} أكد البنك الدولي أن العولمة ساعدت في خفض الفقر في عدد كبير من الدول النامية لكن لا بد من تسخيرها بشكل أفضل لتمكين الدول الأكثر فقراً وتهميشاً من رفع مستوى المعيشة لسكانها، سيما بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة والركود المتفشي في الاقتصاد العالمي الذي يتوقع أن يكون أشد وطأة على الفقراء. قال البنك الدولي في تقرير جديد أصدره أمس تحت عنوان "العولمة والنمو والفقر: بناء اقتصاد دولي للجميع"، ان الدول النامية التي عمقت اندماجها في الاقتصاد العالمي في العقدين الأخيرين رفعت مداخيلها بنسبة عالية وحسنت الظروف الصحية والتعليمية لمواطنيها، مشيراً الى ان هذه الدول التي تضم قرابة نصف سكان الكرة الأرضية حققت نمواً سنوياً في دخل الفرد بنسبة خمسة في المئة في المتوسط في التسعينات مقارنة باثنين في المئة في الدول الغنية. لكن البنك الدولي رأى أن النجاح في هذا المجال لم يحالف دولاً كثيرة، وقال ان "نحو بليوني انسان يعيشون في بلدان، وعلى وجه الخصوص في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً، لم تتمكن من تعميق اندماجها في الاقتصاد العالمي وتعرضت اقتصاداتها للانكماش بنسبة واحد في المئة في المتوسط وعانت من تفاقم أوضاع الفقر في مجتمعاتها". وفي اطار خطة عمل اقترحها لمساعدة الدول النامية على الاستفادة من منافع العولمة وادارة مخاطرها، دعا البنك الدولي الدول الفقيرة الى تحسين المناخ الاستثماري في أسواقها وانشاء برامج ضمان اجتماعي لمساعدة فقرائها على التأقلم والاستفادة من الفرص في مناخ اقتصادي متغير. كما حض الدول الغنية على فتح أسواقها وخفض مستويات الدعم الزراعي الضخمة التي تحد من صادرات الدول النامية اليها وطالب بزيادة المساعدات الانمائية سيما في مجالي التعليم والصحة. وقال كبير الاقتصاديين في البنك الدولي نيكولاس ستيرن ان "تخلف" عدد كبير من الدول النامية عن اللحاق بركب العولمة يعود لأسباب ذاتية مهمة مثل ضعف الادارة والسياسات في هذه الدول، لكنه أشار في الوقت نفسه الى أسباب خارجية أهمها التعرفة الجمركية والحواجز التي تواجهها الدول الفقيرة والفقراء في الوصول الى أسواق الدول الغنية علاوة على تراجع المساعدات الانمائية. وشدد ستيرن على مشروعية المخاوف المثارة عن العولمة، لكنه أكد أن التخلي عن العولمة سيستوجب دفع ثمن لا يمكن احتماله ويدمر احتمالات تحقيق الازدهار للملايين من الفقراء. وقال: "لا نتفق مع أولئك الذين يريدون الانكفاء الى عالم من الوطنية والحمائية. اذ أن هذا الطريق يؤدي الى زيادة الفقر وهو في جوهره معادياً لرخاء الشعوب في الدول النامية". وذكر مسؤول البنك الدولي أن تعاظم اندماج الاقتصادات والمجتمعات في أنحاء العالم، كنتيجة لتدفق البضائع والخدمات ورأس المال والناس والأفكار عبر الحدود، بدأ بخفض الفقر في بلدان شديدة التباين مثل الصين والهند والمكسيك وأوغندا وفيتنام. وشدد على أن الآمال باستمرار هذا التقدم تلقت دفعة من الاتفاق الذي توصل اليه وزراء منظمة التجارة الدولية في الدوحة أخيراً باطلاق جولة جديدة من مفاوضات تجارية تركز على حاجات الدول النامية. وعرض تقرير البنك الدولي لتجارب العولمة لافتاً الى أن الموجة الأولى من العولمة التي امتدت من عام 1870 الى 1914 ساهمت في رفع دخل الفرد العالمي بسرعة ولكن ليس بالقدر الكافي للحؤول دون ارتفاع عدد الفقراء، بينما الموجة الثانية التي غطت الفترة من 1950 الى 1980 مكنت الدول الصناعية من تعميق الاندماج في ما بينها لكنها خلفت الدول الفقيرة معتمدة على تصدير المواد الأولية. وحسب التقرير انطلقت الموجة الثالثة في بداية الثمانينات وشهدت نجاح الكثير من الدول النامية في اختراق الأسواق الدولية لمنتجات الصناعات التحويلية، اذ قفزت حصة هذه المنتجات في صادرات الدول النامية من 25 في المئة عام 1980 الى زهاء 80 في المئة عام 1998. لكن البنك أوضح أن الفترة المشار اليها شهدت في الوقت نفسه تبايناً متعاظماً بين الدول النامية المتجهة الى الاندماج في الاقتصاد العالمي التي وصفها بالدول "الأكثر عولمة" ودول غير ذلك أطلق عليها صفة الدول "الأقل عولمة". وفي الدول "الأقل عولمة"، أي كل الدول النامية باستثناء الاقتصادات الناشئة ال24، بقيت حصة التجارة في الناتج المحلي اما مسطحة أو أنها انخفضت. وتضم هذه المجموعة الكثير من الدول في أفريقيا والاتحاد السوفياتي سابقاً وكذلك دولاً متوسطة الحجم مثل الجزائر ومصر وايران ومينامار وباكستان وفنزويلا ويقدر عدد سكانها بنحو بليوني نسمة. وأشار البنك الى أن هذه الدول سجلت كمجموعة في التسعينات انكماش دخل الفرد وازدياد عدد الفقراء بينما ارتفعت مستويات التعليم بسرعة أقل من الدول "الأكثر عولمة". واقترح البنك خطة عمل من سبعة بنود تهدف الى مساعدة الدول الفقيرة على الاستفادة من منافع العولمة التي حرمتها وتشمل: 1- أن تعمل الدول الصناعية على ازالة الحواجز التجارية وخفض الدعم الزراعي الذي يبلغ حجمه في الوقت الراهن 350 بليون دولار سنوياً، ما يعادل سبعة أضعاف المساعدات الانمائية، ويضر بالشعوب الفقيرة في الدول النامية ويعني ضرائب عالية وأسعاراً مرتفعة في الدول الصناعية. كذلك يمكن للدول النامية الاستفادة من خفض حواجزها التجارية التي لا تزال أعلى من الحواجز التي تواجهها في الدول الصناعية. 2- تحسين المناخ الاستثماري في الدول النامية عن طريق رفع مستوى الادارة الاقتصادية ومحاربة الفساد وتعزيز القواعد والنظم واحترام العقود وحماية حقوق الملكية. 3- تحسين أداء التعليم والخدمات الصحية. 4- توفير الضمان الاجتماعي بما يمكن العمال من التأقلم مع تحديات اقتصاد أكثر انفتاحاً. 5- زيادة المساعدات الانمائية التي لا تزيد في الوقت الراهن على 0.22 في المئة من الناتج المحلي للدول المانحة، ما يشكل أدنى مستوى لها منذ اطلاقها في نهاية الأربعينات. 6- دعم مبادرة تخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر فقراً التي تتبنى برامج اصلاحية. 7- معالجة مشكلة الإحتباس الحراري وتغير المناخ التي ستكون الدول الفقيرة والفقراء الأكثر تضرراً من آثارها.