خاتمي في الرياض هذا الاسبوع وناجى صبري في طهران اواخر الشهر. زيارتان بالغتا الاهمية في الظروف الراهنة لانهما قد تعيدان شيئاً من التوازن الى المعادلات الاقليمية المختلة وسط تصميم اميركي أعمى على اقتراف كارثة انسانية. ومع ان التقارب السعودي - الايراني ليس جديداً، فإن زيارة الرئيس الايراني للسعودية ترتدي معاني خاصة في ظل محاولات بعض الاوساط الاميركية ايذاء الرياض وحملها على تغيير مناهجها التربوية. اما على الخط العراقي - الايراني فإن بغداد هي المستفيد الاول من التقارب على رغم كونها ما زالت تقرأ كثيراً من "الشر" في اعين "الفرس"! فمفتاح كسب ايران يوجد بين ايدي العراقيين اذا ما عرفوا كيف يخاطبون جيرانهم الواقعين تحت ضغوط اميركية شديدة، بلغة المصلحة المشتركة وبناء الثقة وحسن الجوار، وليس بالعودة الى التراشق الاعلامي حتى اذا كان مبرره "الرد على استفزازات ايرانية". يكفي ان ينظر العراقيون الى الموقف التركي ليدركوا الفارق بين الجارين. مع ذلك لا تجد بغداد غضاضة في ارسال الوفود الرسمية الى انقرة والتوقيع على صفقات تجارية ضخمة مع تركيا، على رغم انها كانت عنصراً اساسياً في ضرب العراق خلال حرب الخليج الثانية. ومنذ ايام كان نائب وزير الخارجية التركي اوغور زيال يزور اسرائيل ويجري محادثات مع كبار المسؤولين فيها في اطار تنفيذ بنود اتفاق التعاون العسكري الذي توصل إليه الجانبان في العام 1996. في غضون ذلك كان مسؤولون عسكريون اميركيون يزورون القواعد المنتشرة في جنوبتركياوجنوب شرقها لتفقد حال التأهب هناك، استعداداً للحملة العسكرية المحتملة، فيما اكثر المسؤولون السياسيون الاتراك من التصريحات التي اكدوا فيها انهم يعارضون توجيه ضربة عسكرية للنظام العراقي،. لكنهم لم يستطيعوا اخفاء مطامعهم في شمال العراق في ما لو تلقى النظام الحالي ضربة قاصمة. اقل ما يمكن قوله هو ان الموقف الايراني اكثر ثباتاً وجدية من الموقف التركي، وستتبلور ملامحه اكثر من خلال كلام الرئيس خاتمي في السعودية، وان ظل العراقيون يستدلون باحتجاز طائراتهم المدنية التي لجأت إلى إيران قبيل حرب الخليج الثانية للتشكيك بصدقية طهران. لكنهم ينسون الجراح التي تركتها حرب الخليج الاولى التي دمرت بلدين اسلاميين رئيسيين عبثاً. لذا من المهم معرفة اللغة التي سيخاطب بها وزير الخارجية العراقي مضيفيه الايرانيين، فالثابت ان ايران الثورية قطعت اشواطا حاسمة في طريق الواقعية وتخلت عن تصدير ثورتها ليس فقط الى العراق وانما الى جميع البلدان الاسلامية، وحرصت على التطبيع الكامل مع الانظمة التي كانت تعتبرها "طاغوتية" او "حليفة الاستكبار الاميركي". وعليه لا بد من ان تأخذ بغداد هذه المتغيرات في حساباتها، خصوصاً ان هذا الوقت ليس وقت تشنج وانفعال حتى وإن صدرت تصريحات تدل على "نوايا شريرة" من طهران. والموقف الذي عبر عنه وزير الخارجية كمال خرازي الاحد الماضي كان واضحاً ودقيقاً، اذ اكد ان طهران لن تكون لامبالية اذا ما تعرض العراق لهجمة عسكرية اميركية، وحذر من أن ايران "سترد الفعل" لان استقرار المنطقة وأمنها سيكونان مهددين. والثابت ان طهران باتت تعارض ضرب العراق وتقسيمه معارضة نشطة على رغم الاغواء الاميركي لجرها الى صفقة تطبيع تبدو مغرية. صحيح ان هناك تياراً إيرانياً يسعى ل"بيع" العراق الى واشنطن لقاء تطبيع كامل يشمل مراجعة الموقف الايراني من الصراع العربي - الاسرائيلي، لكن الاخطاء العراقية وحدها يمكن ان تساعد على ترجيح الكفة لصالح هذا التيار الذي لم يجد حتى الآن منفذاً للتأثير في مركز القرار. ليس من المبالغة القول ان الرياضوطهران تشكلان ابرة الميزان في مصير المجابهة بين العراق واميركا التي يعد لها الرئيس بوش، وهذا يعني ان على بغداد ان تنتبه كثيرا الى طريقة تعاطيها معهما حتى لا تكرر اخطاء الماضي التي ستكون هذه المرة... قاتلة.