تسلم الكاتب المغربي بنسالم حميش جائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي للعام 2002 في احتفال نظمه مساء الأربعاء الماضي قسم النشر في الجامعة الاميركية في القاهرة مانح الجائزة. وجاء فوز حميش بالجائزة عن روايته "العلامة" التي تدور أحداثها في القرن الرابع عشر الميلادي، وتعتبر سيرة فكرية للمفكر المغربي عبد الرحمن بن خلدون. ونشرت الطبعة الأولى لرواية "العلامة" في بيروت العام 1997 ثم نشرت طبعة ثانية لها في الرباط العام الماضي. وسالم حميش هو سابع الفائزين بهذه الجائزة منذ انطلاقها العام 1996. وفاز بها من قبل: ابراهيم عبدالمجيد وادوار الخراط وسمية رمضان مصر، وهدى بركات لبنان، وأحلام مستغانمي الجزائر ومريد البرغوثي فلسطين. وأعلنت رئيسة لجنة التحكيم الناقدة فريال غزول حيثيات فوز رواية "العلامة" خلال الاحتفال، مشيرة الى أنها "توظف المصادر التاريخية خصوصاً أعمال ابن خلدون لكي تصور العالم الفكري والشخصي لعبقري القرن الرابع عشر الميلادي، مركزة على الجزء الذي قضاه المفكر المغربي في مصر وسورية". وأضافت: "أن أسلوب السرد في هذه الرواية يتميز بنثر فني وحوار مقنع، فالسهولة الممتنعة وسلاسة الاسلوب تجعلانها عملاً ممتعاً". وتضم لجنة التحكيم كلاً من هدى وصفي ورجاء النقاش وعبد المنعم تليمة. والجائزة عبارة عن مبلغ ألف دولار وميدالية عليها صورة نجيب محفوظ، إضافة الى ترجمة العمل الفائز الى اللغة الانكليزية. وبنسالم حميش أستاذ الفلسفة في جامعة الرباط، حاصل على دكتوراه الدولة في التاريخ من جامعة السربون في باريس العام 1987، وهو باحث وشاعر وروائي وفازت روايته "مجنون الحكم" بجائزة "الناقد للرواية" العام 1990، وصدرت طبعة ثانية منها في القاهرة في العام 1998 ضمن سلسلة "آفاق الكتابة" الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. ومن أعماله "أبيات سكنتها وأخرى" دار الطليعة، بيروت،، 1996 و"في بلاد أماتنا" بالفرنسية، الرباط 1997. أُعلنت جائزة الجامعة الأميركية في القاهرة المسماة "جائزة نجيب محفوظ" والتي واكبت هذا العام عيد ميلاد الأديب العربي العالمي الحادي والتسعين وفاز بها الكاتب المغربي سالم بن حمّيش عن روايته "العلاّمة". ومع كل إعلان سنوي عن جائزة نجيب حفوظ تُثار زوبعة من الحوارات الساخنة والهادئة، في الأوساط الأدبية والثقافية المصرية والعربية، إما حول طبيعة الجائزة نفسها، وإما حول اسم الفائز بها، واما حول النص نفسه. وقبل ان تثور زوابع هذه السنة نود أن نضع تحت أعين المهتمين والمشاركين في ذلك السجال السنوي الملاحظات الآتية: إن الجامعة الأميركية في القاهرة هي غير الولاياتالمتحدة الأميركية، ولا ينبغي محاسبة الأولى بالأخيرة، أو الخلط بينهما، خصوصاً في السنوات الحالية التي يزداد فيها سخط العرب مواطنين ونخبة على "الاستبداد الكوني" الذي تمارسه الولاياتالمتحدة الأميركية على خلق الله جميعاً ودول الله جميعاً، لا سيما انحيازها السافر حالياً الى إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وتحضيرها المتعنت لضرب العراق، فضلاً عن تخطيطها لإعادة رسم الخريطة العربية والشرق الأوسطية على هواها الأسود. أما الجامعة الأميركية في القاهرة مثل نظيرتها في بيروت فهي مؤسسة علمية ثقافية تعليمية، مستقلة أو شبه مستقلة. وصحيح أنها هيئة أميركية، لكنها في الوقت نفسه تخضع - نسبياً - للائحة الجامعات الخاصة التي تنظمها وزارة التعليم العالي المصرية. كما أن الجامعة الأميركية في القاهرة يعمل فيها الى جوار طاقمها الأميركي أو الأجنبي طاقم تدريس مصري يتميز معظمهم بالاستنارة والتقدم، ونخص منهم بالذكر مثقفين مثل: جلال أمين وفريال غزول وسامية محرز ومحمود الربيعي وحمدي السكّوت وفاروق شوشة وهدى الصدّة وعباس التونسي وغيرهم. ومارست الجامعة الأميركية في القاهرة طوال السنوات الماضية نشاطاً ثقافياً رفيعاً عبر حفلات فنية ومسرحية وموسيقية، عربية وعالمية ثمينة القيمة. ودعت عدداً وفيراً من وجوه الأدب العربي الى إلقاء المحاضرات، نذكر منهم: أدونيس ومحمود درويش وسعدي يوسف ووديع سعادة وجويس منصور وهدى بركات وغيرهم. وهي تصدر سنوياً مطبوعتها الجادة "مجلة ألف" بالعربية والانكليزية، وتترأس تحريرها فريال غزول، وتضم في هيئتها الاستشارية مجموعة بارزة من المثقفين المصريين وهي المجلة التي اعتبرتها - أخيراً - احدى الهيئات الثقافية