بلدية القطيف تطلق "مبادرة التوت القطيفي" بمشاركة 80 متطوعاً    مبادرة لتنظيف بحر وشاطئ الزبنة بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية والتطوعية    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    الأمير فيصل بن سلطان: مؤشرات 2024 تبرهن على حكمة القيادة وقوة عزيمة أبناء الوطن    "بر الشرقية" تُجدد التزامها المجتمعي في اليوم العالمي لليتيم 2025 م        بدرية عيسى: شغفي بالكلمة دفعني لمجال الإعلام.. ومواقع التواصل قلب نابض بحرية التعبير    افتتاح مستشفى الدكتور سليمان فقيه بالمدينة المنورة: أحدث التجهيزات وأفضل الخبرات لأفضل تجربة رعاية صحية    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا انفجار ميناء رجائي بمدينة بندر عباس    حسين الشيخ نائبا للرئيس الفلسطيني    قلصت الكويت وقت الإقامة والصلاة في المساجد ؟ توفيرا للكهرباء    أمة من الروبوتات    الأردن.. مصير نواب "العمل الإسلامي" معلق بالقضاء بعد حظر الإخوان    تفاهمات أمريكية سورية ومساعٍ كردية لتعزيز الشراكة الوطنية    ينتظر الفائز من السد وكاواساكي.. النصر يقسو على يوكوهاما ويتأهل لنصف النهائي    القيادة تهنئ رئيسة تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    أمير الشرقية: إنجازات نوعية لمستقبل تنموي واعد    أمير عسير: نجاحات متتالية لمستهدفات طموحة    أمير نجران: ترسيخ مكانة المملكة بين الدول    381 ألف وظيفة في قطاع التقنية.. 495 مليار دولار حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    حددت الشروط والمزايا..اللائحة الجديدة للاستثمار: تخصيص أراضٍ وإعفاءات رسوم للمستثمرين الأجانب    الآبار اليدوية القديمة في الحدود الشمالية.. شواهد على عبقرية الإنسان وصموده في مواجهة الطبيعة    ضبط أكثر من 19.3 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    أمير جازان: آفاق واسعة من التقدم والازدهار    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    برعاية سمو وزير الثقافة.. هيئة الموسيقى تنظم حفل روائع الأوركسترا السعودية في سيدني    خادم الحرمين: نعتز بما قدمه أبناء الوطن وما تحقق جعل المملكة نموذجاً عالمياً    برشلونة يكسب "كلاسيكو الأرض" ويتوج بكأس ملك إسبانيا    مدرب كاواساكي: قادرون على التأهل    قدامى الشباب ينتقدون نتائج توثيق البطولات    إطلاق مبادرة "حماية ومعالجة الشواطئ" في جدة    الجبير يترأس وفد المملكة في مراسم تشييع بابا الفاتيكان    المملكة تقفز عالمياً من المرتبة 41 إلى 16 في المسؤولية الاجتماعية    فخر واعتزاز بالوطن والقيادة    اللواء عطية: المواطنة الواعية ركيزة الأمن الوطني    1500 متخصص من 30 دولة يبحثون تطورات طب طوارئ الأطفال    الأميرة عادلة بنت عبدالله: جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان عززت المنافسة بين المعاهد والبرامج    خطى ثابتة نحو مستقبل مُشرق    تدشين الحملة الوطنيه للمشي في محافظة محايل والمراكز التابعه    رئيس مركز الغايل المكلف يدشن "امش30"    قدراتنا البشرية في رؤية 2030    اكتشاف لأقدم نملة في التاريخ    الذهب ينخفض 2 % مع انحسار التوترات التجارية.. والأسهم تنتعش    الحكومة اليمنية تحذر موظفي ميناء رأس عيسى من