استضاف مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الذي تديره الشيخة مي بنت محمد بن ابراهيم آل خليفة المفكر محمد أركون في محاضرة ألقاها امس الاثنين تحت عنوان: "كيف ندرس الفكر الإسلامي اليوم؟"، وتستضيف جامعة البحرين اليوم الثلثاء المفكر أركون في محاضرة ثانية تحت عنوان: "اعادة القراءة لتاريخ فضاء البحر المتوسط". ماذا يعني ان يحل المفكر الإسلامي محمد أركون ضيفاً على البحرين، وفي هذا الوقت تحديداً، حين يحتدم النقاش والجدل الفكري والسياسي والاجتماعي حول قضايا اساسية؟ لعل الساحة البحرينية تعتبر من أثرى الساحات الخليجية ثقافة وحركة فهي تعرض نشاطات عدة، ومن وجوهها الثقافية محمد جابر الأنصاري، قاسم حداد، فوزية السندي، علوي الهاشمي، منصور الجمري، كامل الهاشمي، علي الديري... وسواهم من الرموز الثقافية، إضافة الى طبقة جماهيرية وشبابية آخذة في التكون والسيرورة الفكرية، مثيرة الكثير من الأسئلة عن الثابت والسائد والمعتاد، ومتجاوزة بأسئلتها تلك انماط الإثارة الشبابية "الفقاعية"، الى استفهامات جدلية حقيقية باحثة عن جوهر جديد. وتتميز الساحة البحرينية بوجود نواة متوافقة مع كثير من اطروحات اركون في خطوطها العامة، خصوصاً في مفهوم التفكيك ومفهوم الاجتهاد وآلياته وسبل تطويره، وصولاً الى مفهوم الأنسنة وتحققاتها في الخطاب الإسلامي. ففي البحرين تيار في بدء تشكله، ويمكن ان يطلق عليه المراقبون تيار "الإسلام الحداثي"، أو "الإسلامي المتنور"، وهو لا يخرج عن الدائرة الإسلامية في اطروحاته العامة، ولكنه يستفيد من الفكر الحديث والآخر على تنوعه من دون اي حساسية او خوف أو تردد. هذا التعاطي مع الثقافات الأخرى في هذا التيار، ليس تعاطياً براغماتياً أو سياسياً، وإنما هو تعاط معرفي يهدف الى التكامل والإضافة والبناء، انطلاقاً من المقولة المشهورة في التراث الإسلامي "الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو احق الناس بها"، ومقولة الإمام علي بن ابي طالب. "انظر الى ما قيل وليس لمن قال". هذا التيار في معرفيته وديناميكيته، انفتح منذ بداياته على كتابات محمد أركون، وتأثر بها تأثراً كبيراً، حتى أنه لم يكن يحس بغربة بينه وبين كتابات أركون، ولم يكن يحس بالخوف او التوجس منها، أو انها تزلزل ثوابته التي تشكل نواته. بل هو يستأنس بكتابات أركون في الوقت الذي يقرأ مفكرين إسلاميين من امثال: مرتضى مطهري، وعلي شريعتي، وآية الله السيد محمد باقر الصدر. ولعل نظرة سريعة قد تبرز فروقاً بين كتابات هؤلاء، على رغم تنوعها، وكتابات أركون، لكنها لم تكن بعيدة منها او في التضاد منها. من هنا تكمن اهمية حضور محمد اركون في البحرين، ما جعله ويجعله امام مجادلين حقيقيين، يبحثون عن المعرفة، وليس هدفهم إسكات الآخر، وإنما الجدل التثاقفي الذي ينفذ نحو عمق الخطاب، غير مكتفين بما يحمله اسم اركون من جاذبية. وهذا بدأ فعلاً قبل مجيء اركون من خلال اصدار كتيب في هذه المناسبة يحوي الكثير من المقالات والدراسات النقدية عن فكر أركون وكتبه.