تشهد سوق كتب التراث حالياً رواجاً على أيدي مجموعة شبان يحاولون استرجاع سمعة "سور الازبكية" الثقافية. فقبل أعوام كان "سور الازبكية" المنتدى الوحيد للكتب القديمة النادرة، على رغم أن باعته المشهورين كانوا عديمي الثقافة وأكثرهم يجهل القراءة والكتابة، لكن شباب سوق الكتب النادرة اليوم دخلوا الساحة بكل ثقلهم وملأت اعلاناتهم صفحات الجرائد تحت عنوان "نشتري الكتب القديمة بأقل سعر". وفيما لم يزد سعر أغلى كتاب في "سور الازبكية" على 10 جنيهات مصرية وصلت اسعار الكتب نفسها على أيدي هؤلاء الشباب الى الآلاف وهم متأكدون من إمكان بيعها بالملايين. عندما أجرت الحكومة تعديلات عدة على ميدان الأوبرا الذي اتخذه سور الازبكية مكاناً له لأكثر من 150 عاماً، توزعت الكتب بين الباعة الجوالين وبائعي الصحف اليومية. وازدهرت تجارة الكتب حالياً، وخصوصاً الكتاب الصحافي، الذي يشبههه البعض "بريبورتاج" تلقيه بأول سلة مهملات بعد قراءته. ويرجع عدم الاقبال على الكتب لضيق ذات اليد عند البعض وغياب الوعي لدى الآخرين، الأمر الذي دعا التجار الشباب الى استعادة سمعة سور الازبكية بكتبه القيّمة التي تستحق الاقتناء، واختاروا زبائنهم من شريحة معينة لأن ليس هناك من يستطيع دفع 2000 جنيه ثمناً لكتاب سوى القليلين. بكر عبدالرحيم خضر 31 سنة قال ل"الحياة": "منذ خمس سنوات اتعامل مع كتب التراث بيعا وشراء لأنني وجدت انه مشروع مربح وما زال هناك من يلهث وراء الكتب النادرة لاقتنائها بأي ثمن. انشر اعلاناً كل اسبوعين في اكبر الصحف المصرية انتشاراً، واتلقى مكالمات هاتفية من الداخل والخارج يعرض اصحابها ما في حوزتهم من كتب تراثية قديمة، واشتري كلما توافرت لي سيولة كافية. وحتى الآن لدي مجموعة لا بأس بها من الكتب النادرة للجاحظ وابن تيمية وابن حزم وابن الرواندي والدهلوي وكلها تساوي أضعاف ما دفعت فيها. وفيما يصل سعر كتاب ابن تيمية "صريح المعقول من صحيح المنقول" طبعة 1804م الى ما يزيد على أربعة آلاف جنيه مصري نحو 800 دولار وبلغ سعر كتاب "الجوهرة" لابن الرواندي طبعة 1779م أكثر من سبعة آلاف جنيه". ويقول تامر عبد الرؤوف: "اشتري الكتب النادرة بأثمان بسيطة وأبيعها بمبالغ مرتفعة، ولكن احياناً يغطي بيع كتاب واحد كل تكاليفي وخسائري لأن هناك من يعرف قيمة ما أبيعه فيدفع ما أطلبه بسهولة، لذا أحقق دخلاً معقولاً من تلك التجارة". وأضاف عبد الرؤوف: "اهتم جداً بغلاف الكتب ومستوى صلاحية صفحاته، فربما صفحة واحدة ممزقة تؤخر صفقة ثمنها الآلاف، خصوصاً وأن هناك من يعلم جيداً قيمة الكتاب القديم". أما عصام سالم 28 سنة فيقول: "بدأت التجارة في الكتب بمكتبة جدي الذي كان أحد رجال الازهر الشريف، وأذكر أنني أصبت بدهشة عندما كلمت احدهم عن أنني أملك بعد وفاة جدي نسخة من كتاب "مجاني الأدب" في أربعة أجزاء مطبوعة عام 1895 بمعرفة الآباء اليسوعيين، فعرض علي مبلغ 1500 جنيه لشرائه، واكتشف لاحقاً ان الكتاب يساوي ضعف هذا المبلغ". ويرى سالم أن "تجارة كتب التراث شبه سرية وستظل هكذا، والكتاب القيم القديم يحدد سعره العرض والطلب في السوق، اضافة الى أن مندوبين لدور النشر في الخارج عادة ما يعرضون أثماناً خيالية لشراء الكتب القديمة من أصحابها، وهم على استعداد لدفع سعر أعلى من السعر الحقيقي في سبيل الحصول على نسخة جيدة، وإعادة طباعتها ثم تصديرها للعرب في اوروبا والولايات المتحدة واستراليا". ويذكر سالم بداية تجارته بكتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لابن تغربردي حين اشترى الجزء الاول والثاني بمئة جنيه مصري من أحد معارفه، وباع الجزء الاول ب 600 جنيه بعدها قرر احتراف تجارة كتب التراث. وفيما يتساءل الكثيرون عن دور وزارة الثقافة وهيئة الكتاب المصرية في إعادة طبع هذه الكتب وحفظ التراث، يقول اسامة القاضي 32 سنة: "تجارة الكتب القديمة تشبه الى حد كبير تجارة التحف، فقد يكون في السوق اكثر من نموذج للوحة قديمة رسمها مايكل انجلو، لكن الاكيد ان اثمان هذه النماذج بسيطة جداً مقارنة بسعر اللوحة الاصلية". ويرتفع سعر الكتاب اذا مر على طباعته اكثر من مئة عام، ويعتبر تحفة اذ مر أكثر من مئتي سنة على طباعته. ويبقى كثيرون من الشباب المصري على استعداد لدخول سوق كتاب التراث برأسمال كبير في محاولة لاستعادة سمعة سور الازبكية.