نفذت اسرائيل مجزرة رهيبة في مدينة جنين امس مستغلة انشغال العالم بالحدث الاميركي، فقد شعرت ان "الدول المتحضرة" بدأت تفهمها، وأنذرت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات باتخاذ قرار تاريخي "بنبذ الارهاب"، فيما تعالت أصوات من اليمين واليسار تطالب شارون باجتياح كامل للأراضي الفلسطينية. راجع ص6 ولم يكن شارون في حاجة الى هذا التحريض، فبعد ساعات قليلة من التفجيرات في اميركا وانشغال العالم بأسره بالحدث الأميركي، حتى حرك دباباته ومجنزراته و"قواته الخاصة"، الى عمق الاحياء السكنية في مدينة جنين لتقتل الشبان وتفجر المنازل وتقصف البيوت الآمنة وفي ظل "العتمة" التي سادت العالم بأسره إلا نيويورك وواشنطن وسماء جنين. وحصدت اسرائيل في ساعات الليل عشرة ارواح من بينها طفلة في العاشرة، واصابت حوالى 100 بجروح وصفت جروح 13 منهم بأنها بالغة الخطورة. وقال شهود من جنين ل"الحياة" انه بعد ساعة من منتصف الليل، اقتحمت 13 دبابة مجنزرة، تغطيها المروحيات الحربية، ازقة المدينة وشوارعها ومخيمها وهي تقصف بشكل عشوائي وجنوني. وقال مروان ضراغمة: "احسسنا وكأن وحشا كاسرا بدأ يدك البيوت قبل ان يقتحم ابوابها الجنود وافراد القوات الخاصة وهم يفتشون ويضربون وينكلون بالجميع من دون استثناء". وجرت معركة في مخيم جنين وصفها شهود بأنها "بطولية"، استشهد خلالها ثلاثة مقاتلين في ساعات الفجر الاولى، واستمرت حتى الصباح قبل ان تنسحب القوات الاسرائيلية من وسط المخيم والمدينة مخلفة الدمار والرعب في قلوب 50 الف فلسطيني عزلوا عن العالم قبل ذلك بيوم واحد. وخرجت الغالبية الى الشوارع خوفاً من ان تتهاوى المنازل فوق رؤوسها، فيما دمر الجيش مركزاً وسط المدينة. وقبل ان تنهي اسرائيل مجزرتها في جنين، كانت تعد العدة لتنفيذ اخرى في قرى عرابة وطوباس وطمون. ودمرت سيارة تحمل خمسة مزارعين من طوباس في منطقة زرعها الجيش بأفراد القوات الخاصة الذين أمطروهم بوابل كثيف من الرصاص. وتحرك عدد من المقاتلين يقودهم مدير جهاز الامن الوقائي في المنطقة توفيق ابو شرار لاخلاء الجرحى من المكان الذي تحول الى "مصيدة" نصبتها طائرة الاباتشي لهم وقصفتهم من الجو ما ادى الى استشهاد ابو شرار واثنين من رفاقه وجرح 13 آخرون. واقتحم الجيش قرية طمون الخاضعة للسلطة الفلسطينية وزرع المتفجرات في قلب منزل والد الشهيد محمد جرادات الذي اغتالته قبل شهر ونصف الشهر ثم فجرته بعدما فر اهله هلعا وخوفا. اما عرابه، فكان نصيبها شهيدان من "الجهاد الاسلامي" والطفلة بلقيس العارضة ابنة العشر سنوات التي سارعت الى استشكاف ما حصل لمنزل شقيقها سفيان المجاور الذي جرح في الهجوم نفسه. وقدم وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر "النصح" الى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات باتخاذ قرار تاريخي - استراتيجي "بنبذ الارهاب" مشيراً الى ان ما يقوم به الفلسطينيون في مواجهة الاحتلال هو "الارهاب بعينه". وقال بكل وضوح ان اسرائيل تشعر الآن بحرية اكبر في الضغط العسكري على الفلسطينيين كما انها تتمتع بدعم سياسي دولي أفضل مما كان في السابق.