الكلام كله على ذمة العلم والعلماء، خصوصاً اولئك الذين يفضلون ان يروا في الجينات والوراثة سبباً لكل ما يفعله الانسان. وتلك مقولة اختزالية وجزئية، لكن شاءت المصادفة ان تتبناها انثى وان تنقل عن بنات جنسها انجذابهن، من غير ارادة منهن، الى "عطر الاب"، مع الاعتذار من عنوان رواية عطر الوردة لأمير توأيكو، وكذلك رواية "العطر" للالماني سوسكند. فهل تفضل النساء فعلاً رائحة الاب على وسامة الحبيب؟ ذلك رأي الباحثة كارول أوبر وفريقها من جامعة "ايلينويز" في شيكاغو. وأرجعت الباحثة هذا الاختيار الى اثر الجينات التي ترثها البنت عن الاب. واكتشف الفريق ان الجينات التي تتدخل في تركيب حاسة الشم عند الابنة تأتيها من أبيها، وبذا تكون البنت اكثر استعداداً للانجذاب الى الروائح التي اعتاد ان يفضلها الأب. هل أن استمالة تلك الحسناء الغيداء، هي رهن بمعرفة العطر المفضل الذي كان يستعمله والدها؟ تصدت انثى ثانية الى هذا الضرب السقيم من التفكير الذي لا يرى في الانسان سوى حفنة من الجينات. ولفتت الباحثة واين بوت، من جامعة يوتاه، الى ان سلوك البشر واختياراتهم هي على درجة عالية من التعقيد، وان اثر الرائحة، اذا سلمنا بوجوده اصلاً، هو جزء صغير من العناصر المتعددة التي تتدخل في اختيار الانثى للرجل المفضل لديها. ويصعب اختتام هذا الخبر من دون تذكر... سيغموند فرويد، مؤسس مدرسة التحليل النفسي. ففي مطلع القرن العشرين، رأى فرويد ان "كل فتاة معجبة بأبيها"، وانها تعاني بالضرورة من انجذاب في أعماق لا وعيها الى كل ما يشبه الأب ورمزه وسلطته. ولربما رأى البعض في رأي فرويد ميلاً ذكورياً مضمراً. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، جاءت انثى لتقول رأي فرويد معدلاً ومنقحاً ومختزلاً الى رائحة وجينات. أليس من الافضل ان ننظر الى المرأه نفسها مباشرة، ونتعامل انسانياً مع عقلها وارادتها وميولها وعواطفها، بدل التطلع الى الماضي نحو الأب الراقد في اللاوعي، او المستقر في الجينات والرائحة؟ والارجح ان الصعود القوي لعلم الوراثة في العقود الاخيرة، نسج حولها هالة وحولها اسطورة. فما ان يعطى اي تفسير له علاقة مع الجينات، حتى يكتسب قوة مضافة. وتكاد تنسى العقول ان الجينات نادراً ما يكون لها الاثر الحاسم في اشياء الانسان. وفي أغلب الاحيان، فان ما تعطيه الجينات هو التأهيل والاستعداد.