الانخراط في عمليات تفريغ وقود غير قانونية بضغط من الحوثيين    800 إصابة بالحصبة بأمريكا    فواتير الدفع مضرة صحيا    الذكور الأكثر إقبالا على بالونة المعدة    الأهلي يكسب بوريرام بثلاثية ويواجه الهلال في نصف نهائي النخبة الآسيوية    القيادة تهنئ تنزانيا بذكرى يوم الاتحاد    السعودية تعزي إيران في ضحايا انفجار ميناء بمدينة بندر عباس    32 مليون مكالمة ل 911    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرسالة الجوابية من مثقفين أميركيين إلى زملائهم في المملكة العربية السعودية : حيث نتفق ونختلف ودعوة إلى الحوار العاقل ... و3 أسئلة تستحق الإجابة والتوضيح
نشر في الحياة يوم 23 - 10 - 2002

واشنطن "الحياة" - بعث مثقفون أميركيون برسالة جوابية الى مثقفين سعوديين كانوا علقوا على رسالة أولى "أميركية" وعرض الجواب لنقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف ونقاط أسىء تفسيرها، وشدد الدعوة الى مواصلة الحوار العاقل، طارحاً ثلاث اسئلة رأى المثقفون الاميركيون ضرورة توضيحها والاجابة عنها. وهنا نص الرسالة
تشرين الأول أكتوبر 2002
حضرة الزملاء الأعزاء
نشكر لكم رسالتكم الصادرة أخيراً "على أي أساس نتعايش؟" والتي نشرت في أيار مايو من العام الجاري في الرياض ووقعها 153 منكم، رداً على رسالتنا "على أي أساس نقاتل؟" والتي كان ستون منا أصدروها في العاصمة الاميركية واشنطن، في شباط فبراير الماضي 1. ونحن نرحب بردّكم.
كما اننا ندرك ان قراركم الشروع بالكتابة إلينا، وما تضمنه ردكم من الآراء، دفع بعضهم الى انتقادكم علناً في بلادكم 2. فنحن نقدر الروح الحضارية والرغبة في التفاهم اللتين تظهران جلياً في ردكم. ونحن، انطلاقاً من هذه المشاعر عينها، نود هنا متابعة الحوار.
حيث نتفق
إنكم تنطلقون من النص القرآني الكريم ومن سنة الرسول لتؤكدوا ان الانسان "من حيث كينونته هو مخلوق مكرم"، وان قتل النفس الانسانية بغير حق هو بالتالي اعتداء على الله وخيانة للدين. وتذكرون انه لا يجوز إكراه أحد في دينه، وان العلاقات بين البشر لا بد من ان تكون قائمة على الاخلاق الكريمة. وتشيرون الى ان العدل مفهوم عالمي، وان المعاملة العادلة هي حق غير قابل للتصرف لكل إنسان.
ونحن ننوّه بتشديدكم الصريح على عالمية هذه القيم الانسانية الأساسية، ونعلن موافقتنا عليها. وانتم تشيرون الى أن هذه القيم "قيم انسانية عامة" بما أنها "متفقة مع الفطرة". وتوضحون ان القيم والمبادئ التي اتيتم على ذكرها في ردكم "تتفق بقدر مشترك مع بعض الأسس التي أوردها المثقفون الاميركيون في بيانهم"، وأن قدر الاتفاق على هذه المسائل الفلسفية المبدئية يشكل "أرضية جيدة للحوار". ثم انكم لاحقاً تشيرون في ردكم الى ان "بعض القيم الانسانية التي ذكرها المثقفون الاميركيون ليست قيماً اميركية بل انها متعددة المصادر تشترك فيها حضارات متنوعة من بينها الحضارة الإسلامية".
ونحن نوافق على هذا الرأي بشدة. لقد كانت رسالتنا بمعظمها محاولة لتقديم الطروحات الاخلاقية على أرضية عالمية. وردكم الذي يأتي الينا من أرض الحرمين ومهد الاسلام، وهو دين نحترمه، يضفي على هذه العالمية المنشودة المزيد من الزخم ويزيدنا ثقة بأنه قد يكون في الإمكان، على رغم الخلافات، التوصل الى فهم مشترك للشخص الانساني وللمجتمع المدني.
