لم تبلغ العربدة الأميركية - الاسرائيلية ضد العرب ذروتها بعد، وربما كانت في بداياتها. هذا التمادي في الاعتداء على الحقوق والمصالح العربية مرشح للاستمرار لأسباب بديهية لكنها لا تبدو واضحة للحكومات العربية حتى الآن، بعد مجازر شارون الجديدة في نابلس ومخيم جنين للاجئين وحملة القتل والتخريب التي ما زال يقودها. في اسرائيل تستمر المزايدة بين شارون ومنافسه على زعامة ليكود بنيامين نتانياهو على من منهما يستطيع أن يسفك كمية أكبر من دماء الفلسطينيين، ومن يستطيع تقديم دعم أكبر للمد الاستيطاني اليهودي السرطاني في الأراضي الفلسطينية. اللعبة مكشوفة، وهي ليست نضالاً لحماية وجود دولة اسرائيل، فهي موجودة، وهي أقوى الدول عسكرياً واقتصادياً في الشرق الأوسط كله، وهي مسلحة نووياً وكيماوياً وجرثومياً، وهي متخمة بالسلاح الأميركي الفتاك الذي تستخدمه ضد الشعب الفلسطيني. اللعبة مكشوفة، و"الجائزة" فيها ليست فقط منصب رئيس الوزراء الاسرائيلي وانما في النهاية منع قيام دولة فلسطينية، كان ينبغي أن تقوم في العام 1947، وتمرير مشروع "اسرائيل الكبرى"، بما يعنيه من تشريد قسري للفلسطينيين من وطنهم التاريخي. في أميركا، لم يعد هناك أي صراع حقيقي بين جناحين أو أجنحة في إدارة الرئيس جورج بوش ما دام هو نفسه قد وصف شارون بأنه "رجل سلام" حتى على رغم تشكيك بعض قطاعات الرأي في اسرائيل نفسها بهذا الوصف. لم يعد بوش يتورع عن اختيار مفرداتنا لنا. انه يرفض مفهوم الشهادة في سياق مقاومة الاحتلال الاسرائيلي غير القانوني لأراضينا، وبدلاً من أن يساهم في إنهاء ذلك الاحتلال، نراه يغذيه بالسلاح والغطاء السياسي والتمويل. أما وزير خارجيته كولن باول فقد قرر، حتى قبل أن تبدأ لجنة تقصي الحقائق في ما حدث في جنين عملها، أن لا دليل لديه على أن مذبحة قد ارتكبت. ان اسرائيل، بالاضافة الى بلايين الدولارات التي تحصل عليها سنوياً من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، تجمع التبرعات من يهود أميركا لتمويل ارهاب الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني من دون أن ينبس بوش أو نائبه ديك تشيني ببنت شفة. ولكن بوش وتشيني يلحان على الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن والسعودية، بالمشاركة في محاربة "الارهاب" في المنطقة وقطع التمويل عنه! ان بوش وتشيني يطالبان العرب هنا بالمساهمة في ضمان استسلام الشعب الفلسطيني، بل والشعوب العربية للعربدة الأميركية - الاسرائيلية. وثمة استكانة عربية رسمية واضحة لهذه العربدة، مع اهمال بيِّن في تقدير عواقبها الخطيرة. وهي استكانة تعني أن القمة العربية التي تبنت مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله أغفلت ايجاد شبكة أمان، أو آلية ردع، يمكن اللجوء اليها عندما يحاول شارون، بمساعدة اميركية، تفريغ المبادرة العربية من مضمونها النبيل الذي يعد بحياة آمنة مستقرة لشعوب المنطقة. انها استكانة تعني أيضاً ان العرب قرروا، رسمياً، تبني ديبلوماسية "التوسل" التي نادى بها وزير خارجية قطر. وفي الواقع، لا يستطيع العرب مطالبة الأوروبيين، مثلاً، بتعليق اتفاق الشراكة التجارية مع اسرائيل إلا إذا بدأوا هم أنفسهم بقطع العلاقات مع اسرائيل أو، على الأقل، التلويح جدياً بقطعها. والعرب غير قادرين على اقناع اميركا بالضغط على اسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني وقائده، إلا إذا لوحوا جدياً بإلحاق الأذى بالاقتصاد الأميركي ما دامت الولاياتالمتحدة تلحق الأذى بالمصالح والحقوق العربية.