لبنان أبداً ينبض في ذاكرة القلب وطناً حميماً اختلجت فيه براعم وجودي حباً وشعراً. غادرته زمن الدراسة محزونة مع أول ارهاصات الحرب الأهلية، وظللت أتوجس العودة اليه خشية ان لا أستطيع تحمل رؤيته مصاباً مجروحاً. ثم جرؤت ان اعود في اول زيارة أوائل الصيف الماضي لأحضر احتفاءات بيت الدين بفيروز. كلاهما، فيروز ولبنان كان حضوراً رائعاً واحتشاداً عاطفياً وللبنان حضوره في قلوب الحاضرين من بنيه والزائرين. اليوم أعود لبيروت وللجامعة الأميركية في زيارة سريعة أخرى وفي قلبي وشوشة الموج لصخور الروشة الخالدة وأطياف الفينيق ينفض رماد النار ويرفرف فوق المباني الجديدة ليعلن الحياة خالدة متجددة في رغبة الإصرار والبقاء. ومرة أخرى تتردد اصداء الربيع الخالد تذكرني: هنا وحي جبران وأبي ماضي ومعلوف وحاوي وعقل ورفقة وبزيع وزغيب وبيضون وشمس الدين وفخر الدين. تختلط معالم جنوح بابل بجموح بيروت بطموح يغمغم: "سأبعث أبراجَ "بيروت" تغريبة من أغان أشيّد أدراجها خطوةً خطوةً وأعلو الى شرفةٍ من حنين التبتّل اعلنها شرفتي وأنثر أصداف أزمنتي على صمت بابل أمنحها الدان والزعفران بذور الذي سوف يأتي... أعلن صوتي الصغير المكابد يزخر بالحلم والعنفوان وأرفع عن لغتي محنة الأقنعة * سأعلن - هذا الصباح الفصيح كنيسان -: اني أحب الحياة أحب الوجود العنيد الذي يتشاقى بعمقي احب مدى الصوت... مضمار عدو جنوني أحب الذين منعوني أفاجأ كل الذين نهوني" بأن القصيدة، مثل الطفولة، تبقى بنا كنبض غموض الدخان المهلّل تحلم ان تقفز السور... ترقص في النور شفّافة مثل عشقٍ... وتكشف بلّورها لاحتفال المعاني لتمتحن المد والأشرعة... * كذا هو فجر التوحّد بالكون إذ أتهجّا الحماقات... اسمي... نيسان... لبنان... وجديّ... خفقة حلمي... توهج اغنية من دخان زمانٌ مثير بنا - حين يبزغ أو يغتوي وجدنا - يتجدّد برقصة مفردة ساطعة