وفي إطار تشديدكم على أهمية العدالة، تؤكدون ان "الضمانات لتحقيق الأمن لا تفرض بالقوة فقط". ونحن نوافق على ذلك. وتحديداً، فإنكم في إطار نقدكم رسالتَنا تدعوننا، على ما يبدو، إلى تجنب اللجوء الى "لغة القوة". ونحن نقرّ بأهمية نصيحتكم هذه. غير أننا نذكّركم بأن السياسة، وهي المعنية بترتيب شؤون حياتنا بعضنا مع بعض، تُعنى جزئياً بالاستعمالات العادلة للقوة، فلا يسعها بالتالي التهرب من مسألة القوة. نرجو، اذن، أن توافقوا على أن من الأفضل الإقرار بهذا الأمر صراحة، بدلاً من افتراض شرط غير متعارف عليه في الممارسة السياسية الفعلية، بل أيضاً في الممارسة الدينية.
وأنتم تشددون على أن الاسلام كدين ليس "عدواً للحضارة" أو "عدواً لحقوق الانسان". ونحن نوافق تماماً. وانتم تشيرون إلى أن العنف السياسي والمتطرف ليس "خاصاً بالمفهوم الديني" أو "ليس مرتبطاً بديانة معينة". ونحن نوافق تماماً على ذلك أيضاً.
وفي هذا السياق، فإننا نذكر، ويا للأسف جنوح بعض الأميركيين الى الإدلاء بآراء متهورة في شأن الدين الاسلامي وأخرى تتوخى الأذى به . وبعض هذه الآراء تناقله وسائل الاعلام بكثافة. على ان الدلائل تشير في الوقت نفسه الى أن هذه الآراء لا تعكس وجهة نظر الغالبية العظمى من المواطنين الاميركيين.
وانتم تدعوننا كمثقفين اميركيين الى "مراجعة جادة" لموقفنا من الاسلام، ومدّ جسور الحوار مع المفكرين المسلمين البارزين والذين يمثلون الفكر الاسلامي العريض. وهذا هو تحديداً ما نسعى إليه، وأحد مظاهره رغبتنا في الجواب على رسالتكم.
حيث نسيء فهم بعضنا بعضاً
للأسف، إن استعمالنا المتكرر في رسالتنا لعبارة "القيم الاميركية" أدى الى بعض الارباك والابهام، كما يظهر من اعتراضكم في ردكم على ما اعتبرتموه دعوة من الولايات المتحدة موجهة إلى المسلمين لاعتناق "المبادئ الاميركية". والواقع أن قصدنا كان صياغة طروحاتنا في إطار عالمي شامل، غير مقترن بأية خصوصية وطنية أو فردية. وكان علينا توضيح هذا القصد توضيحاً أفضل. ونحن هنا نعلن قناعتنا بأن القيم الأساسية التي ننطلق منها ليست خصوصية على الاطلاق.
ونحن في رسالتنا كتبنا أن "أفضل ما نطلق عليه في الولايات المتحدة بحسب الصيغة الشائعة تسمية "القيم الاميركية" ليس حكراً على أميركا بل هو إرث مشترك للانسانية جمعاء". إضافة الى ذلك، فإن ما سميناه "القيم الاميركية" يعكس في بعضه ما جاء ليُثرينا من التقاليد والمفاهيم التي حملها المهاجرون الوافدون إلينا من مختلف المجتمعات في أرجاء العالم معهم. ففي هذا الاطار، نجد أن تأكيدنا عالمية القيم الانسانية الأساسية يشابه الطروحات التي تقدمتم بها في رسالتكم.
وثمة جانب آخر من جوانب سوء التفاهم على ما يبدو ينبع من استعمالنا المصطلحين الانكليزيين SECULAR وSECULARISM. فرسالتكم تشير الى أننا نحبذ العلمانية، والواقع أننا في رسالتنا نرفض العقيدة العلمانية المتشددة العلمانوية التي نعرّفها أنها "نظرة الى العالم قائمة على رفض الدين أو العداء للدين". لكننا، من جهة اخرى، ندافع عن مبدأ الحكومة الدنيوية، ونقصد به النظام الدستوري الذي لا يمنح رجال الحكم السلطة انطلاقاً من مكانتهم في الهرمية الدينية أو على أساس تعيين السلطات الدينية إياهم في مناصبهم. فتحبيذ الدولة "الدنيوية" ليس اذن اعتناقاً للعقيدة العلمانية المتشددة العلمانوية. بل خلاف ذلك صحيح على الغالب بالنسبة إلينا. ولذلك كتبنا ان "الولايات المتحدة تكون في أفضلها حين تسعى إلى أن تكون مجتمعاً يجمع الايمان والحرية، وكل منهما يرتقي بالآخر". وقلنا أيضاً انه "من الجانب الروحي، فإن فصل الدين عن الدولة يسمح للدين بأن يكون ديناً، عبر نزعه من السلطة القاهرة للحكومة".
