطية التوينبية من جهة ثانية، كل ذلك جعله يرى في التحالف مع الغرب خير ضمانة لمواجهة اسرائيل والصهيونية العالمية. فمنذ سقوط فلسطين، وقيام الاضطرابات والانقلابات في العالم العربي، وتوقيع اتفاقات الهدنة، اصبح ميشال شيحا يرى الغرب "سجين اسرائيل" آخر مقال له قبل وفاته "لوجور" 6/11/1954. ويرى الاتحاد السوفياتي مبادراً الى الهجوم في العالم العربي، فيدعو الى عدم حياد العرب والى المبادرة للدخول في فلك الغرب وأحلافه في المنطقة انطلاقاً من ثلاثة عوامل تقديرات: 1 وجهة النظر الجغراسياسية أولاً وهي عزيزة على قلب شيحا ولها مكانة أساسية في منظوره الفكري كله "لوجور" في 2 و15 شباط/ فبراير و5 نيسان/ ابريل و12 أيار/ مايو 1951. 2 دفاعه عن الشخصية المتوسطية للدول الرئيسة في الجامعة العربية وهي مصر وسورية ولبنان كتاب: "لبنان" - ص136. 3 التقدير السياسي بأن طلب العرب "الحماية الغربية" هو الأفضل لمواجهة اسرائيل والصهيونية مقالاته في "لوجور" خلال عامي 1951-1952 وحتى وفاته تعكس هذا الهمّ. ولئن كان شيحا توينبياً في رؤيته او وجهة نظره الجغراسياسية والحضارية، وملتقياً مع طه حسين في فهمه الخصوصية المتوسطية، فإن تقديره السياسي اليميني في ضرورة التحالف مع الغرب ضد اسرائيل هو الذي بقي واستمر في منظومته الثلاثية تلك. ولعل شارل مالك وكميل شمعون هما المعبّران الأبرزان عن هذا الموقف بعد وفاة شيحا، الا انه ينبغي ألاّ نتجاهل حقيقة انتماء تيارات عربية خارج الدول التي يحكمها عسكريون الى هذا الموقف الذي وجد في أنور السادات ثم في ياسر عرفات خير من جدّده في حقبات لاحقة. كل ذلك لنقول إن موقف شيحا الغربي لم يكن مسيحياً لبنانياً بقدر ما كان ايديولوجياً يمينياً في مواجهة الموقف الايديولوجي اليساري الناصري والبعثي والشيوعي الذي ربط هو الآخر العالم العربي بعجلة الحلف مع المنظومة الشيوعية. دعا ميشال شيحا الى "تعاقد دائم" يُلزم الغرب ضمانات ضد التوسعية الاسرائيلية في مقابل موافقة العرب على معاهدة سلام مع اسرائيل "لوجور" 11 و12 و14 أيار 1951 "فلسطين" ص259-260. لم يعد ما يخيف شيحا هو وجود دولة اسرائيل. فهذا البورجوازي الغربي عرف بعلمه وثقافته وحدسه ان اسرائيل أصبحت امراً واقعاً، فنقل همه واهتمامه الى تطويق هذا الوجود ومنع توسعه عربياً وجبه تأثيره وخطره على الصيغة اللبنانية. وأصبح هاجس شيحا في الفترة الأخيرة من حياته: التوسعية الاسرائيلية، والضعف والتفكك الغربيين، والخوف من دعم الغرب لاسرائيل في حال سقط العرب في احضان السياسة السوفياتية. وفي آخر مداخلاته دعا شيحا الى تدويل القدس، وإيجاد حل انساني لقضية اللاجئين، والى ضمان دولي للحدود بين العرب واسرائيل "فلسطين" ص181-183. وكان أعلن بوضوح موقفه الى جانب انخراط العرب في سياسة الاحلاف الغربية حين قال قولته الشهيرة: "بين الخطر الشيوعي والتهديد الاسرائيلي لا حظّ للعرب الا في الدفاع المشترك" "لوجور" 13/11/1952. واليوم وبعد سقوط الخطر الشيوعي وحوالى نصف قرن على رحيل شيحا نجد القادة العرب يتمسكون بهذه المقولات والقادة الفلسطينيين أيضاً. أليس غريباً ان يدور الزمن دورته لنجد انفسنا أمام الاسئلة والاشكاليات والهموم والاحباطات نفسها؟ وهل يمكن البناء للمستقبل من دون اعادة الاعتبار الى الماضي المغيّب؟ أليس ميشال شيحا في القلب منه؟ * كاتب لبناني.