وسط الأدلة المتزايدة على التباطؤ الاقتصادي في الولاياتالمتحدة، تستمر أوساط رجال الاعمال الأوروبيين في الاعتقاد ان في امكان منطقة اليورو ان تتجنب هبوطاً في نمو الطلب في الولاياتالمتحدة، لكن هذا ربما يكون خطأ مبيناً في الرأي. صحيح، ان المؤشرات الاقتصادية التي صدرت أخيراً عن منطقة اليورو تعطي صورة من النمو النشط. ففي كانون الثاني يناير بلغت ثقة المستهلكين الفرنسيين ذروة غير مسبوقة، وشهد كانون الأول ديسمبر طلبات على المنتجات الصناعية الالمانية تطفح بالعافية، كما لوحظ الأمر ذاته في المسح الذي أجراه اتحاد الصناعة البريطانية. فلا عجب اذن ان يجري الحديث عن فك الأرتباط بين مصير أوروبا الاقتصادي والحال الاقتصادية في الولاياتالمتحدة. وتغري العوامل التي تبرر فك ارتباط اليورو عن الاتجاهات الاقتصادية في الولاياتالمتحدة الآتي: أولاً، اقتصاد أوروبا ضخم ومغلق. فمن مجموع الانتاج الاجمالي الداخلي القائم، يشكل التصدير 15 في المئة منه الى البلدان خارج منطقة اليورو وتبلغ الصادرات المباشرة الى الولاياتالمتحدة ثلاثة في المئة فقط. ثانياً، تمتلك الأسر الأوروبية من الاسهم أقل بكثير من مثيلاتها في الولاياتالمتحدة وبخاصة الاسهم التي يتألف منها مؤشر "ناسداك". ولما كانت ممتلكات الأسر الاميركية مثقلة بالاستثمارات في الاسهم، فإن الهبوط الحاد الذي حصل في الاسهم الاميركية ولا سيما في اسهم التكنولوجيا المسجلة في مؤشر "ناسداك" اصابت ثروة المستهلكين في الولاياتالمتحدة اكثر من الاوروبيين. وأخيراً، لم تختبر منطقة اليورو مثيلاً لفورة الانفاق على التكنولوجيا التي جرت في الولاياتالمتحدة. فالاستثمارات في التكنولوجيا لم تكن مسرفة كما كانت الحال في الولاياتالمتحدة وبالتالي لم تستفد من أكلام رأس المال الرخيصة وغير المعتادة التي استفاد منها قطاع التكنولوجيا في اميركا. ولو كان حصل ثمة شيء من هذا القبيل، فإن اعتماد اليورو وانشاء سوق للمال واحدة وعميقة وشاملة، لنجم عنه ان رأس المال في أوروبا المخصص للتكنولوجيا كان رُصد وانفق بطريقة اكثر فعالية من أي وقت مضى. وكأن كل هذا لم يكن كافياً، لتشهد هذه السنة محفزات مالية مهمة في أوروبا في حين يخطط رئيس الولاياتالمتحدة جورج بوش لخفوضات في الضرائب يوافق عليها الكونغرس، لكنها لن تبدأ حتى عام 2002. التباطؤ التجاري سيصيب أوروبا ومع هذا، هناك ضرب من الاستكانة الذانية يذكرنا بعام 1998، عندما كانت أوروبا تنتظر ان تفك الارتباط بينها وبين آثار الأزمة الآسيوية، فلم تفلح. فإذا كان ثمة تباطؤ في التجارة العالمية، فأوروبا ستتأثر مهما كانت اسسها الاقتصادي متينة وداعمة. ثم ان اكبر اقتصاد في العالم يعاني من هبوط ضخم في نمو الطلب الداخلي. ومن المستبعد ان تتمكن أوروبا من تجنب تباطؤ بهذا الحجم. في الواقع، فإن مؤشر أوروبا التكهني للمنظمة الأوروبية للتعاون والتنمية، الذي هو مبشر يعتمد عليه، يتجه نزولاً بحدة. كونوا اذن على استعداد لرؤية الانتاج الصناعي يهبط في عام 2001. تاريخياً، كان مؤشر المنظمة الأوروبية للتعاون والتنمية الطليعي مؤشراً جيداً لاتجاه نمو أرباح الشركات الأوروبية. فهذا الارتباط يشير الى تباطؤ كبير في نمو الارباح الأوروبية في الأشهر التسعة المقبلة. أربعة مخاطر وهناك أربعة مخاطر رئيسية تجابه استمرار النمو الأوروبي. أولاً، ان التجارة العالمية هي في طور التباطؤ وذلك بصدمة مثيرة. فالمؤشران الأكثر حساسية وذات التوقيت المناسب للتجارة الدولية هما الصادرات التايوانية والكورية لأنهما يشيران بوضوح كبير الى الهبوط. يضاف الى ذلك، ان المسح الأخير للجمعية الوطنية لمديري الشراء في الولاياتالمتحدة اظهرت تدهوراً كبيراً في حجم الطلبيات على الصادرات. والخطر الثاني الذي يواجه أوروبا هو ان المصرف المركزي الأوروبي لم يقرر حتى اليوم اعتماد سياسة نقدية ميسرة في وجه تباطؤ النمو، في حين يتباطأ فيها النمو النقدي، وخصوصاً النمو النقدي بمعناه الضيق. والخطر الثالث هو انه حتى ولو حصل فك الارتباط الاقتصادي، فقد لا تتبعه أرباح الشركات. ومع ان التجارة مع الولاياتالمتحدة هي صغيرة نسبياً، إلا ان تأثر الشركات الأوروبية بأرباح الشركات الاميركية أكبر بكثير، وازداد بطريقة مثيرة في العامين الأخيرين، اذ ان عدداً كبيراً من الشركات الأوروبية امتلك قسماً كبيراً من أصول الشركات الاميركية. وتبدو دورة أرباح الشركات الاميركية حالياً في محنة. وعلى رغم التكهن بزيادة أربعة في المئة في نمو أرباح الشركات لعام 2001، هناك امكان جدي لأن تشهد في الواقع نمواً سلبياً للارباح، اذ ان فروع الشركات الأوروبية في الولاياتالمتحدة لن تبقى في منأى عن ذلك. وحتى وان كنا نشدد على الاستثمار في الاسهم الأوروبية ونبقى على الحيادة بالنسبة الى الاستثمار في الولاياتالمتحدة، فهناك خطر على هذا التصور في السياق القصير. وفي اعتقادنا من المرجح ان تتأثر الارباح الأوروبية بالهبوط في الولاياتالمتحدة عبر تباطؤ في النمو العالمي. ولم يقدم المصرف الأوروبي على فعل شيء لتجنب هذا الخطر. وهناك فرضية منتشرة وهو حصانة أوروبا ازاء تدنٍ في الولاياتالمتحدة انعكس في تقييم الاسهم الأوروبية. فأي إشارة الى ان أوروبا اصيبت بالجرثومة الاميركية يمكن ان تؤدي الى مفاجأة لا يرحب بها المستثمرون. * كبير استراتيجي الاستثمار في شركة ميريل لينش.