في رد غير مباشر على مطلب العفو العام أكد الرئيس زين العابدين بن علي أمس انه ماضٍ في استخدام صلاحياته الدستورية "للعفو عن كل من تم تأهيله من السجناء ليعاود ممارسة حريته في اطار مجتمع تحكمه القوانين". ويعتبر موقفه رفضاً ضمنياً لخطوة العفو العام التي طلبت رابطة حقوق الانسان وأحزاب المعارضة اتخاذها "لتنقية المناخ السياسي" في البلد. ولم يتعرض الرئيس بن علي في الخطاب الذي ألقاه أمس لمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لقيام الجمهورية لموضوع ترشيحه لولاية رابعة تستمر خمسة أعوام في الانتخابات المقررة للسنة ألفين وأربع. وجدد تمسكه بالغاء "الرئاسة مدى الحياة" التي حُذفت من بنود الدستور في العام 1988 بعد تنحية الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. إلا أنه أكد أن الشعب هو "مصدر السيادة ومنبع السلطات"، في اشارة اعتبرت تلميحاً الى حملات المطالبة بالترشيح لولاية رابعة والتي تقودها فروع "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم في العاصمة والمحافظات ويسيطر "الدستوري" على ثمانين في المئة من المقاعد في البرلمان وأكثر من تسعين في المئة من المجالس المحلية البلديات. وفي رد على المعارضين والنشطاء الذين طلبوا إجازة أحزاب ومنظمات انسانية غير مرخص لها في مقدمها "المجلس الوطني للحريات" الذي تقوده الناشرة المعتقلة سهام بن سدرين، أكد بن علي ان "القانون فوق الجميع وهو مرجعنا في كل ما نتخذ من قرارات ولا نستثني من سلطانه أحداً مهما كان موقعه". كذلك ألمح الى تصريحات القاضي مختار اليحياوي من دون أن يسميه الذي نشر أخيراً رسالة مفتوحة الى رئيس الجمهورية شكك فيها باستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. فشدد بن علي على أن "العدل يأخذ مجراه في اطار سلطة قضائية تسهر على ضمان استقلالها وتعزيز مقوماتها". وأفيد أمس ان القاضي اليحياوي الذي كان يرأس الدائرة العاشرة في محكمة الدرجة الأولى في العاصمة تونس دُعي الى المثول الخميس المقبل أمام "مجلس التأديب" لمحاسبته على "خرق واجب التحفظ المهني"، في اشارة الى الرسالة المفتوحة. ورجحت مصادر قضائية مطلعة ان يقرر المجلس شطبه من سلك القضاء بعدما جُمد من العمل وتوقف صرف راتبه في وقت سابق من الشهر الجاري. ونفى الرئيس بن علي وجود "محرمات" في قطاع الإعلام لكنه استثنى "ما يمنعه القانون وأخلاق المهنة الصحافية". وشجع ما اعتبره "تنوعاً وتطوراً" في الاعلام المحلي. وحض على "إثرائه وتعزيزه في الصحافة المكتوبة" واتاحة مجالات الحوار عبر "برامج التلفزيون الوطني التي تستدعي مزيداً من الدعم والتوسيع". وحمل على المعارضين الذين انتقدوا الحكم في حوارات بثتها قناة "المستقلة" من لندن طيلة الأسابيع الماضية من دون أن يسميهم. واعتبر انه "من التناقض الصارخ أن نرى بعضهم أحياناً يطالب بأشياء أو يأتي أفعالاً تتجاهل القانون وتخالفه باسم الديموقراطية والحريات". وتساءل: "كيف يمكن ضمان الديموقراطية وتأمين الحريات خارج اطار القانون؟ وهل لحرية التعبير معنى ان تحولت الى سب وشتم ونيل من أعراض الناس؟". يذكر أن سهام بن سدرين ستحال على القضاء بتهمة قذف قاض في حوار أجرته معها قناة "المستقلة" أواخر الشهر الماضي. وشدد على أن "من ضمن قيم الجمهورية علوية القانون النابع من إرادة الشعب ما يحتم احترامه من قبل الجميع. إذ لا حرية من دون سلطان القانون ولا معنى للديموقراطية خارج أحكام الدستور". وفي هذا السياق حمل في شدة على المعارضين الراديكاليين الذين قال عنهم انهم "قلة ارتمت بين أياد مشبوهة ترتزق منها ضد بلدها وأخلّت بشرف الدم الذي يجري في عروقها ... تحسب ان الشتيمة والقذف والمس من كرامة الأشخاص والتطاول على مؤسسات البلد تقدر على النيل من سمعة بلد يشهد له بالنجاح كل مراقب نزيه". وشدد على أنه لا مكان في الديموقراطية "لمن يريد أن يقوضها من الداخل أو الخارج أو يتراجع بها الى الوراء". لكنه أكد في الوقت نفسه انه "لا مكان في تونس لمصادرة الرأي المخالف ولم يحاكم فيها أحد من أجل رأيه أو خياره السياسي". ولاحظ مراقبون ان الخطاب الذي كانت تنتظره النخبة السياسية على أمل الاعلان عن اجراءات انفتاحية جديدة تفادى التطرق مباشرة على القضايا الحارقة المطروحة في الساحة السياسية وفي مقدمها موضوع العفو العام الذي اعتمدته أحزاب عدة بمن فيها التي تصنف على أنها قريبة من الحكم، اضافة الى رابطة حقوق الانسان و"الاتحاد العام التونسي للشغل" المنظمة النقابية الرئيسية في البلد، ووصلت أصداؤه الى حرم مجلس النواب بعدما طالب نواب من المعارضة بسن عفو عام. كذلك تحاشى الرئيس بن علي التعليق الصريح على النداءات التي تنشرها يومياًصحيفتا التجمع الدستوري الديموقراطي "الحرية" و"لورونوفو" لترشيحه لولاية رابعة والصادرة عن الهيئات القاعدية للحزب علماً أن الولاية الثالثة التي فاز بها في انتخابات العام 1999 هي الأخيرة طبقاً للبند الأربعين من الدستور.