على رغم ان دراسات ميدانية لأوضاع المهاجرين المغاربيين في البلدان الأوروبية تشير إلى أنهم يعيشون في عزلة، ويعانون من تزايد اشكال العنصرية والضغوط النفسية والاجتماعية، فإن آمال شبان أكثر عدداً معلقة على أي فرصة تتاح لهم من أجل الهجرة، بسبب اتساع نطاق البطالة في بلدان الشمال الافريقي، وتحول الهجرة غير المشروعة إلى ظاهرة ملفتة، خصوصاً في فترة فصل الصيف، إذ تغري الأمواج الهادئة للبحر المتوسط بالمغامرة نحو السواحل الاسبانية أو الايطالية، ولو أنها هجرة نحو المجهول، أصبحت تنتهي عادة باعتبار المغامرين الشباب في عداد المفقودين، وفي أحسن الحالات اعتقالهم والزج بهم في مراكز الحراسة، أو ترحيلهم نحو بلدانهم الأصلية، حيث في انتظارهم قوانين صارمة تعتبر الهجرة غير المشروعة جريمة يعاقب عليها القانون. ما يزيد في تعقيد هذه الأوضاع ان الهجرة غير المشروعة أصبحت مرتبطة بأعمال شبكات مختصة، تتاجر في رغبات الشبان المغامرين، كما في تهريب المخدرات وفي تزوير الوثائق وسرقة السيارات. وأصبح لها متعاملون من جنسيات مختلفة يفيدون من الأموال التي تدرها هذه العمليات. في حين ان شبكات مماثلة من عملاء محليين تستغل سذاجة المغامرين. وتنقلهم ليلاً من أماكن محددة في السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، ليجدوا أنفسهم في أماكن أخرى، ليست اسبانيا أو ايطاليا، وإنما مراكز محلية، يكتشفون بعدها أنهم كانوا ضحية احتيال. وتتداول الأوساط المغربية حكايات وطرائف عن هذه المغامرات، جعلت سينمائيين ومسرحيين يحولونها مواضيع لأعمال فنية لاذعة وناقدة للظاهرة، بيد أن الجانب المأسوي فيها يبلغ ذروته حين الاعلان عن وفاة المغامرين نتيجة الغرق في عرض البحر، ما حذا إلى وصف القوارب التي تقلهم ب "قوارب الموت". ففي أقل من شهر أعلن عن غرق مئات الاشخاص. وفشلت عمليات الانقاذ في العثور على جثتهم. وذكرت تقارير اسبانية الشهر الماضي أنه تم توقيف أكثر من ألفي مهاجر غير شرعي خلال العام الماضي، وأن حوالى 400 قارب وصلت إلى السواحل الاسبانية تقل مهاجرين غير شرعيين، في حين ان السلطات الاسبانية اعتقلت متورطين يتحدرون من جنسيات اسبانية يتاجرون في الوثائق المزورة لتسهيل اقامة المهاجرين المغاربيين والافارقة، مقابل مبالغ مالية تقدر بآلاف الدولارات. لكن وتيرة الهجرة زادت بصورة ملحوظة خلال العام الجاري، كون السلطات الاسبانية بدأت في تسوية أوضاع المهاجرين المقيمين هناك. وقالت مصادر الحرس الاسباني إنها اعتقلت خلال الشهور الأربعة الأخيرة آلاف المهاجرين، في سياق حملات طالت الموانئ ومنافذ العبور. وتبين ان من أصل 550 قارباً كان هناك 509 يقلون مهاجرين غير شرعيين ينتسبون إلى المغرب وتونسوالجزائر، إضافة إلى السنغال ومالي والنيجر وجنسيات افريقية مختلفة. ويرجح ان بقاء مدينتي سبتة ومليلة تحت الاحتلال الاسباني في شمال المغرب أسهم في تزايد نسبة الهجرة غير المشروعة، لأن المدينتين تأويان أعداداً كبيرة من المهاجرين الذين يتحدرون من أصول افريقية، سبق لهم ان نفذوا اضرابات عن الطعام ودخلوا في مواجهات مع رجال الأمن والقوات العسكرية احتجاجاً على أوضاعهم