استطاعت جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي التي تمنحها الجامعة الاميركية في القاهرة في كانون الاول ديسمبر من كل عام، أن تثير جدلاً مستمراً كلما أُعلن عن اسم الفائز بها من الادباء والروائيين المصريين أو العرب، بل ان اعلان اسم الفائز بالجائزة كل عام صار بمثابة "اعلان حرب" في الوسطين الثقافيين المصري والعربي على حد سواء، على رغم أن العائد المادي للجائزة ضئيل جداً مقارنة بالكثير من الجوائز الثقافية والادبية العربية الاخرى اذ ان القيمة المادية مجتمعة لهذه الجائزة لا تتعدى الألف دولار أميركي، الى جانب ترجمة العمل الفائز الى اللغة الانكليزية وتسويقه في اميركا والعالم. لكن أهمية الجائزة، ومصدر الجدل في ان تأتي من كونها اقترنت باسم نجيب محفوظ وتمنحها دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة مالكة حقوق ترجمة أعمال محفوظ الى الانكليزية، اضافة الى حملة الترويج والاعلان التي ترافقها. وتجدد الجدل أخيراً عندما منحت الجائزة في الحادي عشر من كانون الاول ديسمبر الجاري، وفي عيد ميلاد نجيب محفوظ التسعين، الى الكاتبة المصرية سمية رمضان عن روايتها الاولى "أوراق النرجس" التي صدرت في العام الاخير عن دار نشر "شرقيات" في القاهرة. إذ سادت حال من عدم الرضا بين المثقفين المصريين، على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم، فور الاعلان عن اسم الكاتبة الفائزة، وبدأت الاقاويل تتناقل عن المعايير التي تمنح على أساسها الجائزة، خصوصاً أن سمية رمضان لا تملك الحضور القوي في الوسط الثقافي عموماً والروائي خصوصاً، على رغم ان بعض الصحف الادبية المتخصصة، وفرت لكتابات رمضان مساحات نشر حسدها عليها كتّاب كثيرون، وربما زاد من اسباب تفشي حال عدم الرضا هذه ان الرواية الفائزة بالجائزة هي الاولى لصاحبتها التي لم تصدر من قبل سوى مجموعتين قصصيتين. نقطة اخرى أثارت اللغط هذا العام وتتعلق بلجنة تحكيم الجائزة "الثابتة" منذ أعوام من دون تغيير أو تبديل، على عكس لجان التحكيم في الجوائز الثقافية الاخرى التي تتغير سنوياً تأكيداً لنزاهة الجائزة ولجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ للإبداع الروائي تستمر بأعضائها أنفسهم منذ سنوات من دون تغيير. وهم: فريال غزول، هدى وصفي، عبدالمنعم تليمة، عبدالقادر القط ومارك لينز رئيس قسم النشر في الجامعة الاميركية في القاهرة. والتغيير الوحيد الذي طرأ على هذه اللجنة كان اضطرارياً، عندما توفى الناقد الكبير علي الراعي فتم استبداله بالناقد عبدالقادر القط اضافة الى تغيير آخر، لم تنوه عنه الجائزة أو الجامعة الاميركية، وهو المتعلق بانسحاب أو استبعاد أو إبعاد الناقد الاميركي ديفيد جونسون ديفيد عن لجنة التحكيم. شكر ونقد هذه النقطة الاخيرة تحديداً، تدفع الروائي والكاتب يوسف القعيد الى تأكيد شكره العميق للجامعة الاميركية لتبنيها جائزة تحمل اسم نجيب محفوظ لكنه في الوقت نفسه يؤكد وجود عدد من النقاط غير الواضحة في المعايير التي تمنح على اساسها الجائزة، بغض النظر عن الفائزة بها هذا العام، وتتمحور نقاط القعيد في انعدام الشفافية والوضوح بخصوص الترشيح للجائزة، وفي لجنة التحكيم التي لا تتغير منذ أعوام، وفي انفتاح الجائزة على الكتّاب المصريين والعرب على حد سواء، بل وانفتاحها على انواع اخرى غير الرواية، على رغم اقترانها باسم ابرز وأهم روائي عربي. يقول القعيد: "المشكلة في رأيي أن هناك غموضاً يلف الجائزة ومعاييرها، وإذ منحت من قبل للشاعر الفلسطيني مُريد البرغوثي عن كتابه النثري "رأيت رام الله"، كما مُنحت لاسم الكاتب الكبير يوسف ادريس بعد رحيله، إذاً يصبح التساؤل هو: ما هي المعايير التي تحكم منح هذه الجائزة، ومن الذي يرشح الاسم الفائز، ومن هم المسؤولون عن اختيار أفراد لجنة التحكيم التي لم تتغير منذ سنوات، وكيف تكون لجنة التحكيم ثابتة طوال هذه الفترة؟ كل هذه علامات استفهام تجب الاجابة عنها، على الاقل لكي تكون المسائل واضحة وجلية لنا نحن قبل غيرنا، اضف الى ذلك استفساراً آخر، وعلامة استفهام جديدة. إلى أي مدى تتقارب الجائزة مع الموقف السياسي الاميركي تجاه مشكلة الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي؟ فعدم الشفافية هذه تجعلني في حيرة أزاء عدم ترشيح روائي فلسطيني مثلاً لنيل الجائزة هذا العام، لأن هذا لو حدث لكان الاجدر بلجنة التحكيم أن تمنحه الجائزة فقط لاثبات حيادية الامر، وتأكيداً على بُعد الشقة بين الجامعة الاميركية في القاهرة وبين الموقف السياسي الرسمي للولايات المتحدة الاميركية تجاه قضايانا، أما عن نص سمية رمضان الروائي "أوراق النرجس" فلم اقرأه حتى الآن، ومن ثم لا استطيع تقويم الجائزة، لأن هذا التقويم يتطلب مني معرفة الاعمال التي كانت تنافس رواية رمضان، ولكن لأن المسؤولين عن جائزة نجيب محفوظ ينتهجون السرية في كل ما يخص الجائزة والمرشحين وحتى معايير الحصول عليها، فلن استطيع تقويم الأمر بصورة صحيحة". هذه الاعتراضات التي ساقها الروائي يوسف القعيد عبرت عن جذور حال عدم الرضى التي اشرنا اليها بداية، والتي اجتاحت الروائيين والمثقفين المصريين، خصوصاً أن خبر حصول سمية رمضان على الجائزة سُرِّب ونشر في صحيفة ادبية قبل اسبوع واحد من الاعلان الرسمي عن الجائزة، وهو ما يضع علامة استفهام اخرى، تضاف الى ما ذكره القعيد. استحقاق وجدارة اما الروائي والكاتب محمد البساطي صاحب "صخب البحيرة" فتحدث بهدوء مشيراً الى ان نص سمية رمضان الروائي هو على درجة كبيرة من الاجادة بكل المقاييس، وانه يستحق الجائزة عن جدارة، قائلاً: "أنا مع منح الجائزة للكتابات الشابة، وأعترض على أن يتطلع اليها احد من الكتاب الكبار، أولاً لأنهم قطعوا مشواراً طويلاً مع الكتابة، وحققوا شهرة وانتشاراً يجعلهم في غير حاجة للحصول على الجائزة، وثانياً لأنها ستكون تشجيعاً للكتاب الشبان لتأكيد موهبتهم الحقيقية، وإذا كان الاعتراض مرده الى أن هذه الرواية هي الأولى لصاحبتها، أذكّر المعترضين بأن الكاتبة الجزائرية احلام مستغانمي نالت الجائزة نفسها منذ اعوام عن روايتها الاولى، وأن سمية رمضان نالتها عن روايتها الاولى، ولكن ايضاً عن كتابها الادبي الثالث إذ اصدرت من قبل مجموعتين قصصيتين". وإذا كانت الناقدة ماري تريز عبد المسيح استاذة الأدب الانكليزي والمقارن في جامعة القاهرة تشير صراحة الى ان الضمان الوحيد لنزاهة الجائزة هو عدم تكتل نخبة من المحكمين المنتمين لمؤسسات ثقافية تتشابه ادوارها، والابتعاد عن "المثقف الوظيفي" الذي يخدم مؤسسات بعينها ويختص بتشريع ما هو قائم، فإنها ايضاً تشير الى وجوب استعانة لجان تحكيم مثل هذه الجوائز بالمثقف المعارض، "المناهض للخطاب المؤسسي المهيمن، والقائم بدور فاعل في الميدان الثقافي العام، على الاقل لضمان تمثيل الاصوات المقموعة". هذه الاعتراضات مجتمعة، دفعت الناقدة هدى وصفي عضو لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ للابداع الروائي الى التأكيد بداية أن الجائزة، "تُعطى لنص وليس لإسم، او لمجمل اعمال كاتب ما، ومن ثم فالجائزة لا تعنيها شهرة سمية رمضان او عدم شهرتها، لانها تمنح لنص عنوانه "اوراق النرجس" ناهيك بتواضع قيمتها المادية، ما يجعل ميزتها الوحيدة تنحصر في ترجمة العمل الفائز الى اللغة الانكليزية"، ولا ترى هدى وصفي غضاضة في الاعتراض على الفائز بالجائزة، ما دام هذا الاعتراض يأتي بلا افتعال أو اتهامات تطاول لجنة تحكيم الجائزة، ف"الجدل شيء جيد وصحي، ومنذ أن بدأت هذه الجائزة لا يمر عام واحد من دون مشكلات واتهامات واعتراضات لا حصر لها، ولذلك أدعو اصحاب الاتهامات الى قراءة الرواية بحيادية، لانهم سيكتشفون محاولة ادبية وروائية لاقتناص مناطق خصبة وجديدة في العمل الروائي العربي، لروائية استفادت من علم النفس والتجربة الذاتية لها في الخارج. هذا عن الرواية، أما عن لجنة التحكيم فأقول انها تقوم على موازنة جيدة بين المتخصصين في النقد سواء في الدراسات الانكليزية او الفرنسية او العربية، وكل أعضاء لجنة التحكيم مشهود لهم بالكفاية والنزاهة والامانة العلمية، أي انهم لن يبيعوا ذمتهم لإرضاء كاتب ما، خصوصاً انه لا مقابل مادي يذكر يمنح لاعضاء لجنة التحكيم، فهو عمل تطوعي ليس إلا". أما الكاتبة سمية رمضان الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للابداع الروائي للعام 2001 فرفضت تماماً الخوض في الحديث عن اعتراضات بعض المثقفين على نيلها الجائزة، واكتفت بقول جملة واحدة، هي: "هذه الجائزة لا تعني شيئاً عندي سوى أنها تحمل اسم نجيب محفوظ وهو ما يكفيني ويسعدني!