احتوى مقال رشيد خشانة الوارد في صحيفة "الحياة" في 12 نيسان ابريل الجاري على عديد المبالغات والمواقف البعيدة كل البعد عن مقاييس الموضوعية والنزاهة الصحافية. فهو يحاول تقديم الوضع السياسي في تونس كما لو كان على حافة الانفجار. وهو يتحدث عن "تعالي أصوات الاحتجاج" متوقعاً "مزيداً من الاحتقان" على أساس بيان يصدر من هنا وآخر من هناك لمجموعات مجهرية لا تمثل أي ثقل داخل المجتمع التونسي. وهو يتناسى في ذلك كون تعددية الآراء علامة صحة وليست علامة اعتلال إذ إن المجتمع والنظام في تونس على درجة من القوّة والتماسك والتسامح تسوّغ التعبير عن كل المواقف المخالفة حتى وإن كانت هامشية أو مجحفة. ويخطئ صاحب المقال عندما يتحدث عمّا أسماه "تكلس الأجهزة الرسمية" بشكل يجعلها "لا تشعر بنبض الناس". فبعيداً عن الديماغوجيا السياسوية والشعارات الغوغائية الرنانة التي تجاوزها الزمن، تظهر الممارسة اليومية حجم التناغم الوثيق بين قيادة البلاد ومؤسساتها مع مشاغل الغالبية الساحقة من الشعب. ومن المهم التنويه أيضاً بأن الغالبية الساحقة في تونس ترفض الطروحات التي تدعو الى الديموقراطية عن طريق "هزّات" أو "خضّات"، مثلما يتمنى ذلك كاتب المقال. فالإصلاح الديموقراطي مطروح في صدارة الأجندة السياسية منذ 7 تشرين الثاني نوفمبر 1987 باعتباره مساراً وثقافة وصرحاً يبنى يوماً بعد يوم بكل عزم وثبات بما يضمن تقدم هذا المسار ويجنبه كل الانتكاسات. كما ان العشرية الأخيرة التي وصفها الكاتب تجنياً "بالمراوحة الديموقراطية" شهدت أول انتخابات تعددية حرة وأثمرت دخول احزاب المعارضة الى البرلمان سنة 1994. كما عرفت هذه العشرية أول تجربة تعددية في مستوى الترشح الى الانتخابات الرئاسية سنة 1999 وهي السنة التي شهدت انتخابات تشريعية تضاعف فيها عدد نواب المعارضة في البرلمان. ووقع تنقيح قانون الصحافة عدة مرات بما يتلاءم ودفع التعددية الإعلامية الى الأمام. وينظر البرلمان حالياً في تنقيح جديد في اتجاه حذف كل العقوبات البدنية المنصوص عليها في القانون الحالي. وبعيداً عن الرؤى السوداوية المجحفة يتبين ان الديموقراطية تخطو في تونس كل يوم خطوة الى الأمام وفق رؤية واضحة وتوجّه لا لبس فيه بهدف تركيز حياة ديموقراطية متطوّرة باعتبارها مكوّناً من مكونات التنمية الشاملة. في الختام نشير الى أن كاتب المقال، وهو قيادي في حزب سياسي معترف به في تونس، ينشر مقالاته وتحليلاته بصفة منتظمة وبكل حرية في الصحيفة التي يصدرها حزبه شأنه في ذلك شأن الغالبية الساحقة من الأحزاب الأخرى وهي أحزاب تتلقى من الحكومة التونسية منحاً خاصة لإصدار صحفها ودعماً لعملية توريد الورق والمواد المستعملة في الطباعة. لندن - المستشار الإعلامي في السفارة التونسية محمد بوقمرة. المحرر: مَن لا يتمنى من التونسيين ان يكون الوضع في بلده على الصورة الوردية التي تضمنها رد السفارة التونسية في لندن؟ لكن الواقع غير ذلك بدليل أن الرئيس زين العابدين بن علي انتقد علناً الإعلام المحلي واعتبر أن قراءة صحيفة واحدة يغني عن قراءة جميع الصحف الأخرى لتطابق مضامينها. والسبب أن أصوات الاحتجاج التي أشار إليها الرد لا تجد طريقها للتعبير في بلدها فتلجأ الى وسائل الإعلام الخارجية، فهل هذه "علامة صحة"؟ وهل من علامات الصحة أيضاً أنه لا صحيفة معارضة تصدر في تونس على رغم وجود ستة أحزاب معارضة مرخص لها؟ والصحيفة الوحيدة التي ذكرها الرد صودر منها عددان اخيراً في المطبعة قبل ان تعاود الصدور الأسبوع الماضي، لكنها محرومة منذ سنة 1998 من الحصول على الدعم العمومي، خلافاً لما جاء في الرد، ومن الإعلانات التي تحتكر توزيعها على الصحف المحلية "الوكالة التونسية للاتصال الإعلام الخارجي"، ومن التعويض عن استيراد ورق الطباعة. وأكدت التصريحات الأخيرة لمسؤولين في الحكومة ان الوضع غير مرضٍ في مجالي الحريات والإعلام، وهي أتت حاملة وعوداً بالتغيير خصوصاً "تحرير الإعلام"، وما نشرته "الحياة" كان من باب التشجيع على السير في هذا الخيار، لأنها ليست طرفاً في الجدل التونسي - التونسي الذي يُفترض ان يجري في وسائل إعلام البلد.