لا يبدو ان الادارة الاميركية الجديدة استكملت مراجعتها لسياستها حيال العراق. فالحظر باق في منطقتي الحظر. ويتابع مدققو الحسابات دراسة الفواتير التي قدمتها اليهم المعارضة العراقية، المؤتمر الوطني تحديداً، من أجل معرفة كيفية الانفاق ودراسة احتمال تسييل كمية اخرى من الدولارات. ما بات محسوماً هو ان الشق المتعلق بنظام العقوبات أصبح جاهزاً، ويتعرض لعملية "رتوش" أخيرة في مجلس الأمن قبل أن يظهر على الملأ. ومن المعروف أن اتصالات سياسية جارية بين الدول الدائمة العضوية من أجل التوصل الى توافق، وان خبراء منها يجتمعون للبحث، مثلاً، اذا كان جائزاً للعراق استيراد هذا النوع من الشاحنات أو ذاك، وان صفقات كثيرة تتم على رقعة شطرنج العالم من أجل ارضاء هذه الدولة أو تلك في مقابل موافقتها على المشروع البريطاني - الاميركي الذي تتولى فرنسا، قدر الامكان، "تجميله". ما هو معلن عن النظام الجديد يؤكد انه قائم على فرضية اليأس من نية العراق المشاركة في محاصرة نفسه. ولذلك فإن البديل هو اشراك جيران العراق في هذه المهمة، وانتزاع موافقتهم على تحويل ما يجنونه الى حساب معلق تابع للأمم المتحدة، واخضاع ما يوردونه الى رقابة دولية، وتحمّل خسائر اقتصادية كبيرة لقاء انصياعهم الى الارادة الاميركية وتلذذهم بالإمعان في اضعاف العراق وتجويع شعبه. تضج نيويوركوعواصم دول القرار بالمحادثات في هذا الشأن من دون أن يكلف أحد نفسه عناء البحث جدياً مع عواصم المنطقة عمانودمشق تحديداً في أدوارها الجديدة المفترضة. لا بحث سياسياً معها. ويعني ذلك ان لا نقاش يتناول أوضاع المنطقة ككل، ومصير الشعب الفلسطيني، وتأثير العقوبات السابقة، وموقف الرأي العام العربي، والحسابات التي تجريها هذه البلدان لمصالحها الوطنية فضلاً عن ميولها القومية. لا بحث اجرائياً. فالمشاركة في حصار العراق تقتضي ترتيبات كثيرة لوجستية وغيرها تتناول الحدود والمطارات والمرافئ. لا بحث اقتصادياً. ففي حال قررت بغداد الرد فإن خسائر كثيرة ستلحق بهذه الدول المجاورة. وليس معروفاً، حتى اليوم، ان تفاهماً حصل على "نظام بديل يمكن الاعتماد عليه لتعويض الخسائر". لا بحث سيادياً. فهذه الدول مطالبة بالتنازل عن بعض سيادتها الوطنية من أجل السماح لمراقبين دوليين يملكون حق الامرة بالاشراف على المعابر الدولية كلها واخضاع ما يرتأون اخضاعه للمراقبة. تتحدث عمان عن "عواقب سياسية خطيرة" و"انعكاسات اقتصادية فادحة" للنظام المقترح. غير ان احداً لا يلتفت الى هذه التحذيرات الصادرة عن بلد تعرّضه السياسات الاميركية والاسرائيلية الى امتحان قاس، وهو المرتبك بقضية من حجم قضية ابراهيم غوشه، فضلاً عن توجهه نحو انتخابات نيابية. وتتحدث دمشق عن رفضها التنازل عن سيادتها، وممانعتها الاشتراك في زيادة معاناة شعب شقيق، وحاجتها الاقتصادية الملحة الى السوق العراقية. وهنا، أيضاً، ما من جهة دولية تتوقف عند هذه الاعتبارات لتأخذها في الحسبان. الميل واضح، إذاً، الى فرض أمر واقع جديد في المنطقة التي يفترض فيها أن تستعد لمقاومته. فإذا مر مشروع القرار في مجلس الأمن فإننا سنشهد، على الأرجح، انتقالاً من حصار العراق الى حصار الأردن وسورية ولبنان، فضلاً عن العراق طبعاً، في حين تتكفل اسرائيل بإبقاء الفلسطينيين في المعازل. ان المشرق العربي كله سيدخل، في هذه الحال، دائرة الخطر. واللافت ان الأممالمتحدة تتحول من هيئة تساعد في عملية نزع الاستعمار الى هيئة تعيد انتاجه!