وبعض سوء التفاهم هذا قد يعود الى صعوبة التعريب. فعلى سبيل المثال، ان المصطلح العربي "العلمانية" قد يُفهم أنه ينطوي على العداء للدين، غير أنه يستعمل عادة أساساً لتعريب كل من المصطلحين الانكليزيين SECULAR وSECULARISM. فقد يكون المطلوب استعمال مصطلح "دنيوي" الذي لا ينطوي على أي عدائية إزاء الدين للتعبير عن المفهوم الذي نحبّذ.
وبشكل عام، فإن انتشار العقيدة العلمانية المتشددة العلمانوية والنتائج المترتبة عليها في الولايات المتحدة وغيرها من المجتمعات الغربية، والعلاقة في كل المجتمعات بين الايمان الديني وحرية المعتقد، هي من المسائل المهمة التي تستحق المتابعة والحوار فيها بعضنا مع بعض.
حيث نختلف
نقطة الخلاف الأولى بيننا وبينكم هي في أنكم في رسالتكم لا تأتون إطلاقاً على ذكر دور مجتمعكم في احتضان العنف "الجهادي" 3 وفي حمايته ونشره، وهو العنف الذي يهدد العالم بأسره اليوم، بما فيه العالم الاسلامي.
فعلى سبيل المثال، عند الإشارة الى الضحايا الأبرياء الثلاثة آلاف الذين سقطوا في اعتداء الحادي عشر من ايلول سبتمبر، لا تتحدثون عن "منفّذين" فحسب، بل عن "المنفذين المفتَرضين". وهذه العبارة تؤلمنا وتخيّب أملنا. كيف يسعنا أن نصدق أنكم لا تعلمون أن 15 من أصل 19 من المهاجمين هم من التابعية السعودية؟ وان زعيمهم اسامة بن لادن هو في الاصل سعودي؟ أو ان تنظيم القاعدة الذي أرسلهم قد حصل على مدى السنين على الدعم المالي المهم من البعض في بلادكم؟ أو أن نسبة مرتفعة من المقاتلين التابعين ل"طالبان" ول"القاعدة"، والذين قبضت عليهم الولايات المتحدة في أفغانستان، هم من السعوديين؟ أو أن انتشار العنف الذي تقدم عليه الجماعات الاسلامية في أنحاء العالم، من أفغانستان الى أندونيسيا والولايات المتحدة، يمكن تتبع أصوله، في بعضه على الأقل، الى الدعم المالي والسياسي والديني من مصادر في بلادكم؟
هذه الوقائع معروفة جيداً، وليس ثمة خلاف على حقيقتها الموضوعية. لكن رسالتكم توحي بأن هذه الوقائع ليست وقائع على الاطلاق، بل "افتراضات"، وان المسألة برمتها، أي من هم الارهابيون ومن يدعمهم، خارجة عن موضوع الأزمة الحالية.
ونحن ندرك بعض الاسباب الممكنة التي تدفعكم الى تجنب النقاش في الموضوع. غير اننا لو كنا، مثلاً، قد كتبنا أن بلادنا في تاريخها قد شهدت تجربة الاسترقاق "المفترض"، او أن سكان البلاد الأصليين الهنود قد تعرضوا لظلم "مفترض"، لكنا توقعنا منكم ان تردوا، بحق، أن هذا الإنكار المبدئي للوقائع ينفي امكان الحوار الصادق. وقياساً، وفي سبيل متابعة الحوار في ما يتعدى هذه الرسالة، نطلب منكم باخلاص أن تقدموا إلينا رأيكم الصريح في ما يتعلق بالدور المهم للبعض في مجتمعكم في اعتداء 11 أيلول، كما في انتشار العنف الذي تقترفه الجماعات المتذرّعة بالاسلام في أرجاء العالم.
