أولاً، بعض الدرر السياسية من فم تاليران القرن الجديد جورج دوبيا بوش: - "عندي حلم ... لا أستطيع التفكير بشيء أفضل من الحلم بالسلام لاسرائيل". - "لا تستطيع اسرائيل ان تفاوض على مسيرة السلام وهي تتعرض للإرهاب". - "حماس واحدة من أخطر المنظمات الارهابية في العالم اليوم ... حماس اعترفت بالمسؤولية عن انفجارات نهاية الأسبوع التي قتل فيها 25 شخصاً بريئاً، بينهم مراهقون كثيرون، وجرح حوالى مئتين آخرين. حماس مسؤولة عن موت مئات آخرين على مدى السنوات الماضية، وهي في الأشهر الاثني عشر الأخيرة قتلت أميركيين اثنين". وهكذا، فالرئيس بوش يحلم بسلام لاسرائيل، إلا أنه لا يتحدث عن سلام للفلسطينيين في دولة مستقلة. وهو سيحلم كثيراً إذا كان هذا موقفه. اسرائيل لا تتعرض للارهاب، وإنما تمارس الارهاب، وتتعرض لإرهاب مضاد، وطالما انها تقتل الفلسطينيين بسلاح أميركي فإن العمليات ضدها لن تتوقف مهما حلم الرئىس. ثم ان حماس حركة تحرر وطني، وهي كذلك حتى وأنا أدين عملياتها الانتحارية التي تقتل مدنيين، فقتل المدنيين خطأ بالمطلق، إلا انه لا يلغي ان اسرائيل دولة ارهابية لا حق لها بالوجود في أراضي الفلسطينيين. يتبع ان حماس ليست اخطر منظمة ارهابية، فأخطر منظمة ارهابية في العالم هي الجيش الاسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين بالسلاح الأميركي كل يوم. والرئىس بوش يريد من الرئىس عرفات ان يعتقل الارهابيين، وهناك ارهابيون فلسطينيون يجب ان يُعتقلوا ويُحاكموا ويُعاقبوا، ولكن مَنْ يعتقل الارهابيين الاسرائيليين الذين أطلقتهم الولاياتالمتحدة علينا؟ اول ارهابي في الشرق الاوسط وأحقد ارهابي هو آرييل شارون، وهو يترأس حكومة تضم ارهابيين مثله. وكما ان ابو عمار مسؤول عن اعتقال الارهابيين الفلسطينيين فإن جورج بوش مسؤول عن اعتقال الارهابيين شارون ووزرائه مثل افيغدور ليبرمان وبيني ألون وليمور ليفنات وتزاهي هانغبي، وقد بلغت الوقاحة بهؤلاء ان يصيغوا بيان الحكومة الاسرائيلية الذي اعتبر السلطة الوطنية الفلسطينية "كياناً يؤيد الارهاب" وفتح "منظمة ارهابية". الصحيح هو التالي: الولاياتالمتحدة ضحية الارهاب، وفي الوقت نفسه تؤيد الارهاب. والوضع هو ان اسامة بن لادن مارس الارهاب ضد الولاياتالمتحدة وطالبان تحتضنه في افغانستان، وأن آرييل شارون يمارس الارهاب ضد الفلسطينيين والولاياتالمتحدة تحتضنه. وهكذا يمثل شارون والولاياتالمتحدة بالنسبة إلينا ما يمثل اسامة بن لادن وطالبان بالنسبة الى الولاياتالمتحدة. كنت استطيع ان اقول ان شارون هو اسامة بن لادن "بتوعنا" وأن جورج بوش الابن هو الملا عمر "بتوعنا" إلا انني لا اريد للرئىس الاميركي ان يزعل وإنما اريد له ان يرى الحقيقة. والحقيقة الوحيدة هي ان شارون وعصابة الارهابيين التي يترأسها شركاء الارهابيين الفلسطينيين، فكل من الطرفين يبرر وجود الآخر. ولعل آخر ما يريد شارون هو ان تتوقف العمليات الانتحارية لتبدأ المفاوضات. ولا حاجة الى عبقرية في تلمس حقيقة موقف شارون، فقد كان ابو عمار بدأ يعتقل اعضاء حماس والجهاد، غير ان الحرب الاسرائيلية على السلطة الوطنية الفلسطينية تقيد حركة الرئىس الفلسطيني وأجهزته الأمنية، وتحد كثيراً من قدرة السلطة على اعتقال المطلوبين، فكأن شارون لا يريد لهم ان يُعتقلوا، وهو اصلاً لم يوجه نيرانه إليهم، وإنما الى البنية التحتية للسلطة في عمليات تضعفها وتدعم حجة الجماعات الفلسطينية المتطرفة، وتزيد نفوذها في الشارع الفلسطيني، وهو من الوقاحة بفضل الدعم الأميركي ان يقيد حركة ابو عمار في اعتقال المطلوبين ثم ينذره إذا لم يعتقلهم. لا أعفي ابو عمار من اي مسؤولية يتحملها بحكم موقعه رئيساً للفلسطينيين، فهناك سلطة وطنية يجب ان تكون سلطة واحدة، وهو استطاع ضبط الاوضاع بعد عمليات شباط فبراير 1996 التي جاءت بالمتطرف الآخر بنيامين نتانياهو الى الحكم، وعطلت عملية السلام ثلاث سنوات، ربما كانت سبب وصول شارون الى الحكم اليوم. بصراحة، لا أعرف إذا كان ابو عمار لا يزال قادراً على ضبط الوضع، فتجربته منذ عاد الى السلطة هي عبارة عن سلسلة من الفرص الضائعة. ويصعب في الشهر الاخير من السنة امام الكارثة المتفاقمة ان نتذكر ان المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين في الشهر الاول من السنة نفسها كانوا يتفاوضون على 18 بيتاً في الحي الأرمني لفتح ممر عبره من حائط المبكى الى الحي اليهودي في القدس. وكنت جلست مع المفاوض الفلسطيني الثقة صائب عريقات في دافوس، بعد ان وصل من طابا، وشرح لي على الخرائط الوضع. اين كنا وأين صرنا؟ ومن المسؤول؟ أكمل غداً.