تقول الولاياتالمتحدة انها تجري مراجعة لسياستها حيال العراق وفي الشرق الأوسط بصورة عامة. ما فعلته حتى الآن في ما يخص النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي هو استمرار الميل التقليدي الى تل ابيب واتخاذ موقع من يستدرج الاستجداء العربي للتدخل - والمراجعة في شأن العراق ما زالت، كما يبدو، في طورها الأول، اي في المرحلة الخاصة بمصير العقوبات ونظامها ومن دون التطرق الى مصير منطقتي الحظر الجوي والعلاقة مع المعارضة. ويبدو، في العنوانين الأخيرين، ان الحظر سيستمر ومعه دفع الأموال بالقطارة لشخصيات وتنظيمات قليلة الفاعلية، كثيرة الكلام، ومكتفية بهذا القدر من الاعتراف. اما في ما يخص العنوان الأول فلقد قرّ الرأي، او هكذا يبدو، على استبدال نظام العقوبات الحالي بآخر يوصف بأنه "ذكي"، وهي سمة تكفي وحدها، لتشخيص الوضع السابق والراهن والذي دام سنوات وأودى بحياة الآلاف وألحق تدميراً مخيفاً بالبنية الاجتماعية العراقية. ويجول مسؤول اميركي في المنطقة طالباً من بعض دولها مشاركة حكومته في ما وقعت عليه أخيراً من "ذكاء". يريد من تركيا ان تتعاون. والمعروف انها تملك اسباباً عدة للتجاوب بحكم العلاقة الاستثنائية التي تربط انقرهبواشنطن. غير ان سبباً اضافياً يحدوها الى ذلك هو حاجتها الى الدعم الاميركي في المؤسسات النقدية الدولية من اجل مساعدتها على مواجهة الازمة الحادة التي تعيشها. غير ان هذه الأزمة بالضبط هي التي تشجع تركيا على استحضار المادة 50 من ميثاق الأممالمتحدة. اذ يحق لها بموجب ذلك ان تخفف من التزاماتها بحكم انها دولة متضررة مباشرة وتعيش الحصار على العراق وكأنه حصار عليها. ويقال، في تركيا، ان الخسائر تقارب عشرات بلايين الدولارات ولذلك سيكون صعباً الانضباط بالقراءة الاميركية للشرعية الدولية طالما انه يقود الى الحصول على الفتات، خصوصاً اذا قررت بغداد اجراءات عقابية. سورية هي دولة اخرى معنية سيزورها المسؤول الاميركي. والواضح ان دمشق تملك اسباباً قليلة لمراضاة واشنطن وكثيرة للتردد في ذلك. ان العلاقة المستعادة بين سورية والعراق لها بعد اقتصادي مؤكد ولكنها تتجاوزه لتشمل معطيات استراتيجية كثيرة. وتشديد دمشق على تطبيق قرارات مجلس الأمن، بحسب ما تطالب اميركا، لا يمكنه ان يغفل القرارات الاخرى الخاصة بالصراع العربي - الاسرائيلي والتي تعيش في درج اقفل عليه آرييل شارون، بعد سابقيه، ووافقه جورج بوش، بعد سابقيه ايضاً. ثم ان ما هو معلوم من الطلبات الاميركية يمس، جزئياً، السيادة السورية ولا يساعدها في مواجهة ازمتها الاقتصادية، ويتناقض مع دعوتها الى تطبيع الاجواء العربية. قد تكون المملكة الاردنية محطة سهلة في جولة المسؤول الاميركي. وهي كذلك لأن تسامحاً جرى معها جعلها "تستفيد" من كونها دولة متضررة. اضف الى ذلك ان زيارة الملك عبدالله الاخيرة الى واشنطن كانت "ايجابية" بمعنى ما. ومع ذلك فإن عمان لن تستطيع المضي مع اميركا قدر ما ترغب هذه. فالملك عبدالله مكلف من جانب القمة العربية ايجاد حل للحال بين الكويتوالعراق. وسيكون صعباً عليه تأدية مهمة دقيقة من هذا النوع اذا بدا موافقاً على الخطة الاميركية في طورها الجديد. ان تعاون هذه الدول اكثر من ضروري من اجل تطبيق نظام العقوبات الجديد والقائم على "ضبط مالية العراق" رداً على الفشل في استئناف عمل المفتشين. ولكن هذا التعاون غير مضمون، وهو، في حالات معينة، غير وارد خصوصاً في ظل ما هو معروف من سياسة اميركية اجمالية في الشرق الاوسط. ستواجه "العقوبات الذكية" صعوبات جمة. ولن تكون وظيفتها سوى كشف "غباء" العقوبات السابقة وحشيتها على الأرجح والتذكير بأن الذكاء هو "الفضيلة" الناقصة لدى السكان الجدد للبيت الأبيض.