ربما كان الإعلان ليل الأربعاء الفائت عن حكومة كويتية جديدة نهاية للأزمة الصغرى التي عاشتها الكويت منذ الاستقالة غير المفاجئة للحكومة السابقة. لكن الأزمة الأكبر داخل مؤسسة الحكم الكويتي ظلت من غير حل وإن كانت دخلت في طور جديد، ولم تعد شؤون الأسرة الحاكمة، بعد "الدراما" الأخيرة، محصورة في همس بعض الديوانيات وحديثها الخافت، بل صارت منافسات الأجنحة والفروع ضمن هذه الأسرة قضية معلنة ومحوراً للنقاش في الشارع الكويتي وفي وسائل الإعلام الخارجي. وكان معلوماً منذ سنوات أن رموزاً في فرع آل جابر تسعى إلى دور أكبر في إدارة شؤون الحكومة وقراراتها، في حين أن رئيس هذه الحكومة، وهو من آل سالم، كان يمسك بخيوط اللعبة ويضمن لفرعه وللفروع الأخرى حصصاً متوازنة من النفوذ والمواقع ومشاركة مناسبة في القرار السياسي. وهذه المنافسة شجعت على مدى عقدين من الزمن مجموعات المعارضة الليبرالية، ومن بعدها الإسلامية، على توزيع نفسها بين هذين الفريقين والبحث عن أدوار تلعبها ضمن المنافسة. ولأن المعارضة أكثر احترافاً في التعبير عن نفسها وفي التحريك السياسي والإعلامي، فإنها سحبت المتنافسين داخل مؤسسة الحكم نحو مزيد من التناقض والتنافس وابتكرت على الدوام قضايا إضافية يمكن الاختلاف عليها! وتدخلت الظروف الصحية لرموز من آل سالم لتغير المعادلة، غير أن تأرجح دفة الميزان داخل الحكومة لآل جابر لن يكون حاسماً، و"الدراما" التي عاشتها الكويت عند استقالة الحكومة طرحت الكثير من الأسئلة المؤجلة منذ زمن، مثل السؤال عن توزيع الحقائب الوزارية على ممثلين لفروع الأسرة، خصوصاً الرجال المتحدرين من صلب الشيخ مبارك الكبير وينحصر بهم - في نص الدستور - حق الإمارة. هؤلاء صاروا يعدون الآن بالمئات، في حين أن خبرة قرنين من حكم آل الصباح تبين أن من يتولى منصباً تنفيذياً يكون أوفر فرصة للدخول في مسلسل توارث الإمارة، وبالمقدار نفسه فإن من يجلس على كرسي الإمارة يعطي ذريته فرصة للتأهل للإمارة أكثر ممن لم يجلس. هذه الأمور لم يحددها الدستور، وإنما هي موضع تقدير "مجلس الأسرة"، لذا فإن هامش الاختلاف والمنافسة يزداد بمرور السنين. وكانت جرت العادة على ادخال فروع من الأسرة من غير ذرية مبارك الكبير ضمن توزيعات الحقائب الوزارية، لكن جرى تعليق هذا التقليد في الحكومة الأخيرة، لأن تعزيز وجود فرع آل جابر داخل الحكومة استدعى تعزيز وجود فرع آل حمد، ما حتم زيادة الشيوخ الوزراء إلى سبعة، جميعهم من ذرية مبارك، وهو وضع قد يستقر بحكم التوسع الديموغرافي للأسرة التي يقدر مجموع أفرادها ببضعة آلاف. لكن منافسات الفروع لا تنفي أن الأسرة الحاكمة عانت في السنوات الأخيرة من عدم ظهور "صف ثان" من الشيوخ المؤهلين لتسلم مسؤوليات حكومية، فيما أبدى الشيوخ الشباب تململاً من تقاليد العمل الحكومي والسياسي وسعوا إلى تحقيق طموحاتهم. ولعل هذا ما جعل الشيخ صباح يطرح على "مجلس الأسرة" اثناء الاجتماعات التي عقدت لحل "عقدة" تشكيل الحكومة الجديدة، إمكانات السماح لأبناء الأسرة بالمشاركة في الحياة السياسية، انتخاباً وترشيحاً لعضوية مجلس الأمة، أسوة بالمواطنين كافة. سيكون هذا الاتجاه أحد مهمات الحكومة الجديدة، إضافة إلى احتمال حسم موضوع اعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية بصورة موازية لحقوق الرجل ولأبناء الأسرة الحاكمة. ويعتقد بعض المصادر أن الشيخ صباح الأحمد، وهو مؤيد لمشاركة المرأة، سيعمل على إصدار مرسوم جديد "معلل" بإعطاء أبناء الأسرة والمرأة الحقوق السياسية كاملة يمكن تمريره في المجلس من دون "معارضة تُذكر"، خصوصاً من نواب القبائل الذين يدينون لكبار الشيوخ بمناصبهم النيابية وغيرها. يُشار إلى أن أحداً من أبناء الأسرة لم يُقدم ترشيحه رسمياً للحصول على أصوات الناخبين، علماً أن الشيخ أحمد الفهد الصباح، وزير الإعلام الجديد، كان أبدى رغبة في تقديم ترشيحه عام 1999 للحصول على مقعد نيابي، لكنه تراجع بعد نصيحة من الشيخ صباح الأحمد الذي قيل إنه وعد بدرس الموضوع "في الوقت المناسب".