غياب السينما العربية عن مهرجان "كان" شكوى شبه دائمة، والحضور المهم الأخير كان في العام 1997، عندما شارك يوسف شاهين بفيلم "المصير" ونال جائزة خمسينية هذا المهرجان العريق الذي يعتبر الأكبر في العالم حالياً، وتتهافت على المشاركة فيه اهم الأفلام المنتجة في العالم. وخلال السنوات الخمس التي تلت ذلك الفوز العربي الكاسح، لا شيء: لا من مصر ولا من غير مصر. وبالنظر الى الوضعية الراهنة التي تعيشها السينمات العربية، منذ سنوات، كان من المتوقع لهذا الغياب ان يتحول الى اختفاء. ولكن... هذا العام أتت "المفاجأة" من حيث لم يتوقعها احد: خمسة افلام عربية في دورة "كان" الخامسة والخمسين، التي تقام ابتداء من 15 ايار مايو المقبل. ومن بين الأفلام الخمسة فيلم فلسطيني لإيليا سليمان، يشارك في المسابقة الرسمية التي نادراً ما شارك فيها فيلم عربي. الفيلم هو "تدخل إلهي"، روائي تسجيلي صوره سليمان صاحب "سجل اختفاء" في فلسطين خلال الأشهر الأولى للانتفاضة بتمويل فرنسي. إذاً، بعد يوسف شاهين 1997 ومارون بغدادي 1991 في "خارج الحياة" ومحمد الأخضر حامينا 1975 في "وقائع سنوات الجمر" بين آخرين اقل اهمية، ها هو سليمان يسعى للحصول على "السعفة الذهبية"، التي لم يفز بها من العرب سوى حامينا عن فيلمه، وشاهين عن مجموع اعماله، بينما فاز بغدادي بجائزة لجنة التحكيم مناصفة مع "أوروبا" للارس فون تراير. واللافت ان احد منافسي سليمان في المسابقة هو الإسرائيلي - المنشق نسبياً - عاموس غيناي عن فيلم "خدمة" الذي يروي احداث العام 1948. عبرهما إذاً، تؤكد القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، حضورهما في "كان" في اعلى المستويات - اي التظاهرة الرئيسة. اما الأفلام الأربعة العربية الباقية فتعرض في ثاني التظاهرات من حيث الحجم والأهمية، تظاهرة "نظرة ما...". وفي مقدمها فيلم المخرج السوري اسامة محمد الجديد "تضحيات" أو "قرابين" وكان يفترض ان يحمل في العربية اسم "صندوق الدنيا". وفيه يعود اسامة الى السينما بعد عقدين تقريباً من تحقيقه فيلمه الأول، والوحيد قبل "تضحيات": "نجوم النهار". ومن لبنان يشارك غسان سلهب بفيلم ايطالي العنوان يعني بالعربية "ارض مجهولة". وهو ثاني فيلم روائي طويل له بعد "اشباح بيروت". ويبقى من النتاج العربي المشارك الفيلم الموريتاني "في انتظار السعادة" لعبدالرحمن سيسيكو، وفيلم "رشيدة" للجزائرية يمينة بشير. خمسة افلام عربية، إذاً، في "كان"! أمر لم يكن ليجرؤ على ان يحلم به احد لشهور خلت. ولكن، هكذا هي معجزة السينما دائماً وهذا هو سحرها. فبعد ان كان العرب الذين يقصدون "كان" يستعدون للذهاب والمشاركة، نقاداً وفنانين وفضوليين، وهم على مرارة يتثاءبون، وجدوا انفسهم فجأة امام عمل كبير وآفاق نشاطات اكبر. وكل هذا يسعدهم بالطبع، في دورة يترأس محكميها دافيد لينش، ويفتتحها فيلم لوودي آلن، وتعرض افلاماً لبعض اكبر الأسماء في سينما العالم في ايامنا هذه، وإن كان سؤالهم الحائر هو: اين مصر؟