} أعاد الجيش الاسرائيلي احتلال معظم مناطق السلطة الفلسطينية، فيما استباحت الدبابات الاسرائيلية كل ما كان يعتبر خطاً أحمر في الاتفاقات الموقعة، بما يؤذن بالانهيار التام لاتفاقات اوسلو. وفي يوم جمعة جديد، شيع الفلسطينيون ستة شهداء سقطوا اول من امس، فيما استشهد خمسة آخرون امس، بينهم فلسطيني وفلسطينية في بيت لحم، وشرطي من "القوة 17" في رام الله، وشاب في مواجهات في غزة، وصبي في انفجار قذيفة. أعاد مشهد الدبابات الاسرائيلية وهي تصول وتجول في مناطق كانت، حتى الأمس القريب جداً، تعتبر محرمة على قوات الاحتلال الاسرائيلي، ومشهد فتية وشبان فلسطينيون يرشقون من خلف دخان الاطارات المشتعلة الجنود المتحصنين داخل آلياتهم المدرعة في قلب مدينة بيت لحم، التذكير بمشاهد الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينات. الاستثناء تمثل في سماع بعض رشقات الرصاص المنطلق من بنادق "كلاشنيكوف" التي يحملها المقاتلون الفلسطينيون وسط تصفيق وهتافات "الله اكبر" تخرج من حناجر راشقي الحجارة المتمركزين على احد زوايا "شارع ياسر عرفات". في ساعات الفجر الاولى وتحت جنح الظلام، اعاد الجيش الاسرائيلي احتلال أجزاء من بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا، لتضاف الى مناطق اعاد احتلالها في البيرة ورام الله وجنين في أوسع توغل عسكري إسرائيلي داخل الأراضي الواقعة تحت السيادة الفلسطينية. وجاء التوغل هذه المرة في ظل "انذار" اسرائيلي للسلطة الفلسطينية بان تنفذ الاوامر او يقضى علىها، وفي ظل اعلان الجيش الاسرائيلي ان بقاءه في المواقع التي احتلها "سيستمر الى اجل غير مسمى"، كما جاء بعد اغتيال ثلاثة من كوادر حركة "فتح"، من بينهم عاطف عبيات قائد "كتائب شهداء الاقصى" في منطقة بيت لحم، احد ابرز المطلوبين لدى قوات الاحتلال وما اعقبه من اطلاق نار باتجاه مستوطنة "غيلو". واستشهد فلسطيني وفلسطينية وأصيب 16 فلسطينياً وصفت جراح خمسة منهم بأنها خطيرة، فيما أصيب ثلاثة جنود اسرائيليون وصفت جراح احدهم بأنها خطرة جدا اثناء تصدي المقاتلين الفلسطينيين لقوات الاحتلال التي تمركزت في محيط فندقي "برادايز" و"انتركونتيننتل" في بيت لحم. واعتلى الجيش اسطح المنازل حيث نصب رشاشاته الثقيلة التي قصفت مخيمي العزة وعايدة في المنطقة. وفي الجزء الذي لا يزال محررا من المدينة، خرج نحو 15 الف فلسطيني في جنازة مهيبة لتشييع الشهداء الثلاثة وسط غضب وحزن شديدين وتوعد بالثأر والانتقام غير ملتفتين الى فوهات الدبابات وهي تتحرك صوب اليسار واليمين في لعبة خطيرة. وقال احد المواطنين من مخيم العزة ل"الحياة": "يغتالون ويقصفون ويحوّلون ليلنا ونهارنا الى جحيم ويدخلون الى قلب بيت لحم والعالم لا يفعل شيئا ويقولون اننا ارهابيون ... هؤلاء هم الارهابيون ... ليس هنالك أمل في هذه الحكومة، إما ان نقتل جميعا او نحصل على حريتنا الحقيقية وليست هذه المزيفة التي عشناها طوال السنوات الماضية". ويصعب على الفلسطينيين، كما المراقبين، توفير تحليل منطقي لما فعله الجيش الاسرائيلي ويفعله منذ ايام في اراضي السلطة، فالدبابات التي دخلت "تتسلى" بتحطيم السيارات الفلسطينية المتوقفة على جانبي الطرق التي تحتلتها، كما تحتل منازل المواطنين وتحولها الى مواقع للقنص، وتحظر تجول المواطنين وتمنعهم من الخروج من منازلهم وتقصف هنا وهناك ... لكن السؤال الذي يردده الشارع الفلسطيني: "ما الذي يريده شارون بالضبط؟ ها هو اقتحم معظم اراضي السلطة ويمعن باهانة رموزها ... وماذا بعد؟". وعلى مدخل مدينة البيرة الشرقي، وفي شارع "الارسال"، أمضى المقاتلون الفلسطينيون ليلة اخرى من الاشتباكات التي تزداد عنفا بين الفينة والاخرى كلما تحركت الدبابات الجاثمة امام افخر الفيلات في المدينة وبمحاذاة وزارات السلطة المختلفة على بعد امتار فقط من مقر الرئيس ياسر عرفات. وفي ساعات الصباح الباكر، قتل قناص اسرائيلي احد افراد "القوة 17" سائد الاعرج برصاصة من العيار الثقيل اخترقت رأسه، ليكون بذلك الجندي الفلسطيني الثالث الذي يستشهد منذ احتلال اسرائيل مناطق في البيرة. وإمعانا في "إهانة السلطة"، كما يقول الفلسطينيون، كان لمنزل نائب الرئيس محمود ابو عباس "قصة أخرى". فالمنزل بات "تحت الاحتلال الاسرائيلي" بينما كان صاحبه في غزة. واضطر مكتب التنسيق العسكري الفلسطيني الى إجراء مفاوضات مع القوات الاسرائىلية المحتلة لاخلاء افراد "القوة 17" الذين يشرفون على حراسة المنزل. اما مئات المواطنين العالقين في منازلهم التي تحولت الى سجون اقامة جبرية، فلا يفهمون عبثية هؤلاء الجنود الذين لا يعرفون هم ايضا ما الذي يفعلونه بين البيوت وفي ازقة الاحياء السكنية ولماذا يثيرون الرعب والخوف، ولماذا يرغمون عائلات على نقل اطفالها الى مناطق "اقل خطورة" ويشردون المئات داخل مدنهم واحيائهم السكنية ... "مشهد سوريالي عبثي تمنحه كلمة احتلال بعض المنطق". وفي قطاع غزة ايضا، سقط شاب بعد اصابته برصاصة في الرأس خلال مواجهات مع جنود اسرائيليين في مطنقة معبر المنطار كارني. كذلك استشهد الفتى باسم سليم المبشر 13 عاما في انفجار قذيفة دباتبة اسرائيلية كان يلعب بها في مخيم خانيونس للاجئين. وفي اريحا، توفي اسرائيلي متأثرا بجروح اصيب بها امس، كما اصيب اسرائيليان آخران في الحادث الذي وقع قرب مستوطنة ميتسبي اريحا.