المأسوية، وطالبوا بترحيلهم إلى اسبانيا في ظروف إنسانية. لكن منظمات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان اتهمت السلطات الاسبانية بممارسة أشكال من العنصرية والاضطهاد ضد المهاجرين الافارقة. وركزت حكومة مدريد طلبها إلى السلطات المغربية التعاون في موضوع ترحيل هؤلاء المهاجرين، لكن حكومة الرباط رفضت ذلك بثبوت عبورهم الأراضي المغربية نحو المدينتين المحتلتين أو اسبانيا واللافت في تعاطي البلدان الأوروبية مع هذا الملف أن الأمر لم يكن بالحدة نفسها والمخاوف قبل اندلاع الأزمة الداخلية في الجزائر وتنامي التيارات الإسلامية المتطرفة في منطقة الشمال الافريقي. فقد كانت هناك شكاوى من تزايد الهجرة استخدمت في المنافسات السياسية داخل البلدان الأوروبية من خلال تزايد أشكال التطرف والعنصرية، لكن المخاوف الناشئة من تأثير انعدام الاستقرار في منطقة الشمال الافريقي الأكثر قرباً من حدود أوروبا الجنوبية على ضفتي البحر المتوسط زادت في تعميق الأزمة. واقتدى وزراء الداخلية في البلدان المتوسطية إلى صوغ منظومة أمنية للتعاطي مع الانعكاسات السلبية لعزل الأوضاع، وتحديداً الهجرة غير المشروعة والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات. واستضافت العواصم المغاربية تونسوالجزائر والمغرب مؤتمرات في هذا المجال. وكذا الحال بالنسبة لفرنسا وايطاليا. في حين اتجهت العواصم الأوروبية لإبرام اتفاقات مع كل من المغرب والجزائروتونس لتطويق الهجرة غير المشروعة وتنسيق الجهود لمكافحة الانفلات الأمني، في غضون تزايد المخاوف من استخدام التنظيمات الإسلامية المتطرفة للمهاجرين المغاربة في أعمال العنف وضرب المصالح الأوروبية، وكان لافتاً أن غالبية العواصم الأوروبية شنت حملات في أوساط هذه الجاليات ارتبطت بمخاوف من الارهاب وشن الهجمات. لكن مشكل الهجرة غير المشروعة يظل في مقدم القضايا التي تكيف التعاون بين الدول الأوروبية ونظيراتها في المغرب العربي، وكانت هذه العواصم تمنت على دول الاتحاد المغاربي تبني سياسة موحدة في مجال تنظيم الهجرة، إلا أن الأوضاع التي يجتازها الاتحاد المغاربي حالت دون ذلك. ويقول نقابيون مغاربيون في تنظيمات للمهاجرين الذين يعملون في اسبانياوايطاليا وفرنسا وبلجيكا إن هناك شبكات دولية مختصة في تزوير وثائق المهاجرين تشجع الهجرة غير المشروعة، وان النقاش الدائر في بعض العواصم الأوروبية حول امكانات تسوية أوضاع الإقامة وترحيل من لا يتوفر على عمل، من الأسباب التي تشجع تزايد الهجرة غير المشروعة، ويطالبون في غضون ذلك بتسريع تسوية الملفات العالقة، ففي المانيا وحدها توجد قوائم بآلاف المهاجرين المغاربيين الذين تجري الاستعدادات لترحيلهم. وكذا الحال بالنسبة إلى ايطالياواسبانيا وهولندا. في حين ان الاجراءات التي تلتزمها هذه العواصم للمساعدة في معاودة أوضاع المهاجرين في بلدانهم لا تبدو مشجعة بالمقدار الكافي. ويطالب المسؤولون المغاربيون بنهج سياسة جديدة في هذا المجال، تركز على توفير سبل التنمية المتكافئة في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، كون ذلك يضمن التقليص من الهجرة ويعزز التعاون في الحد منها.