تراجع الاهتمام بظاهرة هجرة الشباب المغاربة السرية الى أوروبا اعتباراً من أيار مايو 1991 بعدما اغلقت الحدود الاسبانية في وجه المغاربة وتحول مضيق جبل طارق مقبرة "للظهور المبللة". وتطبيقاً لبنود اتفاق "شنفن" فرضت اسبانيا التأشيرة على المواطنين المغاربة، كما تشددت في منح تأشيرة الدخول الى التراب الاسباني، الأمر الذي دفع بالكثير من الشباب المغاربة للتفكير بالهجرة الى أوروبا بطرق مختلفة، ومن ابرز هذه الطرق اجتياز حدود البلدان الأوروبية بأساليب غير مشروعة ك"قوارب الموت" التي التجأ اليها منذ عام 1985 ما يزيد على عشرين ألف مغربي كوسيلة لمغادرة المغرب والوصول الى الشواطئ الاسبانية. وعلى رغم الحراسة المشددة للحدود البحرية الاسبانية - المغربية واستخدام آخر المبتكرات التكنولوجية وتحول "البوغاز" مقبرة للشباب الأفارقة، استمرت قوارب الموت في نقل "الظهور المبللة" الهاربة من الفقر والحرب والموت الاجتماعي والطامحة في الوصول الى الفردوس الأوروبي. وما يشجع على استمرار ظاهرة الهجرة السرية، وجود شبكات للتهريب والتزوير تتحكم فيها المافيا والعصابات المجرمة، إلاّ ان المردود المادي للتهريب البشري يفوق بكثير مردود تجارة المخدرات وتهريبها. وفي محاولة للقضاء على الهجرة السرية بادرت السلطات الاسبانية في العام 1992 الى توقيع اتفاق للتسليم مع الحكومة المغربية ينص على قبول هذه الأخيرة كل المهاجرين السريين الذين دخلوا التراب الاسباني عبر الأراضي المغربية بطريقة غير شرعية سواء أكانوا مغاربة أم أجانب، كما أنشأت اسبانيا في السنة نفسها فريقاً خاصاً من الحرس المدني لمراقبة الشواطئ الاسبانية زودته إمكانات مادية وبشرية كبيرة. في البداية لم تكن تلك الاجراءات فاعلة، بسبب رفض المغرب استقبال المهاجرين السريين الأفارقة لعدم توافر الأدلة على دخولهم التراب الاسباني عبر المغرب، وللتأكيد لحكومة مدريد ان الحل الأمني لا يكفي لوضع حد لظاهرة الهجرة السرية، ولا بد من وضع مخطط أوروبي كبير للمساعدة في تحقيق تنمية اقتصادية للدول المغاربية. وأمام الضغوط الأوروبية وفي اطار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بدأت السلطات المغربية في 17 تشرين الأول أكتوبر 1992 بشن حملة واسعة ضد تهريب المخدرات وشبكات الهجرة السرية، جندت لها قوات كبيرة من رجال الأمن والدرك إذ تم تجنيد أكثر من 5000 شخص لحراسة الشواطئ المغربية الشمالية وانشاء مراكز للمراقبة كل 500 متر ما بين مدينة السعيدية على الحدود الجزائرية ومدينة العرائش المطلة على المحيط الأطلسي. أمام كل ذلك وبسبب ظروف الفقر والبحث عن مستقبل أفضل ولتحقيق أحلامهم الأوروبية، وجد الشباب المغاربة مخرجاً آخر للذهاب الى الفردوس الأوروبي يتمثل بالدخول الى تونس ومنها الى ايطاليا. وبعد تشديد المراقبة على الحدود المغربية - الاسبانية، التجأ الشباب المغاربة والأفارقة الى خدمات عصابات التهريب النشيطة ما بين تونسوايطاليا والتي تنقل المهاجرين السريين بواسطة "قوارب الصيد الصغيرة" الى جزر لمبادوزا، كمحطة أولى قبل التوجه الى صقلية. وبحسب مصادر الأمن الايطالية بلغ عدد المهاجرين المغاربة الذين دخلوا التراب الايطالي عبر تونس ما بين عام 1995 و2001 حوالى عشرين ألف مهاجر. وكلما سدت السلطات ثغرة في جدار الهجرة السرية، فتح المهاجرون ثغرات أخرى، لعل حلمهم يتحقق بعيداً من أوطانهم هناك في الفردوس الأوروبي.