قدم رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد استقالة حكومته بعد الزلزال السياسي في تركيا، وحذا حذوه زعماء الاحزاب التقليدية باعلان اعتزالهم العمل السياسي، فيما انصرف حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب اردوغان الى البحث في تشكيلته الحكومية بعد اكتساحه الانتخابات. واستقبلت اوروبا واليونان فوز "العدالة والتنمية" بترحيب حذر، مفضلة انتظار افعاله قبل الادلاء بتعليق جدي. وفي وقت تظاهرت ردود الفعل الاسرائىلية على صعود التيار الاسلامي الى الحكم في تركيا ب"عدم القلق"، نقلت الصحف العبرية عن مصادر امنية رفيعة المستوى في تل ابيب اعتبارها فوز حزب العدالة والتنمية "كارثة من وجهة النظر الاسرائىلية". أنقرة، الناصرة، برلين، باريس، لندن - "الحياة" - قدم رئىس الوزراء التركي بولند اجاويد استقالة حكومته بعد الهزيمة الكبيرة التي منيت بها احزاب الائتلاف الحكومي والتي وصفت بالفضيحة، خصوصاً ان حزب اليسار الديموقراطي بزعامة اجاويد والذي فاز بانتخابات عام 1999 بنسبة 22 في المئة، لم يحصل هذه المرة سوى على 2 في المئة فقط. وضرب الاحزاب السياسية التركية العريقة زلزال سياسي بعدما بقيت غالبيتها خارج البرلمان الذي لم يدخله سوى حزبا العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري. واعلن كل من مسعود يلماظ ودولت باهشلي وتانسو تشيلر عن عزمهم تقديم استقالاتهم عن زعامات احزابهم، واعتزالهم العمل السياسي في شكل عام، فيما اكتفى اجاويد بالقول بأنه سيعتزل العمل السياسي بعد عام. وكانت نتائج فرز الاصوات أسفرت عن حصول حزب العدالة والتنمية على 34 في المئة من اصوات الناخبين ليحتل بذلك 363 مقعداً في البرلمان من اصل 550 ويضمن تشكيل الحكومة التركية الجديدة بمفرده. وتبعه حزب الشعب الجمهوري اسسه مصطفى كمال اتاتورك بزعامة اليساري دنيز بايكال والذي حصل على نسبة 19 في المئة، ليضمن بذلك 179 مقعداً في البرلمان، إضافة الى 8 نواب مستقلين من بينهم فاضل اجوندوز رجل الاعمال الهارب خارج تركيا والمطلوب من الانتربول الدولي، ومحمد اغار وزير الداخلية السابق والمتهم بالضلوع في اكبر قضية فساد سياسي في تركيا. واخفق حزب الطريق الصحيح بزعامة تانسو تشيلر في دخول البرلمان بفارق آلاف عدة من الاصوات اذ حصل على نسبة 5،9 في المئة وتبعه حزب الحركة القومية بنسبة 7،8، فيما حقق الحزب الشاب مفاجأة هذه الانتخابات بعد ان حصل على نسبة 7،7 وهي نسبة مرتفعة جداً بالنسبة الى كونه قد تشكل قبل 3 اشهر فقط من الانتخابات. وامتنع كل من نجم الدين اربكان ورجائي قوطان زعيم حزب السعادة الذي حصل على نسبة 3 في المئة فقط من الاصوات عن التعليق. ومن جانب آخر سادت اجواء من الحزن في محافظاتجنوب شرقي تركيا بعد فشل حزب العمل الديموقراطي الشعبي من دخول البرلمان اذ حصل فقط على 6 في المئة من مجموع اصوات الناخبين وذلك بشهادة مراقبين اوروبيين شهدوا بنزاهة الانتخابات في جنوب شرقي تركيا، ويتوقع ان يحدد حزب العدالة والتنمية مرشحه لرئاسة وزراء تركيا قريباً ليشكل بدوره الحكومة خلال الشهر الجاري. قلق في اسرائيل وتحفظ في اوروبا في وقت تظاهرت ردود الفعل الاسرائىلية على صعود التيار الاسلامي الى الحكم في تركيا ب"عدم القلق" على العلاقات بين انقرة وتل ابيب وبأن "اسرائىل ستتعامل مع اي حكومة منتخبة في تركيا"، نقلت الصحف العبرية عن مصادر امنية رفيعة المستوى في تل ابيب اعتبارها فوز حزب العدالة والتنمية الاسلامي بغالبية مقاعد البرلمان الجديد "كارثة من وجهة النظر الاسرائىلية" وخشيتها من انعكاسات هذه التطورات على صفقات الاسلحة والتعاون العسكري. وفي اول تعليق في تل ابيب، قال الرئىس الاسرائىلي موشيه كتساف انه ليس قلقاً من صعود حزب العدالة الى الحكم "لأن المصالح الوطنية للدولتين تقرر ان تبقى العلاقات بينهما جيدة". وتابع ان تركيا كانت دائماً دولة اسلامية "وعلى رغم ذلك كانت علاقاتنا طيبة"، مضيفاً انه يحترم ما قررته الديموقراطية التركية. لكن مصدراً امنياً اسرائىلياً رفيع المستوى ابلغ صحيفة "معاريف" قلق اسرائىل العميق من التطورات السياسية في تركيا واحتمال ان تؤدي الى المساس بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين من ناحية صفقات الاسلحة والمناورات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الوطنية وعشرات المسائل الاخرى. وكتبت صحيفة "هآرتس" ان قادة الاجهزة الامنية في اسرائىل سيقومون قريباً ب"تقويم الاوضاع" والانعكاسات المتوقعة لنتائج الانتخابات على العلاقات الامنية مع بلادهم، مشيرة الى ان "الاختبار الاول" لها سيكون منتصف الشهر المقبل، موعد اجراء مناورات عسكرية اسرائىلية - تركية - أميركية مشتركة في المياه الاقليمية لاسرائىل، متوقعة ألاّ تتراجع انقرة عن المشاركة فيها. وعلى رغم القلق الذي اعترى الحكومة الالمانية بعد فوز حزب العدالة والتنمية، رحبت برلين ب"الاشارات الايجابية" المقبلة من الحزب. وحذرت العسكر التركي من التدخل في مجرى العملية الديموقراطية التي جرت في البلاد. ودعا الناطق الرسمي باسم الحكومة الالمانية توماس شتيغ الى الانتظار قليلاً الى حين تشكيل الحكومة والاتفاق على برنامجها، للتعليق على التغيير السياسي الذي حصل في تركيا. وقال: "نحن نأمل وننتظر تشكيل حكومة مستقرة. والاشارات الاولية التي وصلت تلقيناها بالترحاب، ومن المهم لتركيا مواصلة التعاون مع صندوق النقد الدولي ومع النهج الموالي لأوروبا". وأعلن ان رئىس الجمهورية التركية سيزور ألمانيا في 27 الشهر الجاري ويجتمع ايضاً مع المستشار غيرهارد شرودر "وستكون مناسبة لمناقشة عدد من القضايا ذات الصلة" كما قال. وفي باريس، علق الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا ريفاسو على نتائج الانتخابات العامة في تركيا بالقول انها "تعبر عن ارادة الشعب التركي لتغيير سياسي مهم". وقال ان فرنسا "اخذت علماً بالتصريحات المختلفة الصادرة عن مسؤولي حزب العدالة والتطور، حول ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الاوروبي". وانها تعتبر ان "الاصلاحات التي تحققت في تركيا تعبر عن تقدم بالنظر الى معايير كوبنهاغن". وكانت تركيا قدمت ترشيحها لعضوية الاتحاد الاوروبي في كانون الاول ديسمبر 1999، لكنها لم تتمكن من التفاوض رسمياً مع الاتحاد حول هذا الترشيح بسبب عدم التزامها بعدد من الشروط منها تحديداً تلك المتصلة بالديموقراطية وحقوق الانسان. واعتبر الممثل الاعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا امس، انه يجب الحكم على الحكومة التركية المقبلة من خلال "افعالها" لكن يجب على الاتحاد الاوروبي ان يمنحها "اولاً" ثقته. اثينا تأمل من أنقرة التعاون اكد وزير الشؤون الاوروبية في الحكومة اليونانية تاسوس يانيتيس لصحيفة "تا نيا" اليونانية امس، ان اثينا "تريد التعاون والحوار" مع الحكومة التي سيشكلها حزب العدالة والتنمية. كذلك اكد وزير الدفاع اليوناني يانوس بابانتونيو للصحيفة نفسها ان اليونان "تأمل في اقامة علاقات ايجابية" مع الحكومة المقبلة في تركيا، مؤكداً ان اثينا "ستدعم المسيرة الاوروبية لتركيا". وقال ان "فوز حزب اردوغان بغالبية يفتح فصلاً جديداً على الساحة السياسية التركية، ونأمل في مواصلة التعاون والحوار والبحث عن حلول للقضايا المشتركة".