هل تشبه زيارة وزير الخارجية العراقي ناجي الحديثي المقررة لطهران أواخر الشهر زيارات مماثلة لوزير الخارجية الايراني السابق الدكتور علي أكبر ولايتي لبغداد والذي لم يفلح في تبديد الإرث الثقيل من الخلافات والصراعات ولم يستطع وضع العلاقات الثنائية على سكة التطبيع الحقيقي؟ ظاهرياً يحق للمتشائمين ان يشكوا بمدى قدرة وزيري الخارجية على معاودة وضع العلاقات على الطريق السليمة، خصوصاً ان زيارة الحديثي تتم قبل أسابيع قليلة من ذكرى الانتفاضة الشيعية التي اندلعت في جنوبالعراق العام 1991 والتي يسميها النظام العراقي "صفحة الغدر والخيانة" ويحمّل ايران المسؤولية الكاملة عنها. إلا أن مياها كثيرة جرت في أنهار العراقوايران منذ الزيارات المتبادلة بين مسؤولين في النظامين أواسط التسعينات، فبعدما طوى الايرانيون صفحة الثورة في بواكير عهد الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني واستبدلوا مرحلة الايديولوجيا بالواقعية، قطعوا شوطاً كبيراً في تطبيع العلاقات مع بلدان الجوار العربي بما فيها الامارات التي ما زالت جزرها محتلة. هذا التطور يسقط من يد الرئيس العراقي الحجة الأساسية التي استند عليها لتفجير حرب الخليج الأولى في العام 1980، والقائلة بكون نظامه يشكل حاجز الكفيل بوقف "الزحف الفارسي" على الخليج. وبات واضحاً ان التطبيع ليس ظرفياً وانما هو أحد ثوابت السياسة الايرانية الجديدة والتي طمأنت اكثر الأنظمة العربية تحفظاً على طهران في المشرق والمغرب العربيين على السواء. وأتى عهد الرئيس خاتمي تكريساً لخيار البراغماتية هذا، وهو أزال ما تبقى من مشاعر الريبة والحذر المتبادلة مع العرب على رغم بقاء مشكلة الجزر الاماراتيةالمحتلة عالقة. والثابت ان هناك تياراً واقعياً قوياً داخل ايران يؤمن بأن التقارب مع العرب لا ينبغي ان يقتصر على مجرد تطبيع سياسي واقامة علاقات ديبلوماسية وانما يسعى لادماج بلده في الاطار الاقليمي ويزيل الإرث الثقيل من الخلافات السابقة، خصوصاً انه ما انفك يشدد على تمسكه بوحدة الأراضي العراقية. وواضح ان هذا الخيار يشمل العراق ايضاً مثلما دلت على ذلك الاجتماعات الأخيرة بين وزيري النقل العراقيوالايراني في طهران والتي تمهد على ما يبدو لمعاودة الرحلات الجوية بين البلدين، اضافة الى التفكير بربطهما بخط للسكة الحديد، وهو تطور يؤشر الى انعطاف شبيه بالذي مرت فيه العلاقات العراقية - السورية في السنوات الأخيرة. والأرجح ان العراقيينوالايرانيين يدركون ان تداعيات الحرب في افغانستان وما حققته من تمدد اميركي في آسيا الوسطى تهدد في نهاية المطاف مصالحهما في آن معاً، وان محاولة أي منهما الاستقواء بالولايات المتحدة لتصفية الحساب مع الجار طريق عقيمة ومراهنة خاسرة. وطالما ظلت طهران وبغداد على عدائهما للدولة العبرية فإن اميركا لن ترتاح لأي منهما وستدفعهما بإجراءاتها وضغوطها الى التفاهم والتعاون. يبقى ان التقارب الايراني - العراقي أبعد من مجرد تطبيع ثنائي، فهو يمكن ان يشكل مقدمة لحوار بين الحضارتين العربية والايرانية يركز على القيم المشتركة والروابط الدينية وينهي منطق المنافسة والتنابذ على نحو يعيد للصراع مع اسرائيل شيئاً من التوازن الاستراتيجي.