وانتم تكتبون "ان الولايات المتحدة لو اعتمدت العزلة عن العالم داخل حدودها" فإنه لم يكن ليعني المسلمين ما تعتنقه وتمارسه من مبادئ وقيم. وهذا القول صادق، على الأقل في بعضه. لكننا لا نعتقد بأن من الحكمة لبلادنا او لأية بلاد أخرى في هذا الصدد أن تعتمد "العزلة عن العالم داخل حدودها". ونحن نشير هنا الى أن الكثير من الشخصيات والمجموعات من بلادكم تنشط في ترويج مفهومها للدين الاسلامي لا في الولايات المتحدة فحسب، بل في كثير من الدول الاخرى التي لا نية لها ولا قدرة على التأثير الفاعل خارج حدودها.
وانتم تكتبون أن "غالبية الحركات الاسلامية في العالم الاسلامي وغيره تمتلك قدراً ذاتياً من الاعتدال، من المهم المحافظة عليه". ونحن لا نزعم أننا على اطلاع دقيق على الوضع الحالي والاتجاهات المستقبلية للمواقف العقائدية في العالم الاسلامي. لكننا على بيّنة من التجاذب القائم في هذا العالم بين الدين الاسلامي، والذي نقرّ بعظمته ونحترمه، والجماعات السياسية الدينية المتشددة الرافضة لتسامح والتي تدعي خطأ برأينا رفع لواء الاسلام. وازاء الحديث عن "المحافظة" على الوضع الحالي، نشير الى أن هذا الوضع يقوم على مقتل الاعداد الكبيرة من الأبرياء، منهم المسلم وغير المسلم، على أيدي جماعات اسلامية متشددة، بعضها يجد الدعم والتشجيع في بلادكم، وبعضها يسعى الى اقتناء السلاح الكيماوي والجرثومي والنووي. فنحن، بالتالي، لا نرغب اطلاقاً في المحافظة على الوضع القائم.
وفيما تعترضون على ما تعبرونه "إدارة الصراع" في الولايات المتحدة، تكتبون أن "الاستقرار أساس الحقوق والحرية في العالم". ونحن هنا نعتبر أنكم الى حد كبير قد قلبتم السبب والنتيجة. ذلك أننا نعتقد بأن الحقوق والحرية هما أساسا الاستقرار. لذلك، فإن الاوضاع القائمة في الكثير من المجتمعات الاسلامية اليوم - حرية تعبير ضئيلة جداً، غياب النظم والمؤسسات الديموقراطية، اعتراف سيء للسلطات بحق حرية البحث الاكاديمي وغيره من حقوق الانسان الاساسية - تجعلنا نعتقد بأن الاستقرار في مجتمعكم، تماماً كما في غيره، يبقى مرتبطاً الى حد بعيد بالرغبة والقدرة لدى قادتكم والمثقفين لديكم، بإضافة الى عموم الشعب، في ان يسعوا الى تحقيق الحقوق الاساسية والحريات للجميع في مجتمعكم. ونحن نأمل هنا بأن تعتمد حكومتنا نهجاً أكثر وضوحاً وثباتاً في دعم التوجهات نحو الديموقراطية في العالم الاسلامي.
والفحوى التي تتكرر في رسالتكم، وتأتي كنتيجة وخلاصة لها، هي أن اعتداءات 11 ايلول، وأعمال العنف الذي تقدم عليه الجماعات الاسلامية عموماً، تقع مسؤوليتها في الدرجة الاولى على الولايات المتحدة نفسها وعلى حلفائها. أي ان رسالتكم في جوهرها تقول لنا إننا جلبنا المصيبة على أنفسنا. فأنتم على سبيل المثال تكتبون أن عدم الاستقرار في العالم الاسلامي جاء "تحت مظلة الغرب" وربما كان عائداً إلى "ممارساته المباشرة".
