تسعى ليبيا الى استثمار رئاستها مجموعة بلدان الحوض الغربي للمتوسط المعروفة باسم منتدى حوار "5"5" من اجل تسريع خطوات التطبيع مع اميركا وطي صفحة الارهاب التي الصقتها بها قضية "لوكربي". وتضم المجموعة بلدان الاتحاد المغاربي الخمسة موريتانيا، المغرب، الجزائر، ليبيا، تونس وخمسة بلدان متوسطية اعضاء في الاتحاد الاوروبي فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، البرتغال، مالطا. وهذه المرة الاولى التي يسند فيها الى ليبيا دور دولي على هذا المستوى منذ اندلاع ازمة "لوكربي" العام 1998 بعد صدور قرار الاتهام. وفي هذا الاطار، عقد في طرابلس اجتماعان منفصلان لوزراء الخارجية والداخلية للمجموعة خلال الشهرين الاخيرين، مما اعتبر كسرا للعزلة الليبية السابقة، عبر تكثيف العلاقات مع البلدان الغربية الرئيسية، بما فيها بريطانيا التي يرجح ان ينطلق مسار التطبيع معها من زيارة الوزير مايك اوبراين الذين سيكون اول وزير بريطاني يزور ليبيا منذ عشرين عاماً والتي سترتدي على ما يبدو طابعاً امنياً يتعلق بالتعاون والتنسيق في مكافحة الارهاب. وبعدما ركز الليبيون على الدائرة الافريقية ونفضوا ايديهم من العالمين العربي والاسلامي في السنوات الاخيرة، اظهروا اهتماماً لافتاً بالساحة المتوسطية في النصف الثاني من التسعينات وشاركوا في مؤتمر وزراء خارجية مسار برشلونة في شتوتغارت المانيا العام 1988 بصفة مراقب قبل ان ينضموا رسمياً الى المسار في الاجتماعين الاخيرين في مرسيليا وبلنسيه اسبانيا. وبالنظر الى المرارة التي شعر بها الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي جراء ما اعتبره تقصيراً من بلدان الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي في العمل على الغاء العقوبات التي قررها مجلس الامن في حق بلده على خلفية قضية "لوكربي" اتجه الى القارة الافريقية وعاود صوغ السياسة العروبية السابقة لليبيا. ولوحظت حماسة ليبية جديدة للمسار الاورومتوسطي، على امل ان تلعب البلدان الاوروبية دورا في اقفال ملف "لوكربي" الذي لا يزال عالقا مع الولاياتالمتحدة، وتسريع ادماج طرابلس في مؤسسات الحوار والتعاون بين الشمال والجنوب. الا ان امين وزير الوحدة الافريقية لشؤون الاعلام والثقافة الدكتور سعيد حفيانة قال ل"الحياة" ان الخيار المتوسطي ليس جديداً كون ليبيا "كانت اول من رفع شعار المتوسط للمتوسطيين في مطلع السبعينات". واشار حفيانة الذي عمل طويلاً سفيراً في باريس، الى ان ليبيا هي البلد العربي الذي يملك اطول ساحل يطل على المتوسط 1950 كيلومتراً "ما يجعل انتماءها الى المجال المتوسطي حقيقة جغرافية وسياسية واستراتيجية". وعزا التقارب السريع بين بلده والبلدان الاوروبية لكون الاخيرة "باتت تدرك اهمية ليبيا ودورها المتنامي في السياسة الاقليمية خصوصاً في الساحة الافريقية". ملعبان افريقي ومتوسطي ورأى مراقبون ان ليبيا لم تعد تقتصر على الدائرة الافريقية وانما هي تحرص كذلك على التحرك على الساحة المتوسطية في آن ليس فقط لأن افريقيا الجنوبية "خطفت" منها رئاسة الاتحاد الافريقي بعدما فازت ايضاً باستضافة قمته الاولى وانما انطلاقاً من قناعتها بأن الحضور السياسي في المجال الاورومتوسطي هو المفتاح لتطوير العلاقات مع البلدان الغربية الرئيسية خصوصاً الولاياتالمتحدةوبريطانيا. ولوحظ ان وزير الاتصال الخارجي الشؤون الخارجية الليبي عبدالرحمن شلقم قام بتحركات كثيفة بين الرباط ومدريد لدى اندلاع الازمة المغربية - الاسبانية الاخيرة في شأن جزيرة ليلى مكرساً الاهتمام الذي صارت توليه ليبيا لاقامة "فضاء من الاستقرار والامن والتعاون المتبادل بين ضفتي المتوسط". ويبدو ان الليبيين يدركون ان المشاغل الامنية المرتبطة بمكافحة الشبكات الارهابية تتصدر اهتمامات العواصم الغربية وعليه اظهروا كثيراً من التعاون معها في تبادل المعلومات والتنسيق بين الاجهزة خصوصاً في اللقاءات الثنائية التي تمت على هامش المؤتمر الاخير لوزراء داخلية مجموعة "5"5" في طرابلس. اكثر من ذلك تعمل ليبيا على دمج مصر في مجموعة "5"5" على اعتبارها "تشكل وحدة جغرافية وبشرية وثقافية مع المغرب العربي". واوضح حفيانة ل"الحياة" ان الهدف من ضم مصر هو "منح الجانب العربي ثقلاً بشرياً وثقافياً وسياسياً فاعلاً". ويعطي الليبيون افضلية لمسار "5"5" على المسار الاورومتوسطي لان الاول "لا يحمل مخاطر من نوع التي يحملها مسار برشلونة". وهم يعتقدون بان "المسار الاورومتوسطي ينبني على فكرة اوروبية تعتبر المغرب العربي مجالاً حيوياً لاوروبا"، ويرفضون استخدام مثل هذا المصطلح "لانه يحيل على منطق التوسع والهيمنة والعودة الى السياسات الاستعمارية القديمة".