يدور بين حين وآخر كلام على مساهمة المرأة العربية في المنجز الثقافي الراهن يحط من شأن هذا الإنجاز، ويدعي ان ما تكتبه الكثيرات من الكاتبات العربيات يفصح عن مواهب شحيحة يقوم بعض النقاد والصحافيين برعايتها وإلقاء الضوء عليها لأسباب لا علاقة لها بفرادة المنجز والإضافة الى رصيد الأنواع الأدبية. ويضيف أصحاب هذه الحجة ان عدداً من الكاتبات العربيات تبوأن في الثقافة العربية مواقع أكبر من حجومهن الفعلية بكثير لأننا اذا قارناهن بأقرانهن من الكتاب، في الشعر والقصة والرواية، سنجد أنهم يتفوقون عليهن ويحققون إبداعياً إضافات أساسية للأنواع الأدبية التي يكتبون ضمنها. لكن الاهتمام بالمرأة، ليس في الوطن العربي فحسب، بل في العالم كله، هو ما يلفت الانتباه الى ما تكتبه المرأة بوصفه وثيقة أولاً وصورة من صور تشجيعها على الابداع في المحصلة الأخيرة! ويرى أصحاب هذا الرأي انه لولا صعود قضية المرأة في الاعلام، ووجود جماعات ضغط تعنى بحضور المرأة والاهتمام بقضاياها، لما شاهدنا هذه الاضاءة الساطعة على ما تكتبه نساء ذوات أنصاف مواهب. وعلى رغم ما في بعض هذا الكلام من وجاهة، وخصوصاً في ما يتعلق بصعود الحركات النسوية في العالم واهتمام هذه الحركات والمؤسسات التابعة لها بكتابات النساء وسهولة ترجمتها قياساً الى ترجمة أعمال الكتاب العرب الى اللغات الحية في العالم، إلا أنه يظلم المرأة العربية ويفتئت على ما حققته من إنجاز في الشعر والرواية والقصة القصيرة والنقد كذلك. كما انه يصدر عن عقلية ذكورية ترى الى المرأة بوصفها تابعاً وشخصاً قابلاً للرعاية الذكورية حتى تحقق شيئاً على صعيد الابداع والحضور الاعلامي. فهناك كتاب ذكور كثيرون في الوطن العربي حظوا أيضاً برعاية واهتمام إعلامي لا يستحقونهما، وهم صعدوا الى سدة الاهتمام لأسباب تتعلق بالسياسة أو مسقط الرأس أو سهولة الوصول الى وسائل الاعلام فيما لم يكن ابداعهم نفسه قادراً على حمل أسمائهم، تماماً كما أن هناك كاتبات حظين بالرعاية والاهتمام في الصحافة ولم يكن ما أنجزنه على الصعيد الابداعي يستحق كل هذا الضجيج الذي يثار حوله. لهذا علينا ألاّ نعمم عندما نتحدث عن هذه الظاهرة المرضية في الحياة الثقافية العربية ونخص المرأة بذلك وننسى الرجل. ومع ذلك فثمة رؤية سوسيولوجية تلازم كتابات بعض النقاد الذين يهتمون بما تكتبه المرأة في الوطن العربي انطلاقاً من زاوية نظر تقول إن قمع المرأة، والافتئات على حقوقها، استمرا زمناً طويلاً، ما كبتها وكبت حريتها في التعبير عن ذاتها وعن تاريخ جنسها. ومن هنا فإن هؤلاء النقاد يترفقون بكتابات المرأة ويهتمون بمشكلات التعبير وموانعه من دون الاهتمام بأشكال التعبير وطاقاته الجوانية والقدرة على تفجير ممكنات اللغة في كتابات النساء العربيات. وأظن ان هذا النوع من الكتابة ينتمي الى البحث الاجتماعي والانثروبولوجيا الثقافية ولا ينتمي الى حقل النقد الأدبي ودراسة الأنواع الأدبية وعالم تحليل النصوص. انه ينجز دوره في التعرف الى كيفيات ابداع الخطاب وتداوله ولكنه لا يحقق الكثير في حقل التعرف الى عناصر هذا الخطاب الأدبي وأشكال تميّزه كخطاب. لكن الاعتراض السابق على شكل النظر الى كتابة المرأة العربية لا يعني ان هذه الكتابة ليست متميزة مثل كتابة الرجل. ففي تاريخ الكتابة العربية روائيات وقاصّات وشاعرات وناقدات متميزات. وقد تنازعت نازك الملائكة ريادة تجديد دم الشعر العربي في نهاية الأربعينات مع كل من بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي. ومهما كانت اعتراضاتنا على شعرها وتراجعها عن افكارها التي أطلقتها في البداية فإن كتاب الملائكة النظري "قضايا الشعر المعاصر" أثار عاصفة من المناقشات حول معنى التجديد في الشعر العربي المعاصر. ومن ثمّ فإن المرأة العربية شريك بارز في التأسيس لجماليات جديدة في الشعر العربي المعاصر. كما أن روايات هدى بركات ورضوى عاشور وسلوى بكر وميرال الطحاوي، وما أنجزته الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان والراحلة سنية صالح على صعيد الكتابة الشعرية العربية، وما قدمته سلمى الخضراء الجيوسي وخالدة سعيد ويمنى العيد واعتدال عثمان وفريال جبوري غزول وغيرهن في حقل الكتابة النقدية، يكذب التعميم، الفضفاض الشديد التبسيط، الذي يقول ان كتابات المرأة العربية لا تقوم بذاتها، بل بما يكال لها من مديح في الصحافة والكتابات النقدية.