منعت القوات الإسرائيلية منذ ان وٌجد الكيان الصهيوني في فلسطين سنة 1948 وليس كما تردد منذ سنة 1978، قيام أي مشروعات مائية جدية وحقيقية في الأراضي العربية المحيطة به. هكذا فعل مع مشروع الليطاني في الجنوب اللبناني على سبيل المثال، مع ان الليطاني، منبعاً ومجرى ومصباً يسير في الأراضي اللبنانية، ولا يحاذي أو يشاطئ الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وحتى اقامة سد على نهر اليرموك بين الأردن وسورية، فإن "البلطجة" الإسرائيلية ومن أيدها ونافح عنها ودعمها، عطلا المشروع منذ مؤتمر القمة العربي الأول سنة 1964 وحتى هذه اللحظة! والغريب ان المرء وعندما يراجع بعض الكتب والمصادر، فإنه يجد ان تخطيطاً لإقامة سد ومشروعات مائية على هذا النهر العربي او ذاك قد حصل، بل وجرى اقرار تنفيذها ورُصدت لها الأموال من قِبَل قمم عربية أول قمة عربية سنة 1964 على سبيل المثال، ليذهب المرء الى الموقع المعني مؤملاً وجود السدود والمشروعات الزراعية والكهربائية، الا انه يُصدم ويصطدم بوجود مساحات من الأراضي يتلاعب بها الهواء الساخن أو البارد يعمي ويدمي العيون والقلوب والأذهان. أو يجد في أحسن الحالات آلات معطوبة عرشت عليها الطحالب وغطاها الصدأ تربض منذ زمن في قاع النهر بعد ان حرقتها وأَودت بها الطائرات أو المدفعية الإسرائيلية! هكذا وجدت الحال ذات يوم عندما ذهبت الى موقع سد المخيبة أو خالد بن الوليد على نهر اليرموك بين سورية والأردن، وهكذا وجدت الحال نفسه في موقع ميفدون بالقرب من مدينة النبطية الجنوبية اللبنانية، مع فارق انني وجدت آلات معطوبة في قعر الوادي في الموقع الأول. والآن تهدد اسرائيل رأس الحكم والحكومة في لبنان فلماذا كل ذلك؟ لسان حال الإسرائيليين... قال: كيف تجرأ لبنان على فعل ما فعل؟ وأوضحت المصادر الرسمية اللبنانية، ان كل ما فعلته انها ركَّبت مضخة للمياه ومدت أنابيب قطرهر 10 سنتيمرات لنقل مياه من نبع الوزاني الى البلدة التي يحمل اسمها النبع، والى قرية اخرى قريبة اسمها ميسات، وانها أبلغت قوات الأممالمتحدة بالأمر، وان تلك القوات أبلغت بدورها ما بُلغت به الى المصادر المعنية الإسرائيلية، فسكتت على الأمر، أو انها لم تعلن موقفاً الا بعد مضي حوالى الشهر على بدء العمل بالورشة التي يستغرق عملها شهرين من 20 شباط/ فبراير وحتى 20 نيسان/ ابريل. فهل حلال على اسرائيل ان تحول مياه نهر الأردن بمنابعه اللبنانية والسورية الى الساحل الفلسطيني المُحتل والى صحراء النقب من خلال مشروع ضخم، ويُحرم لبنان، أو قرية صغيرة من قراه من مياه البيت؟ جاء في الموسوعة الفلسطينية - المجلد الأول: "الانتفاع من المياه حق طبيعي لسكان الحوض، والقانون الدولي يمنع سحب المياه الى خارج الحوض ما دام السكان المقيمون داخل الحوض بحاجة الى هذه المياه". ان هدف الضجة المثارة واضح وصريح: استشيرونا، وحاورونا، وفاوضونا، وفي النهاية اعقدوا صلحاً معناً، لنتقاسم معكم مياهكم، لأنكم لم تحسنوا الاستفادة منها طيلة 50 سنة مضت! هكذا يتم تسويق الأمر وتسويغه أمام العالم. والسؤال: من هو الذي وقف بوجه انشاء أو اتمام مشروعات المياه العربية، وفي لبنان بالذات طوال 50 سنة الماضية؟ ومن الذي ضرب وقصف ودمر المشروعات المائية العربية - خصوصاً المشتركة منها - في الأردن وسورية ولبنان، وما زال يحاول تعطيل إرواء قرية الوزاني من مياه النبع الذي يحمل اسمها وينبع من حولها؟ انها اسرائيل الحاضرة وراء افشال وتعطيل اي مشروع مائي عربي لا تستفيد منه... حتى ولو كان لا يحاذي حدودها. ويذكر ان بعض أجهزة الإعلام ربطت بين نبع الوزاني ونهر الحاصباني، بل ان بعضها ذكر الحاصباني بدلاً من الوزاني، فما الرابط بين الاثنين، وهل هما واحد، أم انهما يندمجان في بعضهما البعض في مواقع معلومة ومحددة، وما علاقة نهر الأردن بالوزاني والحاصباني؟ جاء في الموسوعة الفلسطينية - المجلد الأول، الآتي عن نهر الحاصباني: "سُمي بهذا الاسم نسبة الى بلدة حاصبيا، وهو ينبع من المنحدرات الشمالية الغربية لجبل الشيخ، عند ارتفاع 900م فوق مستوى سطح البحر، وعند نقطة في الأراضي اللبنانية تقع على مسافة 48كم من الحدود الفلسطينية. ويشق النهر مجراه في خانق ضيق حفره في الصخور البازلتية التي تحف تلالها المخروطية بضفافه، وهو جاف في مجراه الأعلى الذي لا تجري فيه المياه الا بعد سقوط الأمطار. وعندما يصبح النهر على بعد 4 كلم من حدود فلسطين تغذيه كثير من الينابيع الدائمة، وأهمها ينابيع الوزاني. ويبلغ متوسط التصريف السنوي لنهر الحاصباني نحو 153 مليون م3، تراوحت خلال الربع الثالث من القرن العشرين ما بين نهاية عظمى بلغت 236 مليون م3 في عامي 1947/1948، ونهاية صغرى بلغت 5،63 م3 في عامي 1960/1961. ويرفد نهر الحاصباني، قبيل اتحاده بنهري دان وبانياس - ينبع الأول من فلسطين قرب الحدود السورية وينبع الثاني من الأراضي السورية - نهر بريغيت الذي هو أقصى منبع غربي لنهر الأردن، ويطلق عليه اسم نهير الجبل الصغير أو نهير مرج عيون لأن مياهه تنساب في خانق تحيط به تلال بلدة مرج عيون - ويصب فيه نبع الدردارة المشهور بين مرج عيون والخيام - وتستغل معظم مياهه للري في لبنان". وبالتقاء نهر الحاصباني مع نهري بانياس والدان فإنهم يكونون نهر الأردن الأعلى، أو المجرى الأعلى للنهر، على اعتبار ان المجرى الأسفل يتكون من المياه التي تشق بحيرة طبرية، وصولاً الى البحر الميت مع ما يضاف اليه من ينابيع وجداول وانهار صغيرة، أكبرها نهر اليرموك. جاء في الموسوعة الفلسطينية، وفي المجلد نفسه المشار اليه سابقاً، ما يلي عن المجرى الأعلى لنهر الأردن. "يتكون نهر الأردن - الأعلى - من اتحاد منابعه دان وبانياس والحاصباني عند نقطة تقع على مسافة 4كم من داخل الحدود الشماليةلفلسطين، وعلى ارتفاع 81م فوق مستوى سطح البحر، ويلتقي قبل ذلك نهر دان نهر بانياس، وبعد اتحادهما بمسافة 5،1 كم تقريباً يلتقيان نهر الحاصباني الذي يرفده نهر بريغيت قبل نقطة الالتقاء بمسافة كيلو متر واحد. ولما كان نهر الأردن يجري في خط مستقيم يُمثل امتداداً جنوبياً لنهر الحاصباني الذي هو أطول المنابع، فإن نهر الحاصباني يُعد المنبع الحقيقي لنهر الأردن". تلك هي زوبعة فنجاه مياه نبع الوزاني الحالية، على رغم اثارة نقع غبار التهديدات، ودق طبول الحرب الإسرائيلية في محاولة استباقية واعتراضية على ما يمكن ان تُقدم عليه السلطات اللبنانية من اقامة مشروعات أخرى. من بينها محاولة المضي قدماً في تنفيذ مشروعات تتعلق بنهري الليطاني والحاصباني، والتي تحمل مياههما عيس بلدات الجنوب اللبناني... مع ان الظمأ يكاد يقتلها.