في ندوة ادبية عقدت بالقاهرة هاجمت الناقدة الدكتورة شيرين ابوالنجا الكاتبات اللائي يصدرن اعمالاً ادبية غير جيدة، وقالت: "أتحسس مسدسي عندما تصدر أي كاتبة كتاباً الان". واكدت ان الكتابات النسائية الكثيرة غير الحقيقية شكلت التصور السييء عن "الكتابة النسوية" لدى الجمهور، خاصة ان هؤلاء الكاتبات يصدرن اعمالاً مبتذلة. وأكدت انه توجد اعمال جيدة، الا انها قليلة، ولكنها من جهة أخرى أعلنت تضامنها مع أي كاتبة تقدم كتابة جادة في اللحظة الحالية. ونحن هنا عندما نطرح هذه القضية حرصنا على أن تكون المشاركات نسائية ليس من باب تصنيف الأدب ومقولات أدب نسوي وأدب رجالي، كما ورد في بعض الردود ولكن من باب أن القضية جاءت بعفويتها بهذه الطريقة، فكون الناقدة تقول إن جميع الكتابات النسائية يجب أن نتحسس المسدس حين صدورها فإن ذلك يعني بطريقة أو بأخرى أن الأدب النسوي رديء بالدرجة التي نستعد لنفيه أو لإسقاطه.. وعلى الرغم من أن هذا النوع من النقد يبدو أنه يحمل بذرة التعالي إلا أنه في ذات الوقت يجب أن يؤخذ مأخذ الجد، وأن يناقش على مستوى عال من الدقة والحساسية لا أن يناقش بطريقة صحفية بحتة (إدانة وتأييد) فهذه الإدانة قد تنفع على المدى القريب، أما من الناحية الثقافية والفكرية البحتة، فالمسألة يجب أن تأخذ أبعاداً أخرى، أقرب إلى المهنية الثقافية بحيث نحظى بآراء قريبة للواقع الإبداعي على الساحة العربية. ولعلنا نتساءل بصدق ووعي ينم عن متابعة دقيقة لما يصدر على امتداد الوطن العربي؛ هل كل ما يصدر من إبداعات ودراسات نسائية رديء لكي نخرج مسدساتنا ونقمع ذلك العمل؟ وإذا كانت الناقدة تتحدث عن مصر، فلعل القضية تكون أكثر سوءاً حيث أن الساحة المصرية تضج بالإبداعات النسوية، ولسنا هنا بصدد إحصاء ببلوجرافي لتوضيح وجهة النظر، فالمتابع أكثر وعياً بهذا الأمر. كما أنه من حق الساحة العربية على امتدادها أن تكون في مواجهة هذا الأمر، ومرة أخرى ليس من منظور صحفي على أهميته، ولكن من منظور قياس ميلومتري للتطورات التي تحدث على الساحة الأدبية والثقافية، فمن المؤكد أن هذا التصريح لم يأت من فراغ وناقدة مثل د. شيرين أبو النجا لم تقل كلامها في الهامش، وإنما جاء كما يبدو عن متابعة حقيقية لما يكتب على الساحة المصرية، ومع ذلك فيبدو أن هناك ظلما أو حكما تعسفيا، فأن يصدر هذا الحكم على جميع الكتابات مع استثناء خجول، هذا الأمر بحاجة إلى أكثر من وقفة. ونحن هنا في استطلاعنا فضلنا أن نبدأه بمصر وسوريا، ثم ننطلق من خلاله إلى الساحة السعودية والخليجية، في جولة نرصد من خلالها ماذا تقول المرأة على هذا الحكم الذي من المفترض أن يصدر من محكمة وليس من ناقدة كما يتضح من الردود. كتابات لا تستحق الدراسة بداية اتفقت الشاعرة شريفة السيد مع د. شيرين، معللة ذلك بأن هناك الكثير من الاعمال الادبية النسائية التي لا ترقى الى مستوى الادب الجيد، وبالتالي لا تستحق الدراسة. واستدركت: لكني لست معها عندما