} أجرت بعثة متخصصة على رأسها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في المنطقة دراسة لمجرى نهر الوزاني في الأسبوع الأخير من شهر تموز يوليو، سيتبعها دراسات أخرى أدق، بحسب مصادر البعثة، فلماذا تم هذا الأمر وفي هذا الوقت بالذات، وما هي الدوافع والأهداف؟ في 14 تشرين الأول اكتوبر من سنة 1991، عندما كان الاحتلال الإسرائيلي للجنوباللبناني قائماً، طلب مسؤول سلطة المياه في إسرائيل من الكنيست البرلمان السماح لسلطاته بسحب مياه من بحيرة طبريا في شكل يتجاوز فيه الخطوط الحمر القانونية - نظراً الى قلة الأمطار في ذلك العام وشح الينابيع والأنهار التي تزود البحيرة بالماء، وهذا الأمر لو تم فإنه سيعرض البحيرة لخطر التملح. في اليوم نفسه اي في 14 تشرين الأول أظهرت الدراسات الميدانية ان ينابيع مرج عيون والحاصباني، الذي يسبق مجراه الوزاني ويقع فوقه، يلتقي به بالقرب من قرية الغجر، جافة. هذا ما ذكره آيرون وولف من جامعة آلباما الأميركية في بحثه "حدود الاستراتيجيا المائية في حوض الأردن" الذي ألقاه في الندوة التي اقامتها في جامعة انديانا من 7 الى 10 آذار مارس 1996. تحت مجهر الدراسة تكشف هذه الفقرات معنى الشكوى الإسرائيلية التي دفعت الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في جنوبلبنان ستيفان دو ميستورا وخبراء إيطاليون متخصصون في الموارد المائية وخبراء آخرون من وزارة الموارد المائية والكهربائية اللبنانية الى فتح تحقيق يتعلق بمنسوب مجرى مياه نهر الوزاني. وأجرى الفريق دراسة لثلاثة مواقع من النهر بتاريخ 25/7/2001، الأولى في المنبع، والثانية في منتصف المجرى، اما الثالثة فكانت عند الخط الأزرق الذي رسمته الأممالمتحدة بمثابة الحدود الجديدة بين لبنان وإسرائيل. وإذا كانت المصادر التي نقلت النبأ لم توضح اسباب هذه الخطوة، ويبدو انها ستتبعها خطوات فإن المصادر ذكرت "في الوقت الراهن استخدمنا المعدات المتوافرة التي تعتبر بدائية نوعاً ما، لكننا سنواصل هذا المشروع في الأيام المقبلة بمعدات متطورة ستصل من ايطاليا. ويرجح الأمر ان هناك شكوى إسرائيلية تتعلق بمنسوب الدفق المائي من مجرى نهر الوزاني الذي يصب في بحيرة طبريا. اكبر مخزون مائي عذب في فلسطينالمحتلة. ويبدو ان كمية المياه المتدفقة قل منسوبها هذا العام عن سنوات سابقة. وهذا الأمر - لو تأنت الأممالمتحدة - له اسبابه الموضوعية منها: 1- ان كمية المياه التي تسقط على لبنان في السنة - المعدل الوسطي - تتراوح بين 570 و1500 ملم في السنة، تقل احياناً أو تزيد. ومعدل كمية المياه التي سقطت هذا العام كانت شحيحة لا تزيد إلا قليلاً عن 500 ملم. ولما كان لبنان جزءاً من حوض البحر المتوسط، حيث كانت نسبة سقوط المطر شحيحة في أقطاره هذا العام وبينها لبنان، وفلسطينالمحتلة، الى جبل الشيخ بيت الماء وخزينها الأساسي في المنطقة - فإن الجفاف قلل من خزين ومنسوب المياه في انهار وينابيع المنطقة كلها الى درجة ان مجرى الحاصباني جف وتوقف جريان الماء فيه، وهو النهر الذي يتحد بنهر الوزاني بالقرب من قرية الغجر ويصبان في بحيرة طبريا ويعتبران من روافد نهر الأردن الأعلى. ومن المؤكد ان الشح المائي يضرب ارض المياه والينابيع في فلسطينالمحتلة حيث ذكر شيمون تال مسؤول المياه الإسرائيلي في 27/7 "نتيجة لمرور شتاء آخر جاف علينا فقد اقتصر مخزون المياه المتجمع على 1،1 بليون متر مكعب، بينما تصل احتياجاتنا الى 6،1 بليون". 2- لا شك في ان الاحتلال الإسرائيلي لجنوبلبنان فرض تقنيات على استعمال المياه في المنطقة، وحد من اي توسع في مشاريع الري الفردي والجماعي، بل ان كثيراً من سكان الجنوباللبناني غادروه وتوزعوا في شتى الأنحاء محلياً وعالمياً. فإذا كانت بلدة مثل بنت جبيل - المحاذية للحدود الإسرائيلية - تراجع عدد سكانها بين 70 وأحياناً 80 الف نسمة قبل الاحتلال الى سبعة آلاف نسمة بعد التحرير. لذا فإن استهلاك كمية المياه تدنت اثناء فترة الاحتلال. مع ذلك فإن الضائقة المائية ما زالت تضرب المنطقة، وهذا يعود أساساً الى قلة كمية المطر المتساقطة سنوياً، وإلى تدني كمية الخزين المائي، وجفاف بعض الينابيع تماماً. 3- إن زوال الاحتلال الإسرائيلي والعناصر المتعاونة معه من الجنوباللبناني، شجع بعض المزارعين الى إعادة احياء مزارعهم ومزروعاتهم. وشجع على قيام حركة عمران نشطة بعد حرمان أو تمنع ذاتي، وهذا تطلب كميات زائدة من المياه، لذلك فإنه من الطبيعي ان يكثر الطلب على المياه في المنطقة. 4- يبدو ان السلطات الإسرائيلية لم تصدق حتى الآن ان الأنابيب التي مدتها سلطات المياه في لبنان لإرواء قرية الوزاني وما جاورها في مطلع العام الجاري ان قطرها 3 انشات فقط، بل هي تقدر الأمر أزود من ذلك. وربما تبيّت امراً، مع ان تقارير قوات الطوارئ الدولية اكدت هذا الأمر، وها هي تعود - السلطات الإسرائيلية - الى طرح الأمر من جديد، مع انها هددت وتوعدت وأرسلت مراقبين من قبلها لمراقبة الوضع في شهر آذار مارس الماضي. ويذكر ان القانون الدولي يؤكد ويرتب حقوقاً للسكان من الينابيع التي تنبع من اراضيهم. ان تهتم هيئات الأممالمتحدة وفي أعلى مستوياتها بشكاوى الجهات المتنازعة وتتابعها وتحقق فيها، فإن ذلك من الأمور الجيدة، لكن حبذا لو تم ذلك ويتم مع جميع الشكاوى وعلى قدم المساواة وعلى المستويات ذاتها. مع ذلك، ألا تغربل الأممالمتحدة بهيئاتها المتخصصة الشكاوى، وألا تعرف ما هو كيدي وملفق من بينها، وبين ما هو صحيح وحقيقي؟ فهل سيتم إغلاق هذا الملف عند التحقيق والتحقق، ام ان العيون الإسرائيلية تتجه دائماً الى عيون وينابيع مائية تتجاوز الوزاني والحاصباني؟ تُرى ألا تشبه هذه الأيام في شحائحها المائية ايام سنة 1991 عندما كانت القوات الإسرائيلية تتحكم وتحكم بشر وأرض وسماء وبحر الجنوب اللبناني؟