وتقولون ايضاً إن "كثيراً من التجمعات الاسلامية المتشددة - كما توصف - لم ترد ان تكون كذلك في أولى خطواتها، لكنها وضعت في هذه الدائرة" نتيجة للضغوط السياسية والعسكرية والاعلامية من الولايات المتحدة وحلفائها. وتصرون على أن هذا التبدل الاجتماعي الذي جاء نتيجة للضغوط الخارجية هو "الدافع الاكبر إلى التشدد في التجمعات والحركات الاسلامية". وانتم تشيرون تكراراً، في رسالتكم، إلى أن لجوء الولايات المتحدة إلى القوة العسكرية في مواجهة المجموعات الاسلامية يزيد من حدة هذا التبدل. وتشددون خصوصاً على أن اسرائيل والدعم الأميركي لها هما السبب الجوهري لكل المسائل التي تناقشونها في رسالتكم تقريباً.
ونحن ندرك أن السياسة الأميركية ذات تأثير مهم في أنحاء العالم، سلباً وايجاباً، وندرك أيضاً أنكم تختلفون مع هذه السياسة اختلافاً مبدئياً في موضوع الدعم الأميركي لإسرائيل. وهذه أمور تستحق بالفعل المناقشة، ويمكن الاختلاف فيها بصدق واخلاص.
وكثيرون منا، وربما كان بعضكم، عند التطلع قدماً، يأملون بأن يستتب الحل المقبل على دولتين، إسرائيل وفلسطين، كل منهما بمقومات الاستمرار والبقاء، وبالتجاور الآمن المسالم، لما فيه خير الشرق الأوسط وخير العالم أجمع.
لكننا في الوقت نفسه نطلب منكم أن تعيدوا النظر في التوجه السائد في رسالتكم والذي يلقي اللوم في في المشاكل التي يواجهها مجتمعكم، على الجميع إلا قادتكم ومجتمعكم. فبعض القادة السياسيين يجد فائدة في بعض الأحيان في اللجوء إلى إثارة البغض إزاء "الآخر" أو "العدو"، وذلك في سبيل تحويل أنظار الجمهور عن المشاكل الفعلية القائمة. ونحن ندعوكم، بصفتكم مثقفين، إلى إعادة النظر في ما إذا كان السبيل إلى التصدي للتحديات الملحة التي يواجهها مجتمعكم - من البطالة إلى غياب الحريات الديموقراطية وعدم النجاح في تحقيق اقتصاد عصري متنوع، واحتضان العنف الإسلاموي وتصديره - هو اللجوء إلى إلقاء اللوم على الآخرين من أفراد وأمم.
وللولايات المتحدة حصتها من المشاكل، وبعضها مشاكل خطيرة. فانتقاد الولايات المتحدة أمر مشروع، بل هو في رأينا أحياناً ضروري. وكثيرون منا يقومون بهذا الانتقاد على نحو متكرر. ولكن، من جهة أخرى، فإن تصاعد العنف الإسلاموي الذي يهدد العالم كافة، بما في ذلك العالم الإسلامي، لا يمكننكم، من المملكة العربية السعودية، أن تلقوا اللوم فيه على الغير فحسب، إذ في ذلك تجاهل غير مسؤول عن التصدي لأمورٍ لديكم لا بد من التطرق إليها.
ونحن نطرح عليكم هنا ثلاثة أسئلة تستحق في رأينا الاجابة والتوضيح: أولاً، هل تعتقدون بأن التقوى الإسلامية التي تلتزمونها في المملكة العربية السعودية، تتعارض مع ممارسات الحركات المسماة "جهادية"؟ ثانياً، إذا كان جوابكم عن السؤال الأول إيجاباً، فكيف تفسرون الدور البارز الذي اضطلع به عدد من السعوديين في اعتداءات 11 أيلول، كما في التصاعد المستمر للحركات المسماة "جهادية" كظاهرة تهدد العالم أجمع؟ وأخيراً، هل ترون أن على القادة الدينيين والمثقفين السعوديين والذين يعتبرون أن ثمة تعارضاً بين أحكام الإسلام وممارسات الجماعات الجهادية أن يعملوا فعلاً وعلناً على تبيان هذا التعارض وعلى نقض الأفكار والممارسات التي ينتهجها تنظيم "القاعدة" وما شابهه على أنها خاطئة وخطيرة؟ نحن في انتظار ردكم.