تقول "اتحسس مسدسي عند صدور عمل لكاتبة" فذلك معناه التحفز المسبق قبل قراءة العمل اولاً، في حين ان الناقد الموضوعي عليه ان يتقبل صدور أي عمل لامرأة او رجل بصدر رحب "حتى تثبت ادانته"، ولن تثبت إدانته إلا بعد قراءة جادة وعميقة. وليس معنى وجود بعض النصوص الرديئة ان نترك كل النصوص بلا قراءة. الحاضر الذكوري واشارت الى ان النظرة السائدة لادب المرأة ما زالت متأثرة بالحاضر الثقافي الذكوري، رغم كل التحضر الذي وصلنا اليه، فالرجل لا يزال ينزل لادب المرأة على انه نوع من الترفيه والوجاهه، وانه أدب الأظافر الناعمة، أو أنه لا يستحق الدراسة إلا فيما ندر، رغم وجود أسماء لامعة في سماء الأدب يشهد لها الجميع على الرغم من أنه "شفاهة فقط" لكنهم لا يتجرأون على كتابة رأيهم عبر مقالات او دراسات نقدية خوفاً من شيء لا يعلمه الا الله!! المرأة الناقدة والمرأة المبدعة من جهة أخرى فإن المرأة الناقدة لا تريد انصاف المرأة المبدعة ولو بمجرد قراءتها جيداً. وأضافت قولها إن اهمال الأدب النسائي أو إطلاق الرصاص النقدي عليه بدون إثبات رداءته بشكل موضوعي مرفوض، إذ لا بد من التعامل مع هذه النصوص على أسس نقدية سليمة، مع ضرورة اعمال العقل في أمر غاية في الاهمية، هو قضية الأدب النسائي نفسه ولماذا يأتي رديئاً أحياناً، وجيداً أحياناً، ومتميزاً في اضيق الحدود؟ وقد يكون مطلوباً البحث وراء اسباب ذلك ومعالجة القضية من جذورها في المحاضرات الجامعية والدراسات العليا والمقالات الصحفية ووسائل الاعلام، وإثارة القضية لجعلها قضية رأي عام، حتى تتنبه المرأة لذلك فتشتغل على إنتاجها لتجعله جيداً، وتخرس كل من يحاول اذلالها او القضاء على أدبها أو حتى مجرد شغلها عن الأدب، فتظل في قمقمها دون تقدم ملحوظ. من أين أتت الرداءة؟ وتساءلت شريفة السيد من أين أتى هذا الرأي "رداءة الادب النسائي في العموم الا فيما ندر" وليست لدينا ببليوجرافيا كاملة عن الادب النسائي في الوطن العربي؟ وهل قمنا بعملية مسح شامل للادب النسائي في الوطن العربي كله حتى نقول انه رديء؟! نحن النساء بحاجة الى مجهودات جبارة بالتعاون مع وزارات الثقافة والإعلام والجمعيات الأهلية الثقافية في كل مكان لإجراء هذه الببليوجرافيا وتقديم الادب النسائي للقارئ بشتى الطرق، وبعد تقديمه يتم اجراء دراسات ادبية علمية. وتخلص السيد إلى القول أنه من هذا المنطلق يمكن ان نكتشف الجيد من الرديء، ولا تصبح قضية الرداءة قضية عامة، وهناك اسماء متميزة في الادب العربي سقطت من التاريخ بسبب الاهمال، رغم أنها تستحق أن توضع في المقدمة. اذن كتابة المرأة تحتاج الى اهتمام مبدئي من جانب النقد الموضوعي. الترويج للأعمال الرديئة وأكدت السيد أن هناك نقاداً من الرجال يروجون للاعمال الأدبية النسائية حتى ولو كانت رديئة، وهذا مرجعه إلى المجاملات وتبادل المصالح الشخصية، وكم طالبت هؤلاء النقاد من قبل بالاحتكام للعقل والحق عند تقديم أي كاتبة للقارئ وأن يكونوا موضوعيين عند تناول أدب المرأة، ولكنهم لا يسمعون. وتساءلت السيد في نهاية مداخلتها قائلة: لماذا يغفل النقاد ادب الشاعرة نور نافع عمداً؟ وهو تساؤل واحد فقط كمثال على هذا التجاهل. رأي شخصي وعلقت الاديبة عفاف السيد على رأي الدكتورة شيرين ابو النجا بأنه رأي شخصي وليس رأياً نقدياً، وهو ينصب على البيولوجي وليس على الثقافي.. وأشارت إلى أنه إذا كانت الكاتبات يكتبن اعمالاً يصفها البعض بأنها دون المستوى، فان معظم الكتاب من الرجال ايضاً دون المستوى. والخطاب الابداعي لا ينفصل بأي حال من الاحوال عن الخطاب الثقافي بل والخطاب العام بشكل اوسع. وأضافت قائلة: هناك من لبسوا عباءات الأستاذية، وبدأوا يفندون ويصفون ويتعاملون على أنهم يملكون الاعتراف بهم / بهن، وهذا شيء يدعو الى الضحك، ويذكرنا بأننا نمر فعلاً بمرحلة الانحطاط الثالثة في التاريخ. نحن في زمن تردى وتداعى فيه كل شيء، وليس مطلوباً من الكاتبات التواجد خارج هذا السياق، والا سيكن ايضاً متهمات بالضرورة. وكما هي العادة فان البعض عندما يريد ان يكون معروفاً في أي وسط فان الاسهل بالنسبة له ان يلقي الحجارة على الثمار. وأكدت السيد أن كاتباتنا بخير، والكتابة أيضاً بخير، لكن المشكلة في النقاد، فالخطاب النقدي خطاب فاشل ومترد ولا يواكب الابداع، وبالتالي لا يسانده. النقاد يتبعون أهواءهم واضافت تقول لا نستطيع ان نفصل ابداع المرأة ونضعه في خانة مغلقة، فانه جزء لا يتجزأ من الابداع ككل. ولكن من منظور نسائي "البيولوجي" والنسوي "الثقافي" اذا كان البعض يلقي على كتابة المرأة بشقيها تلك الادعاءات، فانه لا يتمتع بالشفافية، فالنقاد/ الناقدات يتبعون اهواءهم، ولا يتبعون مناهج فكرية او معرفية خاصة بالنقد كعلم مستقل، حيث النظر الى العمل الابداعي فقط دون النظر الى جنس المبدع. ونقادنا/ ناقداتنا يواجهون ايضاً مشكلة حقيقية تتمثل في المناهج النقدية المستوردة التي لا تخص إبداعنا، ويحاولون قولبة هذا الابداع ليتواءم مع نظريات جامدة خاصة بمجتمعات اخرى لها مرجعياتها الفكرية والتاريخية والعقائدية، حتى انهم لم يكلفوا انفسهم عناء التجديد او توفيق اوضاع النص الابداعي بما يخصنا نحن بمرجعياتنا الفكرية والاجتماعية والتاريخية. خطاب المصالح الشخصية وحول ترويج نقاد من الرجال لكتابات نسائية حتى ولو كانت رديئة اشارت عفاف السيد الى ان بعض الرجال لهم اغراضهم سواء كانت ايجابية او سلبية، وهذا يحدث مع كتابات الرجال ايضاً، ويخص افراداً ولا ينطبق على الجميع، مع عدم اعترافي بوجود خطاب نقدي حقيقي ونزيه سواء بالنسبة للرجال او النساء. وهناك كاتبات كثيرات يعتمدن على متلق افتراضي هو القارئ ولا يعتمدن على وجود ناقد. النقد الموجود الان خطاب مصالح شخصية، ولا نستطيع ان نقول انه يساند او لا يساند الابداع. وإن الباقي هو النص الابداعي وعلاقته بالقارئ. التنوع الاجتماعي (الجندر) وختمت عفاف السيد مداخلتها أيضاً بالتساؤل: لماذا نقول الاعمال