تنحفر الروائح التي نتنشقها في مرحلة الطفولة، بداية من لحظة الولادة، في الدماغ بعمق، فكأنه بصدق «نقش في الحجر»، بحسب القول الشائع. ربما بدا ذلك أمراً بديهياً، لكنه تأكّد أيضاً على يد فريق علمي نشر دراسة واسعة عن الموضوع، بالارتكاز إلى صور الكومبيوتر عن الدماغ، في الدورية العلمية «كارنت بيولوجي» أخيراً. ودلّت الدراسة الى ان الروائح التي يتنشقها الإنسان في طفولته تحتل مكانة أعلى من غيرها في الدماغ. وفي حديث إلى هذه المجلة، قالت البروفسورة يارا يوشورن، التي قادت فريقاً متخصّصاً في «معهد وايزمان للعلوم» في إسرائيل: «وجدنا أن الارتباطات الأولى بين الأشياء ورائحتها، تنحفر بصورة مميّزة ومختلفة عن غيرها في الدماغ». وأشارت إلى أن الرائحة لديها مكانة خاصة في الجهاز العصبي للطفل، إذ أن الدراسة عينها وجدت ان الإرتباطات الأولى بين الأشياء والأصوات لم تنحفر بطريقة مماثلة في دماغ الطفل. والمفارقة ان الدراسة عينها دلّت إلى أن الارتباطات الطفولية بين الأشياء والرائحة، لا تعتمد على نوعية الرائحة، بل أنها تنحفر بالطريقة عينها، سواء كانت الرائحة جيدة أم سيئة. وأعرب باحثون شاركوا في الدراسة عن اعتقادهم بأن تذكر الروائح السيئة ربما ساعد الطفل على تجنّب الكثير من الأشياء المؤذية، ما يعني أن للذاكرة عنها دوراً مهماً في تطوره. وعلّقوا على نتائج الدراسة قائلين انها تنسجم مع الحس العام، إذ طالما فُتِن الشعراء والروائيون والفنّانون بالعلاقة بين الإنسان والرائحة (من ينسى رواية «العطر» لباتريك سوسكند؟)، لكنهم فوجئوا بأن من المستطاع البرهنة على تلك العلاقة علمياً. وعلى رغم أن هذه النتائج لا تمتلك تطبيقاً مباشراً في الوقت الحاضر، إلا أن الفريق العلمي الذي أنجز الدراسة رأى أنها قد تساعد مستقبلاً في استنباط وسائل لتدعيم الذاكرة.