تبدو الكويت مع الحكومة الجديدة، ومع مضي عشرة أعوام على الغزو والتحرير، كأنها تطوي مرحلة لتبدأ مرحلة مختلفة وواعدة. ثمة شعور بالارتياح ساد الشارع الكويتي ومختلف الأوساط السياسية والمالية. البورصة استشعرت سريعاً هذا الجو، والسوق تحركت قليلاً غداة إعلان الحكومة من قبيل التشجيع، لكن الحيوية الاقتصادية لا تزال بعيدة، تلزمها قرارات، وهذه تلزمها خطط، والخطط موجودة. الكويتيون يعولون، إذاً، على هذه الحكومة، كونها جاءت بعد أزمة. وهم مقتنعون عموماً بأنها منسجمة ويمكن أن تشكل فريق عمل متناغماً، فضلاً عن أنها تركيبة حذقة تخترق الكتل النيابية وتحول دون استجوابات كيدية توتر العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة وتعطل عملياً انتاج الطرفين. وكأي حكومة جديدة، تريد هذه الحكومة أن تعطى فرصة للعمل. ومع أن الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة لم تعط مؤشرات إلى "فترة سماح" مقبلة، إلا أن مصادر عدة تعتبر أن المجلس لا يملك خياراً آخر، وبالتالي فإن الجلسة المقبلة في النصف الثاني من آذار مارس الجاري ستكون محكاً لبداية "التعايش السلمي" بين الطرفين. كان قانون الاستثمارات النفطية في حقول الشمال موضوع الاحتكاك الأخير بينهما، وبدا التراشق الحكومي - النيابي كأنه من ذيول الحكومة السابقة، وسرعان ما شرحت الديوانيات الدوافع الكامنة وراء الاحتكاك، وتوصلت إلى استنتاجات أربعة انطلاقاً من أن قانون الاستثمارات نفسه ليس جديداً وليس مرفوضاً، وإنما تتوزع حوله المصالح سلباً وايجاباً. أولها أن المجلس يضغط ليعزز رقابته على أموال النفط استكمالاً لرقابته على المال العام. والثاني أن نواباً استحصلوا على فوائد عبر "الشركات المؤهلة" للمشاركة في الاستثمارات، وآخرين خسروا لأنهم رشحوا شركات لم تُؤهل. والثالث ان هناك نواباً لم يدخلوا السباق أصلاً لكنهم يريدون خدمات معينة لمناطقهم كي يقايضوا بها سكوتهم. والرابع أن تكتلاً نيابياً تبلور أخيراً وأسمع صوته المعارض، لكن دافعه الأساسي تصفية حسابات سياسية ذات علاقة ببعض المناصب، خصوصاً رئاسة مجلس الأمة. لا شك في ان وجود عادل صبيح في وزارة النفط سيلجم معارضة التيار الإسلامي للقانون، فهو من هذا التيار وفيه. مثلما أن وجود يوسف الإبراهيم في وزارة المال يرضي وسط المال والأعمال. ووجود فهد الميع في الاسكان يؤمن تأييد النواب العوازم السبعة ويريح القبائل الأخرى. ووجود طلال العيار في الشؤون الاجتماعية يفتح خطاً للتفاهم مع "المناطق الخارجية". كذلك وجود صلاح خورشيد في الصناعة والتجارة يوفر تمثيلاً مقبولاً للشيعة، وفي الوقت نفسه يمثل الوزراء من شيوخ الأسرة الحاكمة صيغة ذات تواصل مع التيارات المختلفة. صحيح أن الشكل والمضمون يوحيان بالانسجام ويعدان بالفاعلية، إلا أن بعضهم يستعين بعبارة انكليزية معروفة ليصف هذه الحكومة بأنها "النبيذ نفسه في زجاجة جديدة"، ويتريث في الحكم من خلال عملها. وثمة من يتحدث عن "عودة الصقور" أو يتوقع حل مجلس الأمة إذا حصل تصادم "لأن الحساسية عالية" و"لأن المشكلة لم تنته". أي مشكلة؟ ليس في الكويت سر، وهذا في مصلحتها. على رغم ما قيل ويقال، يؤكد مرجع حكومي بارز ان صيغة تمثيل الأسرة في الحكومة تمت "بالتوافق بين مختلف الأجنحة"، و"بتغليب مبدأ الحفاظ على مؤسسة الحكم". ويقول مرجع نيابي رفيع المستوى: "ماكو خلافات، لكن الأسرة تمر بظروف بعضها الأكبر خارج عن إرادتها، كان ولا يزال مطلوباً أن يرتبوا أمورهم لأن الكويتيين يطلبون منهم أن يحكموا خلافاً لشعوب كثيرة تتمنى من حكامها أن يرحلوا. للمرة الأولى لم يكن مجلس الأمة طرفاً في الأزمة الحكومية الأخيرة، كان الموضوع يخص بيت الحكم، والحل الذي توصلوا إليه يسيّر عجلة الحكم وهذا هو المهم، وضعوا الدواء على الجرح، والعلاقة بينهم تبقى علاقة عائلية بكل ما تعنيه الكلمة، والباقي لا يحتمل التكهنات ومصارعة الأقدار، لكننا لسنا مقبلين على أزمة حكم". لعل "الظروف الخارجة عن الإرادة" تتمثل خصوصاً في الحال الصحية التي ألمت بولي العهد الشيخ سعد العبدالله الصباح، وأثرت في قدرته على إدارة الحكومة بطريقته "المركزية" التي انتهجها على الدوام. وقد عززت تلك الحال مطالبة تيارات سياسية عدة بفصل ولاية العهد عن رئاسة الحكومة، لكن الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح رفض باستمرار هذا الفصل ولا يزال يرفضه لأن "للشيخ سعد تقديراً خاصاً في الأسرة وفي البلد"، كما يقول المرجع النيابي، "فلا أحد ينسى وقفته المتماسكة خلال الغزو، ولا أحد داخل الأسرة يتنكر له تحديداً في ظروفه الحالية". لذا ارتؤي "الفصل التنفيذي" الذي سيتولاه الشيخ صباح الأحمد الصباح "تحت مظلة الشيخ سعد"، وهو "مهمة صعبة" تتطلب منه "أن يراعي النواحي الاعتبارية بدقة تفادياً للاحراج". ويؤكد المرجع أن هذا "الفصل" من غير فصل لم يأتِ ثمرة "اتفاق سياسي" ولم يغير العرف و"إنما هو شيء عُرف وفرضته الظروف". ويشير أحد المحللين الكويتيين إلى أن البلد عانى خلال الأعوام السابقة من تجاذبات أخّرت "إعادة الهيكلة"، خصوصاً في مجال الاقتصاد، وعطّلت أحياناً اتخاذ قرارات مهمة أو تنفيذ قرارات متخذة. وحين انعكست التجاذبات على البرلمان حصل اصطفاف للقوى بحسب المصالح، لكن سوء الأحوال الصحية لدى أكثر من قطب سياسي فاقم التجاذبات وزاد الجمود في العمل الحكومي، بل عزز المخاوف على مستقبل الحكم. ويعتبر المصدر نفسه ان الصيغة التي تقدمها الحكومة الجديدة تنطوي على بداية حلحلة، فهي أولاً تفادت فصل الولاية عن رئاسة الحكومة لأن الظرف لا يسمح بحسمه. وأعطت، ثانياً، الحكومة إمكانات العمل والفاعلية. وتجنبت، ثالثاً، إحداث خلل في تمثيل الأسرة الحاكمة، إذ أن الأجنحة الرئيسية الثلاثة الجابر والسالم والحمد موجودة على نحو متوازن. واستبعدت، رابعاً، الوزراء من فروع الأسرة لأنهم شكلوا دائماً نقطة الضعف التي يضغط عليها مجلس الأمة، وكانوا هدف النواب في ثلاث أزمات كبيرة قبل الغزو العراقي وبعده.