الادبية النسائية؟! وأجابت بقولها إنني أرى التفرقة البيولوجية مجدية، فهناك ابداع نسوي يكتبه رجل او امرأة، وهناك نقد نسوي ظهر في الغرب منذ 50 سنة، وهو منهج نقدي له آلياته التي تطبق جميع أشكال الكتابة، بما فيها الكتابة التي يكتبها رجال وليس له علاقة بالجندر "التنوع الاجتماعي" لكن نقادنا لم يطلعوا على هذه النظرية الا بعد 50 سنة من ظهورها في الغرب شأن كل الاشياء. الآراء المسبقة وأكدت الاديبة والناقدة فوزية مهران أن كثيراً من النقاد لا ينظرون الى العمل الادبي، وانما ينظرون الى كون الكاتبة امرأة، ويصدرون آراء مسبقة قبل قراءة العمل بعمق والنقاد في عجلة من أمرهم، ويستخدمون في النقد أدوات غريبة علينا، ويتحول النقد على أيديهم إلى جداول وعمليات حسابية، وهناك النقد الذي نجده في الصحافة اليومية ويتسم بالسطحية، فهناك أزمة في النقد، إذ نادراً ما نجد الناقد الذي يدقق ولا يقرأ العمل قراءة سريعة، ولا يصدر آراءه قبل ان يقرأ العمل جيداً. وتضيف مهران قائلة لا بد من التفرقة بين الغث والسمين، ولا بد أن نساند الأعمال الجيدة للشباب، خاصة العمل الأول، فاذا كانت لدينا اديبة شابة صدر لها العمل الاول وكان عملها جيداً يجب ان نساندها، ونقيم عملها بدقة شديدة، ونبصرها بالطريقة الصحيحة، فمهمة الناقد أن يقول للكاتب أحسنت في هذه القصة، وأسأت في تلك القصة، والكاتبة الناشئة يمكن ان تضيف جديداً. جيل من الكاتبات واعترضت مهران على إطلاق الرصاص على أعمال أدبية، لأنه لا يصح لنا - نحن النقاد - ان نكون قساة، وإنما لا بد من تبصرة الكاتبة، فربما تقوم بتعديل مسارها، وتمتنع عن اصدار اعمال هابطة، وربما اذا اطلقنا الرصاص على عملها نكون قد صادرنا موهبة واعدة في المستقبل. مشيرة إلى أن الشباب يمر بمرحلة صعبة، خاصة من يمنح نفسه للتأليف، وعلينا ان نساندهم فقد تكون فيهم بذرة جيدة، فالنقد عملية انسانية قبل ان يكون حدوداً وحواجز، وهو حضن دافئ ومشاركة. ويجب الا نرفع ايدينا عن الشباب، لانهم الذين سيؤول المستقبل إليهم، وعلينا الا نصادر هذا المستقبل، وانما نقدم لهم مزيداً من الدفء والمحبة. وهناك امل في جيل من الكاتبات الجيدات. يسقط المبتذل وترى الشاعرة نور نافع رئيس جماعة شعراء العروبة أن الأعمال المبتذلة يجب أن تسقط، وإذا كانت المرأة قد كتبت أعمالاً فيها عري او انحلال او اشياء لا تتماشى مع الأديان، فإن هذا يعد سقوطاً، وقد فتحت الناس صدورها لهذا النوع في البداية، ثم أعرضوا عنه، مشيرة بقولها أنا لا أقر هذا النوع من الكتابات. واكدت نور نافع انه توجد كاتبات جادات يعالجن قضايا محترمة ويسبقن الرجال، لكن المشكلة ان الرجال لهم ساحة أوسع، والمسألة ليست تقصيراً من المرأة، فالساحة ليست مفتوحة لها حتى هذه الآونة. في إشارة إلى أن النساء يؤدين واجبهن على اكمل وجه. وقد يعاب على الكاتبات انهن يكتبن في موضوعات قليلة مثل العراق وفلسطين، والواقع ان اقلامنا تسبقنا الى هذه الموضوعات، وصحيح