العالمية لاستطلاع الرأي واحدة من أهم ثلاثين مجلة في العالم، والتي تخصص معظم أعدادها للبحث في المسكوت عنه من قضايا ومشكلات الأدب والفكر العربي والعالمي. ولعل كثيراً من طلاب هذه الجامعة الذين نظن أنهم جميعاً متأمركون ومتعولمون ومترفون تظاهروا واعتصموا مرات عدة تضامناً مع الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة، وإدانة للوحشية الإسرائيلية غير الإنسانية. بل إن هذه الجامعة الأميركية أصابها في السنوات القليلة الفائتة بعض رذاذ التخلف والجمود العربيين، حين خضعت احياناً لابتزاز المتطرفين فصادرت أو ألغت تدريس بعض الكتب التي رأى أهالي بعض الطلبة أنها خارجة على الناموس، مثل "الخبز الحافي" لمحمد شكري وكتاب "محمد" لمكسيم رودنسون و"النبي" لجبران خليل جبران. أما الجائزة نفسها، فإن لها لجنة تحكيم خاصة معظم اعضائها من النقاد المصريين المبرزين وأذكر منهم: عبدالقادر القط رحمه الله وعبد المنعم تليمة وفريال غزول وهدى وصفي. ولا ريب ان كل تقويم - في أي أمر أو أي جهة - لن يخلو من لمسة أهواء. لكن الراجح على أحكام اللجنة واختياراتها هو الموضوعية والخلوص النسبي من الغرض. ولذا فإن الهجوم السنوي الدائم على الفائز والتحكيم لم يكن كله لمصلحة الأمانة والحق وكان أبرز مثال على ذلك هو الهجوم على سمية رمضان وروايتها "أوراق النرجس" الفائزة في العام الفائت. وعلى رغم هزال مبلغ الجائزة ألف دولار ومع أن الأمر كله لا يخلو من شبهة تجارية إذ تحصل لجنة النشر والترجمة المنظمة للجائزة على نسبة 50 في المئة من مبيعات ترجمات نجيب محفوظ ومن ترجمات الفائزين فإن المعنى الأدبي وراء الفوز هو القيمة الأساسية التي يتطاحن عليها المتطاحنون. ومع أن الجوائز لا تصنع أدباء سواء كانت جوائز وطنية أو أجنبية، أهلية أو رسمية، محلية أو عالمية فإن الزوابع التي تثيرها هذه الجائزة كل عام هي أكثر الزوابع إثارة، نظراً الى تعلقها - الواهي أو العميق - بالولاياتالمتحدة الأميركية، التي يسميها معظم العرب "رأس الشر" في الكون. الاحتفال اجنبي والادب عربي شاعت في العقود الأخيرة ظاهرة احتفال بعض الدول الأجنبية ببعض نجوم الأدب والفن العربيين وسام فارس من رتبة الذي تمنحه فرنسا لبعض الأعلام العرب. وهذ ظاهرة تعبّر، في شقها الإيجابي، عن تواصل الثقافات وتحاور الحضارات، وإن عبّرت في شقها السلبي، عن غرض "في نفس يعقوب" هو رغبة الدولة المانحة في الظهور بمظهر حضاري نظيف، وفي احتواء الثقافة الممنوحة احتواءً يبدو قفازه حريراً. وأنت لا تستطيع أن تقول لدولة أجنبية لا تحتفلي بأديب عربي! لكنك في الوقت ذاته تسأل نفسك: لماذا لا تقوم مؤسسة وطنية مصرية أو عربية بهذا الاحتفاء؟ لماذا لم تخصص واحدة من المؤسسات الثقافية المصرية مثل جامعة القاهرة أو اتحاد الكتاب أو هيئة الكتاب أو المجلس الأعلى للثقافة جائزة باسم نجيب محفوظ، لئلا يظل "الآخرون" يحتفلون بأعلامنا، ونحن ضيوف على احتفالهم بنا، وكأن لا ناقة لنا ولا جمل، ونتركهم يستثمرون ذلك كيفما يستثمرونه، فيما نحن غارقون في "الشبهة" أو "درء الشبهة"! صحيح أن الجامعة الأميركية في القاهرة هي غير "الولاياتالمتحدة الأميركية" - امبراطورية الشر الراهنة - وصحيح أن أنشطتها الثقافية تتم بقدر قليل أو كثير من الليبرالية، ومع ذلك فإن الصلة العضوية الوثيقة بين الجامعة الأميركية في القاهرة وبين الولاياتالمتحدة الأميركية بصفة الأولى إحدى المؤسسات الرسمية للثانية جعلت الفرد منا يتمنى لو أن المثقفين المصريين من متقدمين للجائزة ومن محكمين فيها ومن فائزين بها ومن جمهور احتفالها قاطعوا هذا العام على الأقل تلك الجائزة وما يصاحبها من احتفال ومهرجان، حتى تكون هذه المقاطعة رسالة واضحة الى الإدارة الأميركية المتطرفة، فحواها رفض الانحياز الأميركي المطلق للفاشية الصهيونية، ورفض التجهيز المتغطرس للإجهاز على العراق، ورفض الهيمنة الأميركية على العالم. ولئلا نكون مساهمين في تكوين ذلك المشهد المتناقض، المرير. مثقفون مصريون وعرب يحتفلون بفوز أحدهم بجائزة نجيب محفوظ في القاعة الشرقية للجامعة الأميركية في القاهرة ويشربون الكولا وبعضهم يرفض شربها لأنه يقاطع البضائع الأميركية ويأكلون الحلويات، بينما هناك الآلاف من المواطنين الأميركيين يتظاهرون في مئة مدينة أميركية ضد السياسة الأميركية المتجبرة في العراقوفلسطين وشتى بقاع العالم الحزين! * شاعر وناقد مصري.