الكتاب: الديموقراطية والعلمانية في التجربة الغربية الكاتب: منير شفيق الناشر: المركز المغاربي للبحوث والترجمة - 2001 م يزعم الكاتب منير شفيق في كتابه "الديموقراطية والعلمانية في التجربة الغربية" ان الافكار التي طرحها في هذا الكتاب تغاير ما طرحه كثيرون في تقديمهم نقدياً تجربة الغرب في الديموقراطية والعلمانية وحقوق الانسان. ويمضي في زعمه الى القول بفشل هذه التجربة عبر محاولات تفريغها من مفهومها الحقوقي الانساني ومن تاريخيتها كضرورة حياتية اجتماعية، وكتجربة ذات مخزون نضالي طويل، بإسباغ صفات عليها مثل: كونية، كوكبية، وعبر وضعها ضمن أطر محددة مثل العولمة وقيمها وأنظمتها ورؤيتها للعالم. ولا يرى المؤلف الديموقراطية والعلمانية في الغرب إلا في سياق ما أنتجته من ثقافة اعلامية ومنظومات فكرية حديثة، تمثّلت في ثقافة العولمة وما تعزز بظهورها وتشرعن باعتماد وجهات نظر ذات تجارب ومفاهيم وصل الحد بها الى اعتبار "المثلية" كحقوق كونية لا يحق لأي فرد أو أمة التحفظ عليها، وعلى هذا: "قِس في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة". وفي رأينا لا يجوز التعرض الى تجارب الغرب ومنجزاته، التي باتت تشكل محور اهتمام المفكرين والباحثين من عرب وأجانب من دون العودة بهذه الانجازات الى مرتكزاتها ومنطلقاتها الأساسية - الانسانية البحتة، ليس بوصفها منتجاً استهلاكياً وفق طروحات شعاراتية ايديولوجية، بل باعتبارها إنجازاً حضارياً أحدث نقلة نوعية في سيرورة منظومات الفكر الانساني. هذه التجارب - من دون شك - قامت بغية تحسين أوضاع الانسان الغربي، الذي اضطهد الى درجة الاستعباد ولقرون عدة. فظواهر الانحراف هي جوانب رافقت سائر حقب التاريخ. وليس من الانصاف سَوْق مثل هذه الانحرافات في سياق تقويم البحث عن الديموقراطية بمفهومها الغربي، ووصفها بأنها "موضوعة تكشف عن عمق الاستبداد والديكتاتورية، والقمع تحت جلود" من يرفعون رايتها. يعرض الكاتب منير شفيق الآراء التي يزعم انها تروّج لشعارات الديموقراطية، والتي من أبرز أهدافها "التسوية" على أية صورة جاءت، ولو ضمن الشروط الاسرائيلية - الأميركية، مع ذكر أسماء أصحاب هذه الآراء في هوامش الكتاب. ومن أبرز هؤلاء الدعاة لمشروع العولمة والديموقراطية: سعدالدين ابراهيم، وعلي سالم، وعبدالحميد البكوش وسواهم. ويطلق المؤلف تساؤلات كثيرة حول الالتباس لدى من لا يقرون بالديموقراطية الغربية، ويعتبرونها "مجمَّلة" في مجتمعاتنا العربية، وذلك لأنها تمثل "الهجوم على المرجعية الإسلامية". ويرى المؤلف ان الديموقراطية بمفهومها المجرد تعني حرية التعبير، وحق إقرار مبدأ التساوي و"التعددية السياسية"، يقابلها في ذلك "مبدأ الشورى" في الاسلام. إلا أن الافتراضين اللذين طرحهما المؤلف في هذا السياق بأن "من ينظرون الى الديموقراطية الغربية، منبهرين بها فإنهم لا يعرفون إلا ظاهرها، إذ ان الديموقراطية الاميركية بحسب المؤلف "غير متحققة" هما