اسقط مجلس الدوما النواب الروسي اقتراحاً قدمه الشيوعيون لحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميخائيل كاسيانوف الذي رفض حضور جلسة البرلمان، فيما غادر الرئيس فلاديمير بوتين العاصمة مطمئناً الى ان مساعي المعارضة ليست سوى "عاصفة في فنجان". وهذه أول مواجهة بين المعارضة اليسارية والحكومة منذ تشكيل الأخيرة قبل زهاء سنة اثر انتخاب بوتين رئيساً للدولة. وكان الشيوعيون وحلفاؤهم من الكتلة الزراعية أظهروا غير مرة ولاءهم لبوتين وأيدوا مساعيه لبناء دولة قوية. وبناء على اتفاق بين كتلة "الوحدة" الموالية للكرملين والشيوعيين، اقتسمت رئاسة اللجان البرلمانية ونصب الشيوعي غينادي سيليزنيوف رئيساً للدوما. وبدأ شهر عسل بين الكرملين واليسار الا انه لم يتمخض عن قرار باسناد حقائب وزارية الى الشيوعيين. وأكثر من ذلك، اعتمد الكرملين خطة اقتصادية ليبرالية وضعها ممثلون عن اليمين الراديكالي ما أثار غضب اليساريين ودفعهم الى التحرك لاسقاط الحكومة. الا ان الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف حرص على مقابلة بوتين قبل التصويت على حجب الثقة وأكد ان رئيس الدولة "متفهم". وغادر بوتين موسكو في "اجازة قصيرة" يقضيها في التزلج الجبلي مطمئناً الى نتيجة الاقتراع التي لم تكن مفاجئة لأحد. فقد صوت لقرار حجب الثقة 127 نائباً النصاب المطلوب 226 من اصل 450 نائباً وصوت ضده 76. واثر سائر النواب عدم المشاركة في الاقتراع، استجابة لطلب كتلة "الوحدة" الموالية للكرملين. وكان رئيس هذه الكتلة بوريس غريزلوف ذكر قبل أسبوع ان "الوحدة" سوف تصوت لقرار حجب الثقة من اجل "معاقبة" الشيوعيين. وأوضح ان صدور القرار يضع رئيس الدولة امام خيارين: اقالة الحكومة أو حل البرلمان، وهو بالتأكيد سيختار الحل الثاني. وأضاف ان انتخابات برلمانية مبكرة كانت ستؤدي الى تهميش الشيوعيين وتقليص نسبة تمثيلهم في البرلمان من 24 في المئة حالياً الى 12 في المئة. إلا ان استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات حكومية أظهرت ان الشيوعيين كانوا سيحصلون على زهاء 33 في المئة من الأصوات وذلك بسبب استياء شرائح واسعة من "خمول" الحكومة. وكان الاقتصاد الروسي حقق خلال سنة 2000 نجاحات ملحوظة بفضل ارتفاع اسعار النفط الا ان الأوضاع اخذت تسوء في الآونة الأخيرة. وذكر زيوغانوف في معرض تبريره لحجب الثقة ان نسبة التضخم ستصل في العام الحالي الى 30 في المئة بدلاً من 12 نصت عليها الموازنة. وحمل الحكومة مسؤولية تسرب 30 بليون دولار من روسيا سنوياً واتباع سياسة "ابادة وتجويع" الشعب واغراق محطة "مير" الفضائية تلبية لطلب اميركي. وأضاف ان "روسيا لا مستقبل لها مع حكومة كهذه". وتساءل المراقبون عن الدوافع التي حدت بالشيوعيين الى طرح اقتراح حجب الثقة على رغم علمهم سلفاً بأنه لن يحظى بتأييد الغالبية. وأشار محللون كثيرون الى ان زيوغانوف حاول بهذه الخطوة امتصاص غضب الراديكاليين الذين اخذوا عليه "المبالغة في التقارب" مع الكرملين. ومن جهة اخرى، فإن قيادة الحزب الشيوعي علمت سلفاً ان بوتين سيجري تعديلات وزارية ويمكن للمعارضة ان تقدم نفسها الآن ك"محفز" لهذه التعديلات. بل ان عدداً من خبراء السياسة ذهبوا الى ان الشيوعيين تحركوا بايحاء من بوتين الذي يريد التخلص من رموز ورثها عن بوريس يلتسن في الحكومة والديوان الرئاسي. ولفت الانتباه ان وكالة "ايتار تاس" الرسمية ذكرت في تعليق نشر اثر اعلان نتائج الاقتراع في البرلمان ان رئيس الدولة "لا يعتبر الحكومة فاعلة تماماً" وانه ينوي اجراء مناقلات فيها. وأبدى رئيس الوزراء ميخائيل كاسيانوف ارتياحه لنتائج الاقتراع وذكر انه لم يحضر الاجتماع "ليس تجاهلاً للبرلمان بل لأن الطلب بحجب الثقة جاء من كتلة واحدة ... نختلف معها من حيث المبدأ".