سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مع تزايد الاحتمالات بأن تصبح شمال غربي افريقيا إحدى أهم المناطق المنتجة للنفط والغاز . موضوع الطاقة يعود الى واجهة الأحداث في العلاقات بين دول اتحاد المغرب العربي
عاد موضوع الطاقة الى واجهة الأحداث في علاقات دول اتحاد المغرب العربي، بعد تزايد الاحتمالات بأن تصبح منطقة شمال غربي افريقيا واحدة من أهم المناطق المنتجة للنفط والغاز في العالم، بالدخول المرتقب للمغرب الى نادي الدول المنتجة للنفط قبل نهاية العقد الجاري. يقول محللون إنه على رغم ان توقعات التنقيب تبدو افتراضية في الوقت الراهن، إلا أن حماسة الشركات الدولية العاملة في المنطقة تحمل على الاعتقاد بأن المنطقة البحرية الممتدة من مضيق جبل طارق الى جزيرة مدغشقر، تتوافر على أحواض رسوبية تؤكد وجود مخزون نفطي هائل في اعماق البحر تراوح بين 1000 و2000 متر، وهي المنطقة التي يقول عنها الخبراء انها تشبه خليج المكسيك والميسيسبي ومنطقة بيرديرو على السواحل الشرقية للولايات المتحدة. وللتدليل على أهمية هذا الموضوع، شارك وزراء الطاقة والمعادن في دول الجزائر والمغرب وموريتانيا والسنغال في "المعرض الدولي الاول للنفط والغاز" الذي استضافته مراكش الاسبوع الماضي وشاركت فيه ايضاً نحو 60 شركة دولية منها "شل" و"توتال فينا" و"فانكو" و"كيرماغي" وغيرها. وكان لافتاً في المؤتمر الحضور المكثف للوفد الجزائري الذي حطت طائرته الخاصة في مطار المنارة، برئاسة وزير النفط والطاقة، شكيب خليل، الذي هو في الوقت نفسه رئيس منظمة "اوبك" ونائب رئيس مجموعة "سوناطراك" الجزائرية العملاقة، يرافقه صحافيون وإداريون ورجال أعمال وفنيون. ولم ينتظر الصحافيون الذين قدموا لتغطية المؤتمر كثيراً قبل ان ينتشر الخبر المفاجئ بأن الجزائر قررت الدخول في شراكة مع المغرب للتنقيب عن النفط والغاز، والتعاون معه في انتاج وتوزيع المحروقات. وخرج وزير الطاقة الجزائري ليؤكد النبأ ويضيف ان بلاده ترغب في تطوير شراكة قوية مع المغرب، وان التعاون سيشمل التنقيب والانتاج والتسويق وتبادل الخبرات والاستثمارات. وعندما ألح الصحافيون لمعرفة موعد انطلاق المشروع، قال خليل ان المفاوضات قطعت "أشواطاً متقدمة" وان الخبراء سيدرسون صيغة التعاون، وما اذا كان سيتم اعتماد الاستثمار المباشر على صيغة الشركات الاخرى في المغرب، ام ان البلدين سينشئان شركة مختلطة تساهم فيها "سوناطراك" الى جانب مؤسسات اخرى من القطاعين الخاص والعام في البلدين. والتقت "الحياة" وزير الطاقة الجزائري مرتين وحصلت منه على توضيحات مفادها ان قرار الاستثمار والتعاون اتخذ على المستوى الرسمي، وان الخبراء سيحدّدون طبيعة العمل للمرحلة المقبلة. وأكد وجود نية لدى الطرفين لدفع قطاع الطاقة والمعادن الى الامام وتجميع الجهود لتحقيق تكتلات مستقبلية تحتاجها المنطقة من اجل مواجهة الظروف الدولية الجديدة وعولمة التجارة والتدفقات. وأشار محللون الى ان مثل هذا الامر ليس جديداً بالنسبة للجزائريين، حيث ان هناك مشروع أنبوب غاز المغرب العربي الذي يمر عبر المغرب نحو دول الاتحاد الاوروبي وينقل نحو 10 بلايين متر مكعب سنوياً. اضافة الى ذلك، هناك مشاريع الربط الكهربائي بين