افتراضان تعسفيان الى حد ما. إذ انه لا يجوز تعميم التجربة الديموقراطية الغربية المفرّغة من جوهرها، ومقارنتها بمبدأ "الشورى" في الاسلام، الذي يتناقض معها شعاراً وممارسة بحسب المؤلف. وفي سياق مقارناته يضرب المؤلف مثلاً على خواء الديموقراطية من مضمونها بأن "الأنظمة الأميركية لم تنصف السود ولا الأقليات" كما انها "أبادت الهنود الحمر" وكررت ذلك الديموقراطية الاسرائيلية في فلسطين". الديموقراطية كمبدأ ولعل من الأمور الحيوية التي لم يُعرها المؤلف التفاتة، الخيط الرفيع الفاصل بين الديموقراطية كمبدأ وقيمة فكرية متقدمة، وبين الانسان الذي مارسها كمصطلح سياسي ذي أبعاد ايديولوجية ظاهرها يتناقض مع مضمونها وما تنطوي عليه من دلالات تختزل تجارب لحضارات شكلت نضالاً لشعوب الغرب، لتحقيق العدالة والحرية بمعزل عن أية سلطة أو مرجعية. ويلاحظ فقدان وشائج الانسجام في أسلوب الكاتب ومحاولاته للربط بين مقولة الديموقراطية التي "تتحول الى ديكتاتورية مستبدة في الغرب حين يقترب أي كان من المساس بالصهيونية، أو الانتهاكات الفاضحة من الدولة العبرية بالنسبة الى الفلسطينيين"، وبين العلمانية في الغرب التي "تجيز للتدين والأديان أن تتخذ لتبشيراتها الوسائل التي تشاء، كما وتجيز ذلك لمن يعتقدون باللاديني". وعن المعادلة التي تحكم العلاقة بين "الدولة والدين، والدين والكنيسة، والدين والمجتمع" في ظل العلمانية يرى ان هذه المعادلة تشكلت على خلفيات متباينة في ما بينها. فكانت في بريطانيا غير تلك التي في فرنسا. وعلى رغم تنامي ظاهرة العلمانية وانتشارها في الغرب، حيث تركت آثارها الواضحة على اتجاهات المجتمع العلمي والثقافي، إلا أنها لم تنفرد بالقيادة أو بالتقرير، وإنما وجدت نفسها دائماً أمام ضرورة المساومة، والمصالحة مع الكنيسة ... وهذا ما سمح للوضع الغربي بأن يتوازن في محصِّلته في أكثر الأحيان". وهنا ينساق المؤلف مجدداً الى الوقوع في اشكالية من نوع آخر حين حاول مقاربة علاقة مفهوم العلمانية الذي يصفه ب"اللاديني" بأنها كانت "علاقة مضطربة، لكنها تلتقي وتتصالح في كثير من المواقع الاجتماعية، والثقافية، والسياسية وغيرها، وبين نموذج الدولة الاسلامية التي اتخذت من القرآن الكريم دستوراً لها". هذا النموذج الذي تنتفي معه "عبادة الأقوياء والأهواء الى عبادة الرحمن". وليس من المفيد للبحث طرح هاتين المسألتين على بساط المقارنة. فالعلمانية تشكّلت من مجموعة قيم فكرية وثقافية، واجتماعية هدفها إنشاء دولة بالمفهوم السياسي وتعبّر عن حاجات المجتمع بما يتناسب مع قيمه ومعتقداته الفكرية والدينية على حد سواء. في حين لم يطرح الاسلام فكرة الدولة الاسلامية الا بما يتناسب مع تطلعات وأحلام المجتمعات التي ينضوي تحت لوائها الكثير من العرقيات والإثنيات، وإن اختفلت مع هذه الفكرة دينياً وفكرياً، على اعتبار ان الاسلام هو الدين والدولة والنموذج الأمثل الذي اختاره الله للناس، وليس العكس.