ان هناك كتابة زائدة في هذه الموضوعات، لكن الزيادة في هذه القضايا قد تعد نوع من المعالجة. واضافت إن النقاد يظلمون المرأة، حيث يصفونها بانها متخلفة، رغم انها ناضجة جداً ولديها قدرة عالية على الفهم، ومتقدمة في الارادة المالية وغيرها من المجالات، واذا طلب منها الجهد فانها لا تتقاعس. الشعر النسائي كانت د. اعتماد معوض قد حصلت على درجة الدكتوراه من كلية دار العلوم في موضوع "الشعر النسائي في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين" وعندما سألناها في هذا الموضوع قالت: هناك أديبات جيدات يستحققن النقد البناء، وهناك شاعرات في الفترة التي درستها في الرسالة أفضل من الشعراء الموجودين حالياً، ومن كانوا موجودين من قبل، ومنهن كثيرات على الساحة العربية. وأشارت إلى أن الشاعرة الجيدة يجب ان نشجعها، ومن تخطئ ننمي الجانب الجيد فيها. لكني في دراستي هاجمت الشاعرات اللائي يكتبن شعراً مكشوفاً، لانه ليس بشعر، ومن تكتبه تلطخ الشعر بهذا الكلام. الجماعات النقدية المسلحة وننتقل في الاستطلاع إلى الساحة السورية حيث تتفق أغلب الكاتبات في وجهة النظر حول مسدس الناقد مع وجود بعض الاختلافات الطفيفة فترى الروائية جمانه طه إن ما قالته الناقدة شيرين ابو النجا عن الأدب النسوي أثناء مناقشتها المجموعة القصصية ( البنت التي سرقت طول أخيها ) للكاتبة صفاء النجار ، أثار دهشتي وفضولي في أن معا دهشتي أنه لم يسبق لي آن سمعت عن ناقد تخلى عن القلم والمصطلحات، وأمتشق مسدسا ، وفضولي في أن أعرف إلى أي جماعة مسلحة تنتمي الناقدة أبو النجا لأنها ركبت على ما يبدو موجة العولمة وتأثرت بمصطلح الحرب الاستباقية فأصدرت حكما مبرماً على الأدب الذي تكتبه النساء وهنا اسمح لنفسي أن تتساءل:لماذا نتهم الرجال بالفوقية وبالتجلي على الأديبات ، وبيننا مثل أبو النجا ؟ ألم يقل المثل الشعبي ( المرأة بلاء المرأة ؟ ). كما انني لم افهم المعنى الذي قصدت اليه الناقدة بقولها ان كتابات المرأة غير حقيقة .هل المطلوب من المرأة ان تعيش تفاصيل روايتها أو قصتها أو قصيدتها ، قبل ان تكتبها كي تنال شرف الكتابة الحقيقية؟ تباين واختلاف وأضافت الروائية جمانه طه: لا شك ان كتابات النساء تتباين وتختلف في جودتها وجماليتها مثلما تتباين وتختلف كتابات الرجال وهذا أمر طبيعي ومسوغ لان لكل إنسان رؤية وأسلوباً وثقافة خاصة به تميزه عن غيره رداءة أو جودة ترو هل جاءت القصائد التي كتبها المتنبي وأمثاله من الفحول في القديم والحديث على سوية واحدة ،فنيا وفكريا وجماليا ؟ وتتساءل الروائية طه : من يستطيع أن يحدد قيمة النص الفنية قبل أن يقرأه بدقة وعلمية ، وان من حق الكاتب أن يشير بقلمه المتخصص الى مواطن الجودة أو الضعف في النص ،ولكن ليس قبل العودة إليه مرارا والتفكير فيه كثيرا فالناقد العلمي الموضوعي يمس و لا يجرح ، يعلم ولا يهيمن والناقد الحقيقي يكون في كثير من الأحيان مبدعا ثانيا للنص ، لان نقده ليس كتابة باردة لا روح فيها وانما هو تفاعل مع النص وولوج في روحه يسعى الى اسقراء القيم الجمالية والحضارية بأسلوب معين ولغة خاصة كما فيه كثير من الإنسانية ووجدانه . وتتساءل مرة أخرى هل يوجد في المشهد الثقافي العربي حاليا نقد نوعي ؟ وتجيب قائلة: لا يوجد نقاد بالمعنى الحقيقي للكلمة واذا وجدوا فعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، والنص النقدي الشائع في هذه المرحلة الزمنية يشبه وجبة طعام سريعة هي لا تشبع و إنما تساعد على استمرار الرمق ، وقد لا يكون هذا أمرا مذموما على ما فيه من سطحية في التناول والمزاجية في الحكم لان التعريف بالعمل الأدبي يعرض محتواه والتنويه بمثالبه وحسناته ، يفتح كوة أمام الأديب ويتيح للقارئ المتتبع أن يتعرف على كل ما يصدر، وتختم الروائية طه: رغم كل ما قيل من بعض الكاتبات تمكن من اقتحام الساحة الإبداعية بأعمال أدبية متميزة وهذا يدل على ان الحرف المبدع يثبت وجوده بصرف النظر عن جنس كاتبه ، انا شخصيا أطمح الى ان يكون القرن الحالي أكثر ولاء للمرأة وأكثر إيمانا بموهبتها الإبداعية لأنها تستحق. زمن الاستهلاك وتقول الكاتبة قمر كيلاني إذا كانت الناقدة د. شيرين أبو النجا تشهر مسدسها لتغتال النصوص فإن غيرها من النقاد كثيرون الذين يجب أن يغتالوا فن الغناء الهابط، والآخر التشكيلي الذي لا بفهمه أحيانا حتى أصحابه، والشعر الحديث وما بعد الحديث، وقصيدة النثر، الى آخر القائمة فيما يتعلق بالفنون ذلك لأننا أصبحنا في زمن يمكن أن نسميه زمن الاستهلاك. ولا يخلو النقد أيضاً ممن يتربص به ليقذفه بالحجارة إن لم يكن بالمسدس، وليس مفهوماً ماذا تريد الناقدة بقولها (غير حقيقي؟؟) فهل المفروض في الأدب أن يكون حقيقياً أو نابعاً من تجربة حقيقية؟ ومع هذا فإن كثيراً مما تنتجه المرأة هو حقيقي بالنسبة لتجاربها الخاصة، وإن كانت في هذا (الحقيقي) تحلّق على أجنحة الخيال، وتسافر بعيداً الى سماوات مجهولة، او تحط على أرضٍ غير مأهولة. وترى الكيلاني : من حيث المبدأ لا يوجد أدب للمرأة وأدب للرجل فهناك أدب فقط، وهذا اصطلاح أطلقه الغرب من باحثين ومستشرقين على ما ظهر من أدب المرأة في القرن قبل الماضي فأصبح مصطلحاً، ونستطيع استخدامه تجاوزاً، أو نستطيع القول: إن ما تنتجه المرأة هو نسوي أو خاص بالمرأة بطريقة ما. وفي هذا الكم الذي يفيض يوماً بعد يوم مع حركة تحرر المرأة يحتوي الجيد والرديء، وما لا نستطيع أن نسميه أدباً، ومع هذا فإنه يلقى رواجاً لأنه صادر عن المرأة، ويكفي أنه يطلق صرخة أو صوتاً يعبر عن المرأة التي ظلت غافية قروناً بعد قرون. علماً بأن الأدب العربي منذ الجاهلية وفي عصور ازدهاره كان يفخر بنجوم ساطعة في الأدب وخاصة في الشعر، فماذا يضيرنا أن يكون بين أيدينا أدب يلامس ولو من أطراف الحواشي مشاعر فئة من النساء أو يعبر عنهن؟ إن هذا مقياس آخر لا يدخل باعتبارات النقد وربما نقول: هل عاد بين أيدينا نقد خالص نزيه منهجي وموضوعي بحيث يفرز العملة الرديئة من العملة الجيدة؟ وتضيف الكيلاني: أعتقد بثبات أن النقد أيضا في مجمله دخل في لعبة الاستهلاك ودار في حلقة الدعاية والإعلان حتى أن كثيراً من الكاتبات اللائى لمعت أسماؤهن في العقود الأخيرة كن نتاج نقدٍ متحيزٍ وغير منصف، إضافة الى أسباب أخرى كثيرة تُدخل الأنوثة في حلقتها. وعندما يعود النقد لتقييم إنتاج المرأة تقييماً صحيحاً نستطيع أن ندخله في مقاييس النقد عموماً ونصنفه في مرتبة معينة، أما أن نقول: إن هذا رديء ويستحق الاغتيال، فهذا مردود على النقاد أنفسهم. إذ ماذا نقول عن هذه الأعمال التي تتقوقع في تجارب الحب الفاشلة والنواح على إهمال الرجل لها أو الحصار ضمن دوائر مغلقة من التجارب الذاتية التي لا تهم أحداً؟ إن معاناة المرأة في المجتمعات الذكورية وتعبيرها عن هذه المعاناة بالأدب هي في الأساس رد فعل لهذا المجتمع الذكوري البطريركي أحياناً الذي أمعن في إهمالها، ووضع الحواجز الشائكة بينها وبين التعبير عن نفسها فإذا بها ترتمي في حقول الكلمة ولو كانت شائكة وصولاً الى التعبير عن نفسها وعن مثيلاتها من النساء اللائي أسدلت فوقهن الحجب. ومن هنا نجد أن كثيراً من هذا الإنتاج يلقى قبولاً عند فئات كثيرة من النساء. والمرأة التي تتوق الى عوالم الأدب تختزن في ذاكرتها تفوق الرجل وتتخذه نموذجاً لها، ولو أنها تصبغه بالصبغة الأنثوية، وقد تستعين بالرجل فعلاً في إنتاجها او على الأقل تطلعه عليه ليضع لها لمساته فوقه، وقد صادفنا مثل هذه الحالات التي وصلت أحياناً الى حد الفضائح الأدبية. وتخلص إلى القول إذن فلنترك المرأة تكتب ما تشاء لمن تشاء وكيف تشاء، فلابد من خلال تجربتها الغضة من أن تنضج ويؤتي أدبها ثماره المرجوة، ولا نظل نعتبر أن هذا أدب رجالي والآخر نسائي، إنما هو إنتاج إنساني مجتمعي او تعبير عن روح تتطلع الى الإبداع. حميمية الناقد وتؤكد الشاعرة العراقية ساجدة الموسوي أن الأدب بشكل عام نتاج انساني سواء كان المبدع رجلاً ام امرأة ومثلما هناك نتاجات حقيقية وركيكة للكثير ممن دخلوا عالم الأدب وبشكل أو بآخر هناك نتاجات ضعيفة أو ركيكة للمرأة ...وتضيف: على الناقد ان يكون حميماً مع كاتب النص يثني على المبدع ويوجه القاصر بل أن مهمة الناقد تتعدى ذلك إلى القارئ أو الجمهور فهو البوصلة التي يعتمد التي عليها او يبني عليها القارئ قياساته في التمييز بين الغث والسمين وللأسف ما يزال النقد في بلادنا العربية قاصراً عن ملاحقة النتاج الأدبي وتقديمه فكثير من الكتابات الرديئة تمر دون أن يشير لها أحد وللأسف هناك من النقاد من يجامل الكاتبة القاصرة إبداعيا وبذلك يكون قد خدعها، لأننا لا نزال نفتقر الى الدراسات الموضوعية الجادة حول الأدب النسوي ( ان صح التعبير ) فالمرأة الأديبة أغنت تراثنا وحاضرنا بالكثير من الإبداعات على كافة مستويات الإبداع الأدبي ، إما إذا ظهر نتاج ضعيف فهذه حالة شاذة لا يقاس عليها لان هناك قانونا ضمنيا أسمه (البقاء للأصلح) . نقد غير حقيقي من جانبها تتساءل الباحثة منيرة حيدر: ما الذي تقصده الناقدة شيرين ابو النجا ب ( غير حقيقي ) ؟ و لمَ هذا الغموض بالطرح ؟ ولم هذه القسوة ؟هل تعني بذلك الكتابات الرديئة ...أظن أن الذي يلقي اللوم عليه ليس الكاتب فحسب بل الجهة التي تصدر نتاجه الرديء ولمَ المرأة ؟أليس هناك نتاجات رديئة للرجال ؟ النقد الحقيقي هو الذي يستند على مقاييس وأسس علمية يمكنها فرز النتاج الجيد من النتاج الرديء .وتعتبر الباحثة حيدر ان التطور الذي حققته المبدعة العربية في العقود الأخيرة رغم العوائق التي تواجهها مما انعكس على حضورها الأدبي والإبداعي وهي ما زالت محكومة بالعلاقات الاجتماعية السائدة . وترى حيدر ان الفصل والتمييز بين النتاج الإبداعي للمرأة والنتاج الإبداعي للرجل هو تميز مغلوط بل يسعى الى تأخير تقدم المرأة ومشاركتها الفاعلة كإنسانة مبدعة سواء بسواء مع الرجل. تقييم الأعمال وتقول الروائية وصال سمير لماذا تتحسس الناقدة ابو النجا مسدسها حين تصدر أية كاتبة كتاباً ، رغم أن العديد من النسوة قدٌمن أعمالاً في غاية الإتقان والنضج الفكري والعلمي ، رغم و اقعها الذي تحيا فيه ..ولكن هذا الواقع لا يشكل عائقاً أمام الأديبة الموهبة لتقدم أعمالا موهوبة ، ولكن يجب أن تخضع هذه الأعمال إلى الدراسة المنهجية الواقعية والواعية هي التي يمكن أن تحدد مستوى الناقد البعيد عن التحيز و المداهنة والتودد . فالعلاقة بين الأديب والناقد هي علاقة احترام متبادل ..وليس علاقة معركة مستمرة بين الطرفين. رفض الواقع تقول الباحثة أيمان القاضي : ( إن مصطلح الأدب النسوي مصطلح مشروع وصحيح .. مصطلح يثير غضب الكاتبات ان فهم جيداً لا ينال من قدرة الكاتبات و يقلل من شأنهن ) ، وفي الواقع لن يكون أدب المرأة حكراً على رفض الواقع والثورة عليه للوصول الى الحرية المنشودة فالتجربة الاجتماعية هي الأساس في حياة الأديب سواءً أكان ذكراُ ام أنثى ..وترفض الروائية سمير اتهام الدكتورة أبو النجا أن تتهم الجنس الأدبي بالضعف والرداءة ، فإن وجد مثل هذا الضعف وهذه الرداءة فهي موجودة ايضاً لدى الأدب الذكوري ..وقلة هم الكتاب الذين أبدعوا وتميزوا ، وتختتم الروائية سمير : انا شخصياً أومن بأن للأدب نهراً واحداً تصب فيه كافة الأجناس الأدبية ، وسيظل النقاد يتابعون نقدهم بنزاهة وغير نزاهة وستطل المرأة تعاني من تلك الثنائية رغم تطور المجتمع الذي لم يصل بعد الى مرحلة الارتقاء وليس عيباً ان نؤمن بالمتضادات ، ولكن لا أوافق أبداً على الأحكام المسبقة التي أطلقتها الدكتورة شيرين ابو النجا ولا أوافق على الادعاء بضعف أدب المرأة ، وضعف الصورة الفنية لمجمل أعمالها. وعلى الرغم من كل هذه الآراء فلا زالت هناك آراء كثيرة فنحن لا نتمكن من رصد كل الآراء حول هذا الموضوع، وفي الجزء الثاني سنرصد بعض الآراء السعودية وربما الخليجية، نتمنى أن نوفق للإحاطة بموضوع هام على الساحة الثقافية. عفاف السيد شيرين أبو النجا