شبكتي البلدين، الى جانب تعاون سابق مع المغرب في مجالات متعلقة بقطاع الطاقة والمعادن الذي يبدو انه لا يتأثر كثيراً بالخلافات السياسية. من جهته، أكد الجانب المغربي تحقيق مفاوضات "جيدة" مع الجزائر "جرت في جو أخوي رسمت ملامح تعاون مستقبلي طموح"، وشارك فيها رؤساء شركات مغربية عاملة في قطاع الطاقة. وقال وزير التجارة والصناعة مصطفى المنصوري الذي قاد المفاوضات عن الجانب المغربي، ان التعاون في مجال الطاقة سيشكل أرضية ل"تعاون أوسع" في مجالات اقتصادية عدة، لأن "الأولوية" في الوقت الراهن هي للتعاون الاقتصادي وإشراك القطاع الخاص في المشاريع المقترحة في دول اتحاد المغرب العربي. وكشف ان بلاده ستعمد قريباً الى تحرير قطاع النفط والمحروقات وقطاع انتاج الكهرباء الذي بدأ العمل على مد شبكته بين المغرب واسبانيا شمالاً ومع الجزائر شرقاً من أجل ربط الشبكة الاوروبية بمثيلتها العربية في اتجاه دول الشرق الاوسط والخليج. وأكد المنصوري ما قاله الوزير شكيب خليل من ان الظروف الحالية تفرض على دول المنطقة تعزيز التعاون في ما بينها وتنسيق مواقفها وتجميع جهودها في تكتلات ستحتاج اليها لاحقاً في مفاوضاتها الخارجية. من جهته، قال وزير المعادن الموريتاني، المهندس زيدان ولد حميدة، ان بلاده اتفقت مع المغرب والجزائر على تنشيط التعاون في ما بينها في مجالات التعدين والتنقيب وتبادل الخبرات والاستثمارات، معتبراً ان أعمال التنقيب عن المعادن والنفط يجب ان تشكل حجر الزاوية في التعاون بين الدول الثلاث، وان تكون "بوابة" الى بناء علاقات اقتصادية جديدة تعتمد على الاستغلال المشترك للثروات وتطوير آليات الانتاج وتعزيز بناء المغرب العربي. وتعتبر موريتانيا ثالث أكبر دولة عربية منتجة للحديد والثالثة عالمياً في صادرات الحديد الخام الذي يشكل الى جانب صيد الأسماك احد مصادر الدخل الرئيسة للبلد. وأجمع وزراء الطاقة في المغرب والجزائروموريتانيا على الرغبة في تفعيل الاتفاقات في أقرب وقت ممكن من اجل استغلال الحماسة التي أبدتها الشركات الدولية، وتعزيز حظوظ شمال غربي افريقيا في ان تكون من أكثر المناطق انتاجاً للنفط والغاز والمعادن، تماماً كما كان الامر في مطلع القرن العشرين، على حد قول المحللين، عندما كان المغرب احد اكثر الدول العربية انتاجاً للنفط، قبل ان تجف الأحواض في سيدي قاسم في الاربعينات. وعلى مدى الأيام الثلاثة التي استغرقها المعرض، قدّم خبراء في مجالات التنقيب عن النفط والغاز وحتى المعادن، معطيات عن التقنيات الجديدة التي يتم اعتمادها لاستكشاف الاحواض الرسوبية التي ساهمت في تغيير الخريطة الانتاجية للطاقة على مستوى العالم. المستقبل في أعماق البحر وتشير المعطيات الى ان مناطق جديدة على ضفتي المحيط الأطلسي في القارتين الأميركية والأفريقية أصبحت منتجة للنفط والغاز. وهذا أمر لم يكن وارداً قبل سنوات بفضل تقدم تكنولوجيا الاهتزاز الحراري ثلاثي الأبعاد، خصوصاً في المناطق البحرية اوفشور، حيث تراجعت نسبة الخطأ الى 1 من اربعة من أصل واحد من عشرة قبل عقدين. وقالت شركة "فانكو" التي تتخذ من هيوستن في تكساس مقراً لها، ان مستقبل التنقيب في عمق 1100 قدم تحت الماء باتت "مجدية" في سواحل افريقيا. ودعت