كان المعلقون حتى أشهر قليلة يمتدحون الاقتصاد الاميركي بأنه ليس كثير السخونة ولا كثير البرودة بل هو على ما يرام. غير ان درجة الحرارة انخفضت فجأة، وبدأ المستثمرون يرتعدون من جراء الارتفاع في معدلات الفائدة الاميركية والتباطؤ في النمو الاقتصادي. موجات هذا التشاؤم الجديد - سواء كان أو لم يكن مبرراً - أخذت في الانتشار عندما شرع مديرو صناديق الاستثمار يبيعون السندات والأسهم، خصوصاً اسهم شركات التكنولوجيا. وزاد مزيج من الارتفاع في معدلات الفائدة والتباطؤ في النمو العالمي المخاوف من "هبوط عنيف" - أي تباطؤ مفاجئ في النمو الاقتصادي يؤدي بالتالي الى ركود. أما نحن فنتوقع تباطؤاً معتدلاً في النشاط الاقتصادي ونهاية للتصاعد في معدلات الفائدة بحلول الخريف. فالزيادة الحادة الأخيرة بواقع نصف نقطة مئوية في معدلات الفائدة التي أقرها مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الأميركي نزعت أي شكوك كانت تساور الناس إزاء تباطؤ محدق في الاقتصاد الاميركي. لكن السؤال الوحيد هو متى يكون ذلك والى أي مدى؟ نتوقع ان يرفع البنك المركزي معدلات الفائدة قصيرة الأجل الى 6.75 في المئة، وحتى الى سبعة في المئة في مسعى الى خفض معدل النمو صوب أربعة في المئة هذه السنة. وهكذا تعود البلاد الى مسارها الطبيعي في النمو. غير ان البنك المركزي يعطي في توقيته اشارات على ان بوسعه استباق التطورات الاقتصادية وتحديد شكلها ثم بإمكان الاسواق ان تنهض بقوة ساعة يبدأ المستثمرون في التثبت من ان تشاؤمهم كان في غير موضعه. الاقتصاد الأوروبي ان البرودة الاقتصادية الأميركية لم تؤثر حتى الآن على نحو خطير في أوروبا، مع اننا نتوقع ان يرفع البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة قصيرة الأجل بحلول الصيف الى 4.25 في المئة وان تبقى العملة الموحدة راكدة. في الواقع، هناك ما يشبه المعجزة في الذي يجري في سوق العمل الأوروبية بفضل اليورو الضعيف. ففرنسا على وجه الخصوص تقدمت في المدة الأخيرة على الولاياتالمتحدة في مباريات "معجزة النمو". كما ان اسبانيا وهولندا وايرلندا وفنلندا تتمتع بنمو قوي، وفي نواح كثيرة، وتعيش أوروبا في أحسن ما يمكن ان تكون عليه من أزدهار. أدت العملة الضعيفة الى زيادة الصادرات وساعدت الدول الاعضاء في الاتحاد الاقتصادي لتستفيد في بعض النواحي من القوة الاقتصادية التي سادت في الولاياتالمتحدة. فالتحسن في النمو الداخلي يخفض من مخاطر ان تقع أوروبا ضحية الخضات الخارجية. وفي حال حصول تباطؤ عالمي، يمكن ان تشعر أوروبا بهبوط أقل قسوة من أقطار أخرى. ذلك ان السياسة النقدية مستمرة في توسعها والدورة الاقتصادية متعافية ينشطها مزيد من العمالة ويبقى لديها متسع للنمو. ومع ذلك، ندرك انه ليس بمقدور الانتعاش الأوروبي ان يستمر طويلاً في وجه انكماش حاد في الولاياتالمتحدة. يبقى المشهد في اليابان أحجية صعبة، اذ ان احتمالات الانتعاش لدى المستهلكين هزيلة وسط نمو ضعيف في مستوى الأجور. وراء هذه الخلفية، يأتي رد المستثمرين على مستوى العالم سلبياً. آخر مسحٍ أجرته شركة "ميريل لينش" لمديري صناديق الاستثمار ليُنشر هذا الشهر يدل على ان التفاؤل الاقتصادي انخفض في خمسة من الاقطار الستة التي حصل فيها المسح، بينما تشير التوقعات الى ان النمو العالمي سيبلغ الذروة في ايلول سبتمبر المقبل. وعلى رغم حذرنا تجاه الاسهم، نعتقد ان المستثمرين قد بالغوا كثيراً في تشاؤمهم حسبما يستدل من النموذج الذي تتبعه "ميريل لينش" في قياس الاتجاهات. وان تقديرنا عن الشعور تجاه السوق يعكس لهجة نزولية متطرفة نادرة. ان مديري صناديق الاستثمار الاميركيين على الأخص رفعوا توقعاتهم التضخمية واتخذوا موقفاً سلبياً من اسهم التكنولوجيا بالمقارنة مع الأوروبيين. فبينما أجاب 68 في المئة من الأوروبيين ان الهبوط الأخير في اسهم مؤشر "ناسداك" يُعطي فرصة لشراء هذا النوع من الاسهم، يشعر 54 في المئة من المديرين الاميركيين ان ذلك الهبوط يسوغ البيع. المديرون الاميركيون متشائمون كثيراً وعدد قياسي منهم يحتفظ بجزء ليس بصغير من موجوداته نقداً. انخفاض اليورو يقوي النمو الأوروبي على رغم ان أوروبا تزدهر كنتيجة لانخفاض سعر صرف اليورو إزاء الدولار بنسبة 25 في المئة، فقد انخفض التفاؤل لدى مديري صناديق الاستثمار في المنطقة على النقيض، نحبذ الاسهم الأوروبية في محفظة عالمية، مع ان المستقبل، في المطلق، غير مشجع. ان استراتيجية "ميريل لينش" في توزيع الموجودات تعكس جواً متزايداً من تجنب المخاطر وتدهوراً بالسيولة، وعلى العموم نلاحظ شعوراً بالتشاؤم إزاء السوق، آخذين بالحسبان ايضاً الميل الى الابتعاد عن الاسهم المرتكزة على التكنولوجيا والتضييق المتزايد في السياسة النقدية بغية المحافظة على الاستقرار في الاسعار. في رأينا، نكون على خطأ اذا كنا كثيري السلبية تجاه الولاياتالمتحدة لكننا نستمر في تفضيل اسواق أخرى. نوصي بموجودات نقدية فوق المعدل في توزيعنا الاقليمي. فنخفف من نسبة استثماراتنا في اليابان لصالح الاسهم الأوروبية ونخفض من مستوى استثماراتنا في الاسواق الناشئة الى تحت المتوسط ضمن استراتيجية تجنب المخاطر. فيما يتعلق بأسواق الاسهم، في رأينا، على المستثمرين المقتنعين بأن النمو قد بلغ ذروته، ان ينوعوا استثماراتهم ويبتعدوا عن الاسهم الدورية المقوّمة غالياً - مثل التكنولوجيا والاعلام والاتصالات. وعليهم بدل ذلك ان يزيدوا استثماراتهم في الاسهم ذات الصفات الدفاعية. في أوروبا، ننصح بالأسهم الدورية والمالية. وفي الولاياتالمتحدة نوصي بأسهم الطاقة وأسهم مختارة في التكنولوجيا. وفي آسيا، نحبذ الاستثمار في اسهم الشركات التي هي في طور اعادة هيكلتها وفي اسهم الشركات المالية. * اقتصادي دولي في شركة "ميريل لينش".