انعقد مؤخراً المؤتمر الأول للحزب الديموقراطي الاوروبي الجديد، وهو احد ابرز التيارات الكاثوليكية التي ولدت من رحم الحزب الديموقراطي المسيحي المنحل، ويقوده سيرجو دي انطوني الزعيم السابق لنقابات العمال المسيحية. اما الهدف فالمساهمة في تشكيل قطب ثالث يقف في وسطٍ ما بين قطب الحرية اليميني الذي يقوده سيلفيو بيرلوسكوني، وتحالف الزيتون الذي يقود السلطة في البلاد حالياً والمؤلف من سبعة احزاب يسارية. اما الهدف الابعد للحزب - القطب الجديد الذي انضم اليه رئيس وزراء ايطاليا السابق والسناتور مدى الحياة جوليو اندريوتي، والوزير اورتينزيو زكينو الذي استقال من حزبه الشعبي ومن حقيبته الوزارية، فاعادة ترتيب البيت الكاثوليكي الذي نخرته الازمات والفضائح. والمعروف ان الصواعق كانت تتالت على الحزب المسيحي الديموقراطي مُفضية به الى ان يخسر رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المحكمة الدستورية، ثم يكف عن الوجود. وكان لا بد من ان تهب رياح ثورة على مؤسسة الحزب التقليدية الحاكمة بعد مسلسلات الفشل الكثيرة. ثم بدأت معركة وراثة الحزب في اوساط الاحزاب الايطالية الاخرى، التي سعى كل منها الى اقتسام الغنائم. وبفوز اليسار عام 1996 زادت الغيوم التي لبّدت اجواء الطقس السياسي، فيما أدت هزيمة الديموقراطية المسيحية، بين ما أدت اليه، الى بدء عملية جرد الحسابات داخل المحورين اليميني واليساري على السواء. يومها تحدث الكثيرون من القادة الديموقراطيين المسيحيين عن وجود "استراتيجية تآمرية اميركية ضد الحزب"، ادت الى انهياره. لا بل قالوا ان الولاياتالمتحدة شنت حربا غير مقدسة على القيادات التقليدية عقابا على مواقفهم السياسية المؤيدة للعرب. اذ كانت مواقف الحزب، بحسب رئيس الوزراء ورئيس الحزب السابق شيريكو دي ميتا، "مثل حصى صغيرة داخل الحذاء الاميركي، وكان لا بد من التخلص منها". وبغض النظر عن هذه الاتهامات والمؤامرات الخارجية والداخلية التي نوّه بها، في اكثر من مناسبة، غير قائد مسيحي سابق، بدا ان الحزب غير قادر على الاستمرار في ظل الظروف الجديدة لما بعد الحرب الباردة. هكذا توزع الحزب التاريخي على اكثر من اربعين حزباً ابرزها الحزب الشعبي، وحزب الوسط الديموقراطي، وحزب التجمع الديموقراطي، وحزب الديموقراطيين للدفاع عن الجمهورية، وحاليا الحزب الديموقراطي الاوروبي. وبدوره كان فرانشيسكو كوسيغا، رئيس الجمهورية السابق واحد اقطاب الحزب الديموقراطي المسيحي المنحل، قد دعا جميع القوى الكاثوليكية الايطالية الى وحدة الصفوف من اجل استعادة ما اسماه "مجد الماضي". وطالب بإعادة "الوسط" الذي لا يزال، حسب زعمه، "مكانه فارغ في الساحة السياسية الايطالية". وكان كوسيغا سارع قبلا الى دعوة اكثر من 400 من رموز الديموقراطية المسيحية الى احد فنادق العاصمة الايطالية من اجل الاتفاق على تشكيل "المحور الثالث" بين بيرلوسكوني واليسار. وعلى هامش أعمال المؤتمر أكّد أندريوتي المثخن بجراح التعاون مع المافيا، وعصابات الاجرام المنظم، على ان جميع اعضاء الديموقراطية المسيحية من الطاقم القديم، والذين قادوا البلاد فترة امتدت اكثر من اربعين عاما، "سوف يذهبون الى الجنة" لما قدموه من خدمات عظيمة للامة الايطالية. واصر على ضرورة عودة الروح الى الديموقراطية المسيحية من اجل حمل البلاد الى بر الامان. وتتناقل الصحف الايطالية الانباء عن مستقبل الحزب الجديد وما اذا كان بإمكانه فعلا اعادة لحمة الديموقراطية المسيحية بمباركة وتشجيع من حاضرة الفاتيكان. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن لايطاليا التي بدأت بالكاد تخرج من الازمات التي سببتها لها المسيحية الديموقراطية، ان تعود الى بعث تلك الظاهرة السياسية؟