شهدت موسكو امس "انزالاً" اميركياً واسعاً، اذ وصلت اليها مستشارة الرئيس لشوون الامن القومي كوندوليزا رايس قادمة من اوكرانيا، ونقلت طائرة اخرى الى العاصمة الروسية وزير المال الاميركي بول اونيل وزميله وزير التجارة دونالد ايفانس، فيما التقى في هانوي وزيرا خارجية البلدين كولن باول وإيغور ايفانوف. واعتبرت هذه الكثافة غير المعهودة في الاتصالات الثنائية، دليلاً على ان الرئيسين جورج بوش وفلاديمير بوتين توصلا خلال قمة جنوى الى اتفاقات مهمة غير معلنة تتعلق بالأمن الاستراتيجي ومعاهدة "اي بي ام" في شأن الدفاع الصاروخي - ولم يستبعد المحللون ان يكون الأميركيون وعدوا بتقديم - مكافآت لروسيا لقاء تنازلها في شأن المعاهدة الصاروخية. وتبحث رايس اليوم الخميس مع سكرتير مجلس الأمن الروسي فلاديمير روشايلو ووزير الدفاع سيرغي ايفانوف القضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي وقضايا الأمن الاوروبي ومكافحة الارهاب الدولي. تمهيد لجولات مقبلة وأعلن رسمياً ان هذه المحادثات ستكون تمهيداً لجولات مقبلة من المفاوضات يجريها خبراء من البلدين في واشنطن، ثم يصل الى موسكو اواسط الشهر المقبل وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفلد الذي يتوقع ان يضع اللمسات الاخيرة على اتفاق يوقّعه الرئيسان اثناء قمة تعقد في الولاياتالمتحدة في تشرين الاول اكتوبر المقبل. وأكد ديبلوماسي روسي ل"الحياة" ان موسكو ستطلب من رايس "تفاصيل عن مشاريع اقامة الدرع الصاروخية" وموقف واشنطن من معاهدة 1972، كما ترغب روسيا في معرفة المستويات التي يمكن ان يقبل بها البيت الابيض في حال خفض الاسلحة النووية. وأضاف الديبلوماسي ان موسكو "لن تصرّ على التمسك بنص المعاهدة" لكنها تريد ان تعرف بالضبط نيات واشنطن. وكانت روسيا رفضت اي تعديل للمعاهدة التي اعتبرتها "حجر الزاوية" في الاستقرار الاستراتيجي، إلا ان الرئيس بوتين تراجع فجأة عن مواقفه السابقة وألمح في جنوى الى احتمال قبوله تعديل المعاهدة، وذكر في حينه ان "صفقة سرية" عقدت في القمة الثنائية. وعزز هذا الرأي وصول وزيري المال والتجارة الاميركيين الى موسكو لبحث قضايا تتعلق بتكثيف العلاقات الاقتصادية وسحب الاعتراض الاميركي على انتماء روسيا الى منظمة التجارة العالمية. ومعروف ان موسكو لم تعد تطالب بقروض من صندوق النقد الدولي او سائر الهيئات المالية التي تمارس الولاياتالمتحدة نفوذاً كبيراً عليها، إلا ان روسيا ترغب في الحصول على استثمارات وإلغاء القيود التي كان الكونغرس الاميركي فرضها على التعامل مع روسيا بوصفها بلداً ذا "اقتصاد انتقالي" في حين تطالب بالاعتراف بأن فيها "اقتصاد سوق" بكل ما يترتب على ذلك من تسهيلات. وعلى نطاق اوسع، فإن المراقبين يعتقدون ان التوصل الى اتفاق في شأن القضايا الاستراتيجية قد يكون بداية تفاهمات روسية - اميركية في ملفات عدة اخرى، ومنها القضايا الاقليمية، وفي مقدمها العراق والشرق الاوسط.