شركاء دوليين آخرين الى الإنضمام الى مشاريعها التنقيبية في سواحل ناميبيا وساحل العاج وغينيا الاستوائية والمغرب ومدغشقر والسنغال. وأشارت الى ان نشاطها في المنطقة مكّنها من وضع اليد على مخزون يتجاوز 10 بلايين برميل، وانها تتوقع الحصول على أكثر من ذلك، خصوصاً في المغرب، الذي وصفته بانه "احتياط مهم نائم". وقال ممثل مجموعة "شل" الهولندية -البريطانية الذي بدا متفائلاً، ان احتمالات وجود النفط والغاز في سواحل المغرب "قوية جداً" تدل عليها نتائج الاستكشافات التقنية المعتمِدة على الإهتزازات ثلاثية ورباعية الابعاد. لكنه تحفّظ عن إعطاء أي رقم، وتوقع ان يتم إعلان نتائج الاستكشافات بعد 3 او 4 سنوات. وذكرت "مجلة الغاز والنفط" الفصلية في عددها الشهر الماضي ان التركيبة الجيولوجية للأحواض الرسوبية في سواحل افريقيا تشبه أحواض خليج المكسيك، خصوصاًً بالنسبة للمغرب، وان المعطيات المتعلقة بالاحواض الصخرة الملحية في غرب افريقيا تشبه نظيراتها في شمال المحيط الاطلسي وفي بحر الشمال ومنطقة خليج المكسيك. ويشير خبراء الى ان القارتين الأفريقية والأميركية فيهما تشابه باطني تحت البحر، ما يدفع الى الاعتقاد بأنهما كانتا كتلة صخرية واحدة قبل ان يقسمها المحيط الاطلسي منذ بلايين السنين. ولذلك سارع بعض الخبراء الاميركيين الى القول ان انتاج النفط في العقود المقبلة سيتم من البحر اكثر منه من اليابسة، على اعتبار ان المخزون المكتشف في البحر يزيد على 70 بليون برميل. وعلى رغم انهم لم يتفقوا بعد على هذه الفكرة، الا انهم يعتبرون ان تراجع كلفة الانتاج الى 12 دولاراً في البحر و الى 8 دولارات في اليابسة، لا تشكل عائقاً كبيراً امام الاستثمار في مناطق اوفشور البحرية، على رغم ان كلفة حفر بئر بحري لا تزال مرتفعة عند 40 دولاراً مقابل 14 دولاراً في اليابسة. قصة النفط في المغرب وفي الندوة الصحافية التي عقدتها مديرة "مكتب الابحاث والاستثمارات النفطية"، امينة بن خضرة، قالت ان المغرب كان أول بلد افريقي يتم فيه اكتشاف النفط في منطقتي الريف وسيدي قاسم في نهاية العشرينات من القرن الماضي، ما دفع سلطات الحماية الى تأسيس "الشركة الشريفة للبترول" التي خرجت منها شركة "الف اكيتان" الفرنسية في 1928. وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، كان للمغرب اكتفاء ذاتي من النفط والغاز يصدر بعضاً منهما الى اوروبا. وتم استخدام هذا الإنتاج لتزويد فرق الحلفاء، لكن توقف التنقيب بعد ذلك جعل المغرب يتحول تدريجاً من منتج الى مستورد للطاقة. واعتبرت بن خضرة ان ظهور دول اخرى منتجة للنفط في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بكلفة أقل، دفع الشركات الدولية الى الإستغناء عن المغرب في الوقت الذي لم تهتم الحكومات المتعاقبة كثيرًا بموضوع النفط، وقلصت الاستثمارات في مجال التنقيب والدراسات، على رغم وجود كميات محدودة تم اكتشافها في الصويرة في السبيعنات. ويشير خبراء الى ان الاعتقاد السائد كان بأنه تتوافر في المغرب كميات كبيرة من المعادن مع كميات نفط أقل. لذلك لم يتم الاهتمام بالاستكشاف على رغم وجود مناطق رسوبية تصل مساحتها الى820 الف كيلومتر مربع. وكانت الأبحاث التي جرت في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي تُجرى ايضاً على بعض الأهداف "غير المضبوطة". كما ان الاستثمارات كانت ضعيفة قياساً لدول اخرى، حيث بلغت النسبة أربع حفريات على 10 آلاف كيلومتر مربع، في حين ان المعدل هو 800 حفرة. وعلى رغم محدودية التنقيب، إلا أنه تم اكتشاف الغاز في منطقة مسقالة في اواخر السبعينات. وظل موضوع النفط بعيداً عن الأضواء حتى صيف 2000، عندما أعلنت شركة "سكيدمور" الاميركية، عبر فرعها "لونستار"، عن اكتشاف النفط في منطقة تالسينت قرب الحدود الجزائرية، ليحتل موضوع النفط منذ ذلك الحين صدارة الاهتمام الاعلامي، خصوصاً بعد تضارب الأرقام في شأن الحجم الحقيقي للمخزون. وقالت بن خضرة في تصريحات على هامش "المعرض الدولي الاول للنفط والغاز"، ان الأبحاث التي أجريت في تالسينت تؤكد وجود نظام بترولي، وان المنطقة يتوافر فيها الغاز ايضاً. وذكرت ان حجم النفط المتوافر، حسب البئر الاولى التي تم حفرها، يقدر بين 50 و 100 مليون طن. لكن المشكلة التي تلت التنقيب ان "لونستار" واجهت مشاكل مالية حالت دون متابعتها للمشروع، ما أدى الى توقف الأعمال في تالسينت. وتوقعت مديرة "مكتب الأبحاث والاستثمارات النفطية" ان تستأنف الشركة أعمالها مجدداً بعدما دخلت في رأس مالها "مجموعة دلة البركة" السعودية، وتم تغيير اسمها الى "الشركة المغربية للبترول". وهي تقوم الآن بتقويم المعطيات والأبحاث التي تمت في المنطقة. وتملك الشركة خمس رخص تنقيب في البر والبحر من مجموع 49 رخصة وقع المغرب اتفاقات في شأنها مع 14 شركة دولية، منها اتفاق بترولي واحد و9 عقود استكشاف. ويتوقع خبراء "مكتب الأبحاث والاستكشافات النفطية" ان يستعيد المغرب اكتفاءه الذاتي من الطاقة قبل نهاية العقد الجاري، ما سيوفر للخزانة مبالغ تقدر بنحو بليوني دولار ينفقها حالياً على استيراد الطاقة. كما سيساهم استغلال المخزون النفطي في توفير طاقة محلية بأسعار منخفضة تعزز تنافسية الشركات المحلية في الأسواق الدولية. ويدرس المغرب مع البنك الدولي إمكان ربط المنازل والمساكن بشبكة للغاز المسيل المستعمل في التدفئة والطهي وتسخين المياه. ولا يعارض المغرب الإستفادة من التجربة الجزائرية في هذا المجال، في الوقت الذي أُعجب الجزائريون بفكرة الاستراحات على الطرق والتي أقامها المغرب في عدد من المناطق، تسمح بالتزود بالمحروقات وتناول الوجبات. استنتاجات والاستنتاجات التي خرج بها "المعرض الدولي الاول للغاز والنفط" في مراكش: - ان خريطة إنتاج الطاقة تغيّرت في العالم وان مستقبل الاستكشافات النفطية أصبح في البحر بعد تراجع الكلفة وتقدم التكنولوجيا. - ان الشركات الدولية باتت تتعاون في ما بينها بسبب إرتفاع فاتورة الاستكشافات. - ان التعاون بين الدول المجاورة والاستقرارالسياسي عنصران مساعدان على خوض تجربة التنقيب وإنتاج النفط وتحقيق التنمية. - ان العرب لم يعودوا المنتجين الرئيسيين للنفط كما كان الحال في السبعينات، وان أزمة نفطية غير واردة حتى لو توقفت إمدادات النفط من بعض الدول مثل العراق او ايران او دول اخرى. - ان نحو 1.5 بليون شخص يستهلكون 75 في المئة من الانتاج العالمي من الطاقة، فيما لا يستهلك خمسة بلايين شخص سوى 30 في المئة من موارد الطاقة.