دعوة الى الحوار العاقل
في عالمنا اليوم الذي يهدده العنف والظلم، والذي تقلقه الحرب والحديث عن الحرب، والذي يخشى الوقوع في منزلق التناطح الديني بل الحضاري، هل من مهمة بالنسبة إلينا كمثقفين من الشرق والغرب أهم من إيجاد الزمان والمكان المناسبين كي نقيم الحوار العاقل، على أمل ايجاد الأرضية المشتركة لكرامة الشخص الانساني والشروط الأساسية للازدهار البشري؟
فنحن نتمنى أن نكون طرفاً في هذا الحوار معكم ومع غيركم من المثقفين من العالم الاسلامي. ونحن ندرك أن ليس من شروط سابقة لخوض هذا الحوار إلا صفاء النية، والإقرار بانسانيتنا المشتركة، والاستعداد والقدرة للشروع بنقد وتأمل ذاتيين كما بالنقد المتأني لوجهة نظر الآخرين. ونحن نعتبر ان اقدامكم على الكتابة الينا يشير الى أنكم تتفقون معنا في هذا التوجه. رجاؤنا إذن أن نجد السبيل لمتابعة هذا الحوار وتعميقه.
وفي الختام نشكركم مجدداً على رسالتكم.
التواقيع
جون أتلاس، جاي بيلسكي، ديفيد بلانكنهورن، ديفيد بوسورث، موريس بويد، جيرارد ف برادلي، ألان كارلسون، لورنس أي كننغهام، بول إيكمان، جون بثكي إلشتاين، أميتاي إتزيوني، إليزابيث فوكس-جينوفيز، هيلل فرادكين، صموئيل ج. فريدمان، فرانسيس فوكوياما، ماغي غالاغهر، وليم أي غالستون، كلير غودياني، روبيرت بي جورج، كارل غيرشمان، نيل غيلبرت، ماري آن غليندون، نورفال دي غلين، أوس غيننيس، ديفيد غوتمان، تشارلز هاربر، كيفين جاي "سيموس" هاسّون، سيلفيا آن هيوليت، الأب المحترم جون دبليو هاو، جيمس ديفيسون هنتر، بايرون جونسون، جيمس تورنر جونسون، جون كيلساي، دايان كنيبرز، توماس سي كوهلر، روبرت سي كونز، غلين سي لاوري، هارفي سي مانسفيلد، ويل مارشال، جيري إل مارتن، ريتشارد جاي موو، دانيال باتريك موينهان، جون إي مورّاي، آن دي نيل، فيرجيل نيموئيانو، مايكل نوفاك، الأب فال جاي بيتر، ديفيد بوبينو، غلوريا جاي رودريغيز، روبرت رويال، نينا شيا، فرد سيغل، ثيدا سكوكبول، كاثرين شو سباهت، ماكس إل ستاكهاوس، وليم تل الابن، ماريس آي فينوفسكيس، بول سي فيتس، مايكل ولتزر، جورج فيغل، روجير إي وليمز، تشارلز ويلسون، جيمس كيو ويلسون، جون ويت الابن، كريستوفر وولف، جورج فورغل، دانيال يانكيلوفيتش.
هوامش
1- يمكن الاطلاع على نص الرسالتين بالكامل باللغة الانكليزية، إضافة الى بعض التعليقات والتحليلات والنصوص الأخرى، على موقع "معهد القيم الاميركي" على الانترنت: www.americanvalues.org
2- بعض هذه الانتقادات نقلت في مقال نيل ماكفاركوار في صحيفة "نيويورك تايمز"، 12 تموز يوليو 2002.
3- اننا ندرك المعاني المختلفة لمصطلح "الجهاد" دينياً وتاريخياً. لكن الواقع أن ثمة مجموعات اسلامية تعتنق الدعوة إلى تغيير الوضع القائم بقوة السلاح لإقامة الحكم الاسلامي وفق تصورها، وتصف نفسها بأنها "جهادية". ولا شك في أن كثيرين من المسلمين يعتبرون أن هذه الجماعات استولت على مصطلح "الجهاد" وشوّهته، وكثيرون منا يوافقون على ذلك. على أن هذا الاستعمال اصبح بالفعل، وياللأسف، شائعاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.