"إذا كنتم مصرين على اعتبار أن عرفات ليس أسامة بن لادن فاعترفوا على الأقل بأنه طالبان لدى إسرائيل"... أو على الأقل الملا محمد عمر. العبارة قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون لوزير الخارجية الأميركي كولن باول، عساه يقدّر المرارة التي يشعر بها الأول، بعدما خيبّت إدارة الرئيس جورج بوش كل آماله بموازاة "الحرب على الإرهاب" في أفغانستان، بحرب الدولة العبرية على السلطة الفلسطينية وقيادتها... ومعركة "استئصال" الفصائل المعارضة التي اسقطت الهدنة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذ بدا اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي فرصة ذهبية لشارون، لتنفيذ ما يعتبره الحرب الموازية لمعارك التحالف الأميركي - البريطاني، فإن المعادلة المبسطة تظهر أن رياح العلاقة بين إسرائيل والتحالف لا تجري بما تشتهي سفن رئيس الوزراء. فلا اغتيال وزير يعادل قتل ستة آلاف في نيويورك، ولا ذرائع شارون لاغتيال السلطة وترحيل رموزها أو تصفيتهم، قادرة على اقناع بوش وإدارته بتأمين غطاء دولي للمخطط الإسرائيلي الجاهز منذ أكثر من سنة. وتكفي قراءة توجهات الرأي العام الأميركي بعد زلزال 11 أيلول سبتمبر، لإدانة ما زرعه زعيم ليكود ومن سبقه في رئاسة الوزراء منذ اغتيال رابين، ليحصده الأميركيون، أو على الأقل بعض نتائجه. وهذا ليس استنتاج تشفٍ، بل اقتناع رجل الشارع الأميركي نفسه، الذي بات أقرب إلى الاعتراف بأن السلوك الإسرائيلي لا يخدم دائماً مصالح الولاياتالمتحدة، بل يؤذيها. وإذا كانت ورطة عرفات تجددت بعد اغتيال زئيفي، يدرك شارون أنه ما زال هو أيضاً في مأزقه، وسيبقى مهما فعل، ومهما دمر من مقومات السلطة الفلسطينية، وحرض إدارة بوش على "الملا عمر الفلسطيني" و"أفغان الضفة وغزة". فالجوقة الإسرائيلية التي تعمل من القدس إلى الكونغرس، وأوروبا، لنزع "الشرعية الدولية" عن أبو عمار، تسقط في مأزق رئيس الوزراء ذاته الذي ما زال يعزف على نغم واحد منذ انطلاق الانتفاضة: إما تحويل الصراع مع الفلسطينيين إلى حرب أهلية تكويهم بنارها، وإما ترحيل السلطة إلى التاريخ، ودون الخيارين عوامل ومراحل صعبة. حتى حملة الاعتقالات التي تشنها السلطة على معارضي المفاوضات مع حكومة شارون، ومجرد هدنة في الانتفاضة، لا تقنع الحكومة الإسرائيلية ولن تقنعها بأن ما يفعله عرفات كافٍ لاثبات "جديته" في وقف العنف ضد الإسرائيليين. ولا يرضي شارون ولن يكفيه مخطط قضم الأراضي الفلسطينية ل"ردع" السلطة وتجنيدها في حربه على "الإرهاب"، تحت سيف الخوف من الحرب الأهلية. وتكتمل مرارة رئيس الوزراء لأنه لا يجد في البيت الأبيض اذناً أو عيناً يمكن أن تتغاضى عن كل ما يريد فعله، أو تتفهم أن مشكلة الدولة اليهودية مع الذين تصفهم بأفغان الشرق الأوسط، أكبر بكثير من قبولهم بوجود هذه الدولة. والمفارقة أن بوش نفسه الذي يعرض "حلاً" بهذا القبول، لا يعلم أن الفلسطينيين قدموا هذه الورقة حتى قبل مؤتمر مدريد! ولا تنفع التحريض الذي تمارسه جوقة شارون، جهود باراك الذي يتحسر لأن عرفات "ليس ديغول آخر، ولا من وزن السادات"، لأن كل ذلك تنويع على نغم لا يستوعب حقيقة ما حصل في 11 أيلول، كأن المطلوب من واشنطن ارسال الجيوش إلى الشرق الأوسط لمحاصرة "الجمرة" التي تكوي إسرائيل. ويجهل باراك، أو يتجاهل، ان الرئيس الفلسطيني لا يمكنه أن يكون بيتان ولا السادات، فظروف الصراع مختلفة، والأهم أن الولاياتالمتحدة لم تعد قادرة على الاستماع إلى النغم الإسرائيلي وحده... وهو بات كئيباً أكثر من سواد 11 أيلول، الذي لا يمكن أن يصيب واشنطن بعمى الألوان، إلى حد فقدان التمييز